تأنيث المهزوم

> أبوبكر السقاف:

> إلى أبناء الجنوب المسجونين في زنزانات تحت الأرض في صنعاء ..منذ اختفاء مجتمع الأمومة وظهور المجتمع الأبوي في تاريخ الإنسانية أصبح اضطهاد المرأة عنوان القهر الاجتماعي والسياسي والطبقي، فغدت معاملتها مدرسة القهر الأولى التي يتخرج فيها كل من يمارس أية صورة عن صور القهر، ومن هنا إلحاق كل صفات الدونية بما هو أنثوى، وجعل الذكورة وصفا مرادفا لكل ما هو رفيع، لذا فإن أبشع شتيمة توجه إلى صبي أو شاب أن يخاطب وكأنه أنثى.

هذه المرتبة الوجودية للمرأة هي جوهر النظرة الدونية، التي تصل إلى حد اعتبار المرأة إما غير إنسان أو إنسانا ناقصا، وهذا ما يصدح في القول بأن المرأة ناقصة عقل ودين، أي تجريدها من أهم صفتين تميزان الإنسان في المستوى الوجودي من حيث علاقته بالمسئولية عن الرشد العقلاني والمسئولية الدينية في كل ما يأخذ أو يدع من أمور الدنيا والدين. ويناقض هذا التصور آيات وأحاديث كثيرة بصورة صارخة، ولكن هذا الآيات والأحاديث تظل في عالم الإسلام المعياري، بينما الإسلام الذي يمارس بضراوة منذ قرون، يبدو صورة معدلة لمعايير الجاهلية التي ترتبط باستمرار جذورها في حياتنا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فقد أصبحت قيم الذكورة تكثيفا قائما لكل أنواع القهر والاستغلال والعلاقات غير السوية بين البشر.

إن التحرير الكامل للمرأة لن يتحقق إلا بتحرير المجتمع كله من الاستغلال والقهر، وكل الأساطير التي توظف لتبرير القهر الاجتماعي الطبقي، لذا فتحرير المرأة مرتبط بتحرير المجتمع من كل أنواع الاستغلال والقهر والدونية، ويصح أن نقول إن درجة تحرر وتحرير المرأة يصلح معيارا لقياس مستوى تطور المجتمع وتقدمه، ونجد عند الفيلسوف العربي ابن رشد صفحات فيها إلمامات وحدوس عبقرية، اختلف بها مع أستاذه وصديقه إفلاطون الذي جسد رأي المجتمع العبودي في المرأة.

إن قضية المرأة أكبر من أن تنزل لنصف المجتمع، لأنها هي مسئولية المجتمع كله.

هذا حديث يمكن أن يمتد صفحات وصفحات، ولكنني أكتفي بهذه الكلمات التي كتبتها بعد قراءة الكلمات التالية: «ازدادت وبشكل كبير القيود المفروضة على حرية التعبير والصحافة والتجمعات السلمية. وجد التمييز ضد النساء والجنوبيين في نطاق واسع، كما وجدت عمالة الأطفال والاتجار بهم» (تقرير الحريات.. الخارجية الأمريكية «الأيام» 2008/7/16)*.

إن جمع الطفل والمرأة والجنوبي في صعيد واحد يستند إلى منهجية راسخة في علوم الاجتماع والإنسان.. إنهم بلغة القرآن الكريم المستضعفون في الأرض، وتحريرهم لايتم إلا بتحريرهم معا في وطن حر وشعب سعيد.

جعل التأنيث صفة مائزة أولا للمرأة، ثم انداحت كرة الاضطهاد في كل أرجاء المجتمع الطبقي، وهو صورة مكبرة للأسرة البطركية في كثير من جوانبها. إن التحرير الحقيقى سوف ينجز عندما نعود إلى تصور كامل، يجعل المرأة إنسانا والرجل إنسانا، وهذا موجود في لغتنا العربية الجميلة، ولكن ركام قرون الاستغلال والقهر يحجب هذا المعنى.

إن نسانة وإنسانة عامية، خرجت من وعي تمييزي ذكوري، وهناك في لغات كثيرة اقتران صريح بين التأنيث والدونية، وليس في العربية فقط، فهذا من سمات المجتمعات التي لاتزال تنتظر تحرير الإنسان (المرأة والرجل).

إيراد الجنوبيين والمرأة والطفل في مستوى واحد في الفقرة المذكورة تأكيد على عمق وشمول الاضطهاد الذي يصطلى الجنوبيون بناره تحت شعار الوحدة، فكثيرا ما تكون أسوأ الأشياء والأمور تحريفا لأحسنها.

تأنيث المضطهَد صفة لازمة وملازمة للمجتمع الطبقي الذي يعيش وفق قوانين الاضطهاد والاستغلال، لا وفقا لقوانين الحرية.

من هنا فإن الاستجابة الصحيحة للقهر القائم في الجنوب لاتتحقق بوعي ذكوري تمييزي قاصر، بل بوعي إنساني شامل وعميق، والجنوب الذي عرف تجربة تحرر وتحرير للرجل والمرأة معا في مرحلتي النضال الوطني والاستقلال، قادر على اجتراح هذه المأثرة الإنسانية أو على الأقل الشروع في دخول عالمها، وستكون هذه صفة أخرى مائزة للانتفاضة السلمية في أرجائه، التي أدهشت المراقبين بسلميتها وتنظيمها وروح الاستمرار الشجاع على امتداد نحو عامين.

وبذلك يثبت الجنوبيون نساءً ورجالا شيبا وشبانا أنهم جديرون بالحرية، وهي مفتتح الكرامة والحق والحقيقة.. مرحى مرحى مرحى أيها الركب الجنوبي الصاعد!.

* في مناسبة قادمة يمكن الحديث عن ازدواج المعايير في ثقافة (المركزية الأوروبية)

2008/7/16

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى