الحلقة الحادية عشرة ..الدورة العاشرة 1932- العالم يطأ أميركا ثانية

> قطر «الأيام الرياضي» عن الجزيرة الرياضية:

>
جهدت الولايات المتحدة وتحديداً الجهات المسؤولة في مدينة لوس أنجليس الأميركية لاستضافة الألعاب الاولمبية للمرة الثانية وبدأ سعيها منذ العام 1920 واضعة نصب عينها تنظيم الألعاب في نسختها الثامنة العام 1924 أو التاسعة العام 1928.

إلا أن المسعيين لم يجدا بارقة أمل أو نافذة صغيرة يلج النور منها كي تمسي الرؤية حقيقة فدورة العام 1924 آلت لباريس بتمن خاص من البارون بيار دو كوبرتان, فيما كانت أمستردام الهولندية تقف على أهبة الاستعداد لاستقبال الأولمبياد العام 1928, وهي التي كانت عملت, دون نجاح, لاستضافة إحدى دورتي 1920 و1924, وبناء عليه انتظر الحلم الأميركي إثني عشر عاماً لاحتضان أكبر تظاهرة عالمية, أي العام 1932 في النسخة الأولمبية العاشرة عددياً والتاسعة فعلياً, وأقيمت الدورة وقتها ما بين الثلاثين من يوليو والرابع عشر من أغسطس 1932 لمدة ستة عشر يوماً بحضور رئيس اللجنة الاولمبية البلجيكي هنري دي باييه لاتور, وافتتح الدورة نائب الرئيس الأميركي شارل كورتيس, أما قسم الرياضيين فردده لاعب السلاح الاميركي جورج شارل.

إصرار ونجاح

لم تكن ظروف إقامة النسخة العاشرة من الأولمبياد مثالية, فكان العالم يرزح تحت ضائقة اقتصادية ومشاكل مالية بما فيها الدولة الأميركية, حتى أنه حين بادر المسؤولون في لوس أنجليس بتقديم مدينتهم كمرشحة لاحتضان الألعاب العام 1920, كانت الدول بغالبيتها, تفتش عن سبل الخروج من رواسب الحرب العالمية الأولى المضنية, ووقتها لم تجد المطالب الأميركية آذاناً صاغية, للأسباب السالفة الذكر, لكن الأمل لم يضمحل وصمد حتى وقع الاختيار على لوس أنجليس في ظل انعدام المنافسة, فكان اختيارها للاستضافة في المؤتمر الاولمبي السنوي في روما العام 1923, وكان آنذاك المسؤول عن الملف الأميركي وليم ماي غارلاند متسلحاً بطلب رسمي خطّه عمدة الولاية الأميركية, فدعم ذلك طلب الاستضافة إلى جانب تأثر أعضاء اللجنة الاولمبية الدولية بالحماسة والإلحاح الشديدين لدى غارلاند.

ما إن باتت آمال غارلاند حقيقة العام 1923 حتى انبرى بحماسة للعمل على التحضير للحدث العظيم, فتم تشكيل لجنة مدنية كانت النواة فيما بعد للجنة الاولمبية المنظمة, وجرى الانتهاء من بناء الصرح الاولمبي «لوس انجليس ميموريال كولوزيوم» الذي كان شُرع العمل به العام 1921, واعتبر من أضخم الصروح العالمية وقتها, فكان بسعة مئة ألف متفرج, جرى فيه حفلي الافتتاح والختام ومسابقات ألعاب القوى وكرة القدم والسباحة والغطس وكرة الماء وكان المسبح يتسع لعشرة آلاف متفرج, والجمباز والمبارزة, كما جرى خصيصاً بناء أول قرية أولمبية للرياضيين بكامل التجهيزات حيث نزل فيها الرجال من الوافدين, فيما نزلت النساء في فندق خاص فخم «شاربمان بارك أوتيل», وكانت القرية تتألف من مئات المباني, ومحروسة ليلاً نهاراً من خيالة تجوبها ذهاباً وإياباً, وقد أزيلت القرية بعد نهاية الألعاب.

واجهت الدورة قبل إقامتها العديد من الصعوبات الجمة, منها اقتصادية ومنها جغرافية تمثلت ببعد لوس أنجليس نسبياً عن دول أوروبا وسائر القارات, والكلفة العالية التي كانت تتطلبها الرحلة إلى أميركا, لذا للحيلولة دون سقوط مخيب اتخذت اللجنة المنظمة سلسلة تدابير لتحفيز الوفود على القدوم وللتخفيف من كاهل الأعباء المادية, التي لم تكن الولايات المتحدة سلمت منها أيضا وخصوصاً منذ العام 1929, فعملت, أي الجهة المشرفة على الألعاب بقيادة غارلاند على توجيه دعوات رسمية لسائر دول العالم للمشاركة, وخصصت لكل رياضي مبلغ دولارين للتنقلات اليومية, إلى جانب ما سبق وذكر عن الإقامة المجانية والمرفهة, ونجحت في تخفيض كلفة السفر والقدوم إلى الولايات المتحدة للثلث تقريباً فباتت خمسمائة دولار للفرد.

ومع كل هذا المجهود الذي بذل واعتبر آنذاك خارقاً وصعباً في آن, شارك في الدورة 1332 رياضياً منهم 126 رياضية, مثلن سبعاً وثلاثين دولة, مقابل 46 العام 1928 و2883 مشاركاً, أي العدد الإجمالي انخفض كثيراً عن ما سبق, وعانت الوفود من الارهاق نتيجة السفر الطويل, فمثلاً احتاجت البعثة الفرنسية لأسبوع كامل للوصول إلى نيويورك, تبعها استراحة في واشنطن لمدة 48 ساعة, ثم رحلة طويلة في القطار داخل الأراضي الأميركية, إلى أن وصلت البعثة إلى لوس أنجليس بعد 16 يوماً من مغادرتها مدينة لوهافر الفرنسية في الرابع من يوليو 1932, لكن القارات الخمس بقيت ممثلة, وشهدت الدورة مشاركة دولتين جديدتين هما الصين وكولومبيا.

لكن الانخفاض في عدد المشاركين قابله ارتفاع في المستوى على جميع الأصعدة, فجماهيرياً حضر الافتتاح ما يزيد على مئة ألف شخص والألعاب عموماً ما يزيد على مليون, ومالياً أشارت تقارير الصحف أن عائدات الدورة ناهزت المليون دولاراً, وفنياً جرى تحطيم ستة عشر رقماً قياسياً عالمياً, ومعادلة إثنين, بالإضافة إلى أرقام أولمبية بلغت السبعة بعد الثلاثين في أربع عشرة رياضة اعتمدت رسمياً في هذه البطولة, اشتملت على 117 مسابقة.

والألعاب هي, ألعاب الماء (سباحة, غطس, كرة ماء), ألعاب قوى, ملاكمة, دراجات هوائية, فروسية, سلاح, جمباز, هوكي على العشب, تجديف, الخماسي الحديث, الإبحار, رماية, رفع أثقال ومصارعة.

أما جديد هذه الدورة, بالإضافة إلى بناء أول قرية أولمبية بمعايير عالية (شهدت دورة 1924 قرية أولمبية بسيطة جداً) فكان تنظيمها بفترة صغيرة ستة عشر يوماً, من الثلاثين حتى الرابع عشر من أغسطس, وكانت أقصر ألعاب قبل ذلك دامت تسعاً وسبعين يوماً, ومنذ ذلك الحين باتت الفترة التنظيمية بين الخمسة عشر والثمانية عشر يوماً, وتم اعتماد آلة التوقيت التي تحسب الزمن بـ1/100 من الثانية, والصورة النهائية في سباقات السرعة, وقد استعين بها لتحديد بطل سباق المئة متر في هذه الدورة بعد التباس حول هوية الفائز, كما جرى ولأول مرة تتويج الفائزين على منصة خاصة مع رفع علم بلد الفائز وعزف النشيد الوطني, كما تم منذ ذلك الوقت تحديد عدد المشتركين لكل دولة في المسابقات الرياضية تجنباً للعشوائية.

المسابقات الرياضية

لم تشهد المسابقات الرياضية أي رياضة جديدة إنما منافسات جديدة مثل إدراج سباق الخمسين كيلومتراً مشياً للرجال, ومسابقة رمي الرمح للسيدات, علماً أن ست مسابقات اعتمدت للسيدات هي 100م, 80م حواجز, 4×100م, رمي الرمح, رمي القرص, الوثب العالي, مقابل 23 مسابقة للرجال, وشكلت مشاركة السيدات في أم الألعاب الظهور الأولمبي الثاني, وبرز عدة رياضيين في هذه الدورة مثل الياباني كوسيو كيتامورا Kusuo Kitamura الذي فاز بذهبية الـ1500م حرة سباحة عن عمر الأربعة عشر عاماً, والأميركية بايبي ديدريكسون Babe Didrikson التي تألقت في ألعاب القوى, والسويدي إيفار يوهانسون الذي فاز بذهبيتين في فئتين المصارعة الحرة واليونانية الرومانية, وأظهرت البريطانية جودي غينيس روحا رياضية عالية حين أعلمت القضاة أنها لم تلمس منافستها أثناء المباراة النهائية أمام النمساوية إلين برايس, لتفوز الأخيرة بالذهب بعدما كان القضاة أعلنوا نتيجة مغايرة.

بداية مع ألعاب القوى التي دائماً ما تحظى بحصة الأسد من الاهتمام أولمبياً, فقد شكلت هذه النسخة كسر شوكة العدائين الفنلنديين على سباقات المسافات المتوسطة والطويلة خصوصاً بعد حرمان عدائهم الرائع بافو نورمي الذي تألق في أولمبياد أمستردام 1928 من المشاركة بداعي الاحتراف, فشهد البطولة بعدما كان حضر إلى الولايات المتحدة من المدرجات, فتقلصت نتائج منتخب بلاده الذي حقق ذهبيتين في الـ5000م والـ3000م موانع, في حين نالت بريطانيا ذهبية الـ800م عبر توماس هامبسون Thomas hampson, وإيطاليا الـ1500م عبر لويجي بيكالي Luigi Beccali, وبولونيا الـ10 آلاف متر عبر يانوس كوسوسينكي Janusz Kusocinski, والأرجنتين التي فازت بذهبية الماراثون عبر خوان كارلوس زابالا Juan Carlos Zabala

أما في سباقات السرعة فدانت السيطرة لعدائي الولايات المتحدة الأميركية, مع بروز ملفت لـ«إيدي تولان» eddy tolan, الذي فاز بذهبيتي السبرنت في المئة والمئتي متر, وهو الوحيد الذي حقق لقبين في ألعاب القوى بين الرجال, وقد عادل في سباق المئة متر الرقم العالمي مسجلاً 10,3 ثوان, علماً أن القضاة عجزوا في هذا السباق عن تحديد البطل لشدة التنافس والتقارب عند الوصول, فلجأوا إلى الصورة النهائية «فوتو فينيش» لتحديد البطل, عكس سباق المئتي متر حيث لم يجد تولان صعوبة في الحسم مسجلاً رقماً أولمبياً جديداً 21,2 ثانية, وفي البدل 4×100م حطم الفريق الأميركي الرقم العالمي مسجلاً 40,00 ثانية متقدماً الفريق الألماني بفارق تسع أعشار الثانية, وفي الـ400م حطم الأميركي بيل كار الرقم العالمي مسجلاً 46,2 ثانية.

أما نسائياً كانت الأميركية القادمة من تكساس, إبنة الثمانية عشر عاما ذات الجسم النحيل, بايبي ديدريكسون نجمة البطولة إذ دمغت ألعاب قوى السيدات بطابعها, محققة رقمين قياسيين عالميين وحرمت من ذهبية ثالثة بعدما تم اعتبارها مخطئة بشكل مثير للجدل في الوثب العالي.

فازت في البداية بذهبية الثمانين متراً حواجز محققة 11,7 ثانية ومتفوقة على مواطنتها وزميلتها في الدراسة إيفلين هال, ثم فازت برمي الرمح محققة 43,68 متراً متقدمة منافستين من ألمانيا, وفي الوثب العالي تنافست مع مواطنتها جاين شيلي, فتخطت اللاعبتان حاجز الـ1,67 متراً بعد محاولة خاصة إضافية, لكن القضاة منحوا الفوز لشيلي معتبرين أن بايبي قامت بقفزة خاطئة, الأمر الذي حرمها ذهبية ثالثة. وعموماً اكتسحت الولايات المتحدة ألعاب القوى بست عشرة ذهبية مقابل ثلاث لفنلندا.

وقفات بارزة

شوي نامبو (1997-1904)

لاعب ألعاب قوى ياباني, شارك في دورة الألعاب الاولمبية العام 1928 في أمستردام بثلاث مسابقات, فحل تاسعاً في الوثب الطويل, ورابعاً في الوثب الثلاثي, وشارك في سباق البدل 4×100م مع منتخب بلاده, وفي دورة 1932 شارك وهو يحمل الرقم القياسي العالمي لمسابقة الوثب الطويل, لكنه حل ثالثاً في هذه المسابقة.

بعدها نافس شوي نامبو في الوثب الثلاثي ففاز بالذهب محققاً رقماً قياسياً عالمياً جديداً, طور أداءه بنفسه من خلال مراقبته لعدة أمور طبيعية, فطور تقنية ركضه من خلال مراقبته الأحصنة, وحسّن ميكانيكية حركة ذراعيه من خلال تدقيقه في حركة عجلات القطارات, كما استفاد من القردة والضفادع لتنمية تقنية قفزه, وعمل بعد اعتزاله محرراً رياضياً ومدرباً للمنتخب الياباني لألعاب القوى في أولمبياد طوكيو 1964, وأستاذا مدرسيا.

القرية الأولمبية

شهدت هذه الدورة بناء أول قرية أولمبية حقيقية جاز تسميتها بذلك, إذ أن فرنسا في دورة 1924 أنشأت غرفاً خشبية حول ستاد كولومب الاولمبي مخصصة للرياضيين كي يكونوا على مقربة من مكان الحدث, لكنها افتقدت للكثير من وسائل الراحة والمستلزمات الخاصة, فاعتبرت بمحاولة جيدة وكانت الفكرة وقتها للبارون بيار دو كوبرتان وقد استمد الأميركيون فكرتهم من التجربة الفرنسية لكن بشكل أكثر تطوراً , فاختلفت الأمور في لوس أنجليس 1932 وأقيمت قرية خاصة مؤلفة من مئات الغرف مع توفر وسائل راحة وغرف طعام ومستشفى وحراسة دائمة ومركز بريد ومركز إطفاء للحرائق وإلى ما هنالك.

هيلين ماديسون (1970-1913)

سباحة أميركية من مواليد ماديسون, ويسكونسن, فازت بثلاث ميداليات ذهبية في أولمبياد 1932 في السباحة الحرة, مئة متر, 400م, والبدل 4×100م..وقد حطمت ستة عشر رقماً قياسياً عالمياً في سباحات ومسافات مختلفة في غضون عدد مماثل من الأشهر ما بين عامي 1930 و1931, ودخلت عالم التمثيل بعد أولمبياد 1932, فاعتبرت بأنها محترفة ومنعت من المشاركة في أولمبياد برلين 1936, بعد الاعتزال عملت في التدريب وبائعة في مخزن تجاري, وممرضة.

توفيت السباحة هيلين بسبب مرض عضال عن عمر ناهز 57 عاماً, وتم تدوين إسمها وسجلها في المتحف الأولمبي الأميركي العام 1992.

الظهور الأول

شهدت دورة الألعاب الأولمبية في نسختها العاشرة في العام 1932 تسجيل بروز العديد من الأمور لأول مرة, إذ تم اعتماد التوقيت الألكتروني الذي يقيس الوقت بواحد على مئة من الثانية, كما استعملت الـ«فوتو فينيش» لأول مرة في سباقات السرعة في ألعاب القوى, وجرى إطلاق فكرة تتويج الفائزين على منصة خاصة مع رفع أعلام الدول الفائزة, وعزف النشيد الوطني خلال مراسم التتويج, وباتت عملية التتويج منذ ذلك الوقت تجري مباشرة بعد الانتهاء من المنافسة بلعبة ما, وليس كما كان معهوداً من قبل إذ كان التتويج وتسليم الميداليات للـفـائزين يجري في الحفل الختامي للألعاب..كما رسا في هذه الدورة عدد اللاعبين الذين يحق لكل دولة إشراكهم في مسابقة ما على ثلاثة.

بايبي ديدريكسون (1956-1911)

اعتبرت بايبي ديدريكسون من أعظم الرياضيات في التاريخ, إذ فازت بمسابقة رمي الرمح والـ80 متراً حواجز وفضية الوثب العالي بعد وثبة إضافية مع منافستها جاين شيلي, كان بمقدورها أن تنافس بأكثر من ثلاث مسابقات إلا أن القانون وقتها لم يكن يسمح بذلك, إذ كان باستطاعتها أن تحصد ميداليات في رمي القرص والوثب الطويل وجري البدل, وبعد الألعاب الاولمبية لعبت الغولف وباتت من أعظم الرياضيات في هذه اللعبة, وفازت العام 1946 ببطولة الولايات المتحدة للهواة, والعام 1974 ببطولة بريطانيا للهواة أيضا, ثم تحولت للاحتراف وفازت ببطولة الولايات المتحدة للمحترفين العام 1948, 1950 و1954, كما مارست رياضة كرة السلة بنجاح.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى