كـركـر جـمـل

> عبده حسين أحمد:

> ما أصعب ألا يشارك أحد منا في الاحتفال بتكريم الأستاذ الدكتور الفيلسوف أبوبكر السقاف.. ولذلك أحسست إحساسا بالغا في المشاركة بهذه المناسبة- على أقل تقدير- بالكتابة عنه.. فقد كان نعم الأخ والصديق والأستاذ والمعلم لنا جميعا في منتدى «الأيام» في صنعاء قبل الوحدة وبعدها.

> وكان الدكتور أبوبكر السقاف عندما يتكلم نتمنى أن يتكلم دون أن يتوقف عن الكلام.. وكان له مقام خاص في مجالسنا كلها من نهاية الثمانينات إلى آخر التسعينات.. عندما تقطعت بنا السبل.. وفرقت بيننا صروف الدهر.. وظروف العمل.. وكان إذا تحدث استمعنا إليه بكل حواسنا.. فقد كان ومايزال عظيما في مواضيعه وبيانه وإحاطته وتعمقه وإقناعه.. وبالرغم من أن تخصصه في الفلسفة (هو أستاذ الفلسفة في جامعة صنعاء).. فإن عقله موسوعة.. لأنه يقرأ كل شيء.. ويفهم أي شيء.. في السياسة والاجتماع والاقتصاد والعلاقات الدولية والعلوم القديمة والحديثة الإسلامية والمسيحية والاشتراكية العلمية.

> وقد قال أرسطو عن الدهشة: «إنها بداية المعرفة.. فالإنسان يندهش لما يراه ويسمعه.. ويحاول أن يفهم.. والذي لايندهش لما يراه ويسمعه.. فهو ليس هنا وليس هناك.. إنه غائب عن الدنيا.. أو الدنيا قد غابت عنه».. وهكذا كنا نجلس أمامه وإلى جانبه وقد تملكتنا الدهشة.. نعطيه عيوننا وآذاننا وعقولنا وقلوبنا إذا تكلم.. وفي أكثر الأحيان كان يميل إلى الصمت والتأمل.. وكأنه في رحلة عقلية ووجدانية عميقة وطويلة.. وكنا نحترم صمته كما نحب كلامه.. فلا أحد منا كان يجرؤ على اختراق صمته وتأمله.. وكان عدم إزعاجنا له هو عظيم الاحترام لصمته.

> والأستاذ الدكتور أبوبكر السقاف صاحب قضية إنسانية وثقافية واجتماعية واقتصادية وأخلاقية.. وأكثر كتاباته في الصحف تدور حول ذلك.. وقد عرض الكثير منها وقدمها لنا ونفض التراب عنها وغسل عيوننا وآذاننا وأيدينا.. ولم يبق إلا أن نستوعبها ونفهمها كما ينبغي أن تكون أو أن نكون.. وأكثر ما يغيظ الدكتور السقاف هو وجود الأمن السياسي داخل الحرم الجامعي.. فالحرم الجامعي مكان له حرمته ولايجوز أن تطأ أقدام الأمن السياسي أرضه.

> والأستاذ الدكتور أبوبكر السقاف رجل متواضع يحب كل الناس.. ولايعرف للكراهية معنى.. قد يغضب إذا رأى مكروها.. ولكنه لايحقد على أحد.. ولكنه عدو لدود لكل نظام فاسد في الحكم والصحة والتعليم والأخلاق.

> وقد تألمت كثيرا وحزنت أكثر عندما قطعوا عليه الطريق- ذات مساء- وهو عائد إلى منزله وضربوه.. فقد تعرض للضرب مرتين.. في المرة الأولى ضربوه هو والأستاذ زين السقاف يرحمه الله.. وفي المرة الثانية ضربوه.. وكان الضرب أعنف وأقسى.. أصابوه في عينه وسلخوا جلده بالعصا الكهربائية.. وقمت بزيارته في منزله مباشرة بعد أن علمنا بالخبر أنا والصديق الدكتور عبدالعزيز طرموم يرحمه الله.. وكانت آثار الضرب العنيف ظاهرة على جسمه.. ولكنه كان قويا ومعنوياته عالية.. وهو يبتسم لنا ليخفف عنا صدمتنا وآلامنا وغضبنا على ما أصابه.

> وأذكر أنني كتبت عمودا حول ذلك.. استنكرت فيه هذه العملية الوحشية ضد أستاذ جامعي كبير وقامة علمية وثقافية عظيمة.. وكان ذلك أثناء احتلال إريتريا لأرخبيل حنيش قبل التحكيم.. وقلت في آخر العمود:(إريتريا تضربنا.. ونحن نضرب الدكتور أبوبكر السقاف)!!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى