صحاري أرض الصبيحة ليست بصحراء

> علي محمد زين الجفري:

> سعدت جدا حينما أضفت إلى مذكراتي ما تم اكتشافه في هذه الأرض التي كانت تبدو لي أنها صحراوية، إذ تغير المفهوم لدي بأن الصحراء ليست كما يراها الرحالة أو المسافر على أنها صحراء قاحلة أو أرض بور، بل فيها مكونات الأرض الخصبة الخضراء، فيها أنها تجري على عمق أمتار قليلة، ورمالها الناعمة البراقة ستنبت أصنافا من الخضروات والفواكه، علاوة على ما تحتضنه من المواد الخام الذي يصنع منه الزجاج الأسود الفاخر.

شواطئها ذهبية تسحر قلوب السياح وتجبرهم على معاودة الزيارة، وبحارها غنية بالأسماك الذي يعتبر أجود أسماك العالم و..و.. إلخ.

هذا وصف تحليلي بُني أو استند إلى دراسات وتقارير بريطانية أفشى أسرارها الضابط البريطاني الميجر (هملتون) في كتابه (الطريق غير المستوية The uneven RD) الذي صدر في عام 1955، ولقد تسنى لي ترجمة بعض منه بجهودي الخاصة، ونشرت حينها سلسلة من المقالات في صحيفتي «الأيام» و «14 أكتوبر»، كان هدفي لفت أنظار أجهزة الحكومات المتعاقبة، ولكن لا حياة ولا وعي لمن تكتب، يبدو أن عقولنا قد تصحرت وأفكارنا قد تبلدت ولم نعد نهتم إلا بربطة العنق ( Necktie) وجلسات القات.

لقد شغلت نفسي بدون شغل، وفي زمان لانعرف فيه الأجير من المؤجر ولا الأعمى من الأطرش، فعلى كل حال ترجمة اسم الكتاب تمت بالاستعانة وبرعاية المرحوم محمد عمر عقبة، صاحب المكتبة العريقة والملتصقة بمنزل السادة آل العيدروس في كريتر أمام مسجد (أبو الليل)، وهو ربما الشخص الوحيد الذي شغل منصبا كبيرا في مكتب المندوب السامي في عدن، ومما يؤسف له أن مكتبته المليئة بالكتب والمخطوطات النادرة قد عبث بها الجهلة والغوغائيون، ولم يتحقق لي ما كنت أصبو إليه من هذه المكتبة.

من هو هملتون؟

إنه الرجل البريطاني الأديب والكاتب والمؤرخ الذي تقمص البزة العسكرية والسياسية، وخاض حربا ضد الثوار اليمنيين الجنوبيين في أكثر من موقع.. لماذا؟ ليصل إلى هدفه الذي جاء من أجله، وبحسب جهات أخرى أوفدته واستعانت به ليتحرى على أرض الواقع مجمل ما تختزنه هذه الأرض من تاريخ وتراث وحضارة، لا ليكتب كما يدون لنا علماؤنا في التاريخ أو الاجتماع أو الأنساب، وهم قابعون في منازلهم!.

لقد وثق هملتون معلوماته من المراجع السماوية وكتب الأسلاف القديمة، بل هو شخصيا من عائلة أدبية كبيرة اشتهرت بتأليف ونشر عدة كتب عن السعيدة والجزيرة العربية والشرق الأوسط.

زيارة صاحب هذه الترجمة لهذه المنطقة

في الخمسينات أثناء العطلة الصيفية في لحج، رافقت صهري المرحوم السيد سعيد محمد علي، الذي كان أحد قادة الجيش اللحجي قبل نزوح القوات إلى مدينة تعز. استقللنا شاحنة الجيش البدفورد إنكليزية الصنع وانطلقنا من نقطة دار سعد القديمة مرورا بساحل البحر حتى قرب نقطة باب المندب، ومن صفحات تلك الزاوية التاريخية قرأت مبكرا بأن هذه المنطقة سيكون لها شأن عظيم متى ما وجد الإنسان صاحب الرجولة والعزم والعطاء، ومتى ما وجدت الدولة أو الحكومة التي يهمها استثمار الأرض والإنسان والتاريخ، ومتى ما ارتقت الخطط والبرامج إلى مقاسات ملامح الإستراتيجيات العملاقة، إنها حقا أرض ذهبية تختزن الكثير من مقومات وعناصر المدن والقرى والحياة العامة.. مياه السيول الهائلة تذهب هدرا إلى البحر، الصيادون بإمكاناتهم البدائية المتواضعة أمام بحر هائج مليء بالأسماك شيء مخجل وغير طبيعي.

خور العميرة: يحتضن هذا الأرخبيل ذو الموقع الإستراتيجي مينائين مهمين، الأول بحري يأوي السفن الصغيرة والقوارب الحربية وأمامه تحت سفح الجبل مطار طبيعي للطائرات. شرح لي صهري السيد سعيد أن المينائين كانا تحت الخدمة إبان الحربين العالميتين الأولى والثانية.

فإضافتي هنا إلى ما ذهب إليه هملتون، هو أن تستغل حكومتنا الموقرة الإجراء الآتي:

-1 الدراسة والزيارات الدائمة لإجراء مسح كامل وعاجل لهذه الأرض حسب ما تحتاجه من الأولويات على قاعدة خطوة خطوة نحو مشروع تنموي هرمي كبير.

-2 الشروع عاجلا بحجز مياه الأمطار والفيضانات بسدود ترابية عملاقة على غرار ما صنعه أبناء العبادل في كود العبادل في أبين، وكما أشرت إليه في عدد سابق في صحيفة «الأيام» الغراء، وهذا يمكن تعميمه في زنجبار وأحور.

-3 الإسراع في حيازة الطاقة النووية الكهربائية التي سيعتمد عليها في تفجير مخازن الثروات واستغلال كل ما هو مثمر ومفيد، على أن يربط هذا المشروع بفتح الطريق أمام سكة الحديد التي تربط اليمن بدول الخليج، وبدون هذه الطاقة الكهربائية والقطار سوف يكون الكلام عن التنمية برامج في الهواء.

أية تحفظات أو سياسات مغايرة داخليا أو خارجيا يستوجب تركها جانبا، فشعوب المنطقة تريد لقمة العيش والرخاء، فهم المعنيون وهم الباقون، وإن اقتنعنا نحن وغيرنا بهذا الشعار سنكون حتما موحدين شعوبا وقبائل وحكومات ودول إن شاء الله تعالى.

إلى أي مدى نثق بتحليلات ورؤى هملتون؟

(أ) لم يكن هملتون عشوائيا في سرده التاريخي الموجز، لقد اعتمد في الأساس على مصدرين أساسيين، أولاهما ما تقدم ذكره حينما استمد التاريخ من الكتب السماوية ومن رجالات الدين والتاريخ، وثانيهما ما توصلت إليه الدراسات والبحوث البريطانية في هذه المنطقة أو تلك، فمثلا عند وصفه للنهر العظيم (شبوة) إلى ما قبل خمسة آلاف عام ق.م، أي قبل سبأ، يقول إن هذا النهر كانت تتدفق إليه مياه أنهر أخرى من دول القوقاز وتركيا مرورا بسوريا والحجاز إلى اليمن (مأرب وشبوة) حتى وادي حضرموت، فالمسوحات الجغرافية والجيولوجية والطوبوغرافية، بل المآثر والشواهد الماثلة للعيان تؤكد صحة ذلك على الأرض والجبال.

(ب) الخارطة الزلزالية التي تربط تركيا ببيحان ونصاب وعتق أثبتها الواقع الملموس عندما ارتطمت هذه الارتدادات الزلزالية عند حدوث الهزة الأرضية بتركيا قبل سنوات.

(ج) قبل سنوات قليلة عندما باشرت بعض الشركات النفطية استكشافاتها للنفظ في (شبوة) حدث ما لم يكن في الحسبان إذ انفجر المخزون المائي إلى عنان السماء مما جعل مهندسي هذه الشركات يقومون بإغلاقها أو استعملوا طريقة أخرى حالت دون تشربها إلى سطح الأرض، شهد بذلك أكثر من شخص في شبوة.

السؤال هنا أين دور الحكومة ووزارتي النفط والزراعة؟ ألم يكن الماء قبل النفط؟ أو على الأقل الاثنان معا؟

(د) أذاعت إحدى القنوات الفضائية العربية خبرا مفاده أن جهودا تبذل في توجيه مياه الأنهار من تركيا عبر سوريا إلى دول الخليج، فإذا كانت هذه المشاريع قائمة في عصرنا الحالي فماذا بعد؟.

(هـ) حسب رواية هملتون يقول إن تلك المرحلة من عمر الكرة الأرضية قد أتاحت لجزيرة العرب أنهارا عظيمة، وما نهر الصبيحة إلا فرع من ذلك النهر العظيم، أي الفرع يبدأ من الحجاز، تهامة، أرض الصبيحة بجانب جبل (خرز) حتى مدينة الشعب، الحسوة، عدن. وعدن نفسها كانت مدينة الأنهار، كما وصفها معظم المؤرخين، حيث أشاروا إلى وجود قصر شداد بن عاد المبني من الذهب الخالص على سفح جبال الصهاريج التي شيدت في عصر قوم عاد، وكانت وظيفتها يومئذ خزن مياه الأنهار أو الشلالات المتدفقة من أعلى إلى أسفل.

وليس مستبعدا أن تخبئ هذه السهول والجبال أو الهضاب الجبلية كنوزا وآثارا لم نكن نتوقعها.

إذا هل ستقوم الدولة باستكشاف باطن هذه الهضاب قبل إنشاء المدينة المتوقع البدء فيها، أم ستتركها لعوامل الزمن وللأجيال المقبلة والمفاجآت الظريفة؟.

يقول الله تعالى عن قوم عاد: «ألم تر كيف فعل ربك بعاد، إرم ذات العماد، التي لم يخلق مثلها في البلاد، وثمود الذين جابوا الصخر بالواد..» إلخ (سورة الفجر)، و«كانو ينحتون من الجبال بيوتا آمنين» (82) من (سورة الحجر).

لايستطيع أحد تحديد حدود الأرض التي كان عليها قوم عاد وثمود، فعوامل آلاف السنين غيرت الكثير من الخارطة الجغرافية، كما يقول العلماء أما نحت الجبال فلايزال بعضها شامخا، وكلما أتت أمبراطورية أو دولة ادعت لنفسها أنها هي صاحبة ذاك التاريخ وتلك المعالم، مثلها مثل تاريخ صهاريج عدن.

ولله الأمر من قبل ومن بعد، وعلى الله فليتوكل المؤمنون.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى