العزف على وتر العزوة والورع

> د.عبدالله عوبل:

> في هذه البلاد يدمن أهل السلطة ممارسة ألعاب الترويض والشطارة، وهم معجبون بقدراتهم على إدهاش أنفسهم، إنهم في الظاهر على حق، ذلك أنهم يحققون قدرا من الرضا العام عن مصالحهم الخاصة على الرغم من تنافرها مع المصلحة المجتمعية.

وتلك هي أسرار إحاطتهم في كل الأوقات بجمهور لوحت لنا ثقافتنا بإشارة خاطئة إنه يقدر مصلحته ويقرر بنفسه لمن يعطي صوته.

حتى في هذه الظروف التي نخشى فيها من غرق السفينة بنا جميعا، وحده الحاكم لايبدو عليه القلق ويرتب أوراقه بعناية لتحقيق نصر انتخابي آخر، وكأن لم يطرأ على الوضع العام في البلاد زيادة أونقصان، المعارضة مشغولة بخطاب الأيديولوجيا وشكل البناء العام للنظام الاجتماعي، والمؤتمر يهتم بارتقاء المصالح الخاصة وتغليفها بخطاب القداسة، وفي كلتا الحالتين تسقط مصالح الأغلبية السكانية بين الخطابين، وبدون أن يجهد المؤتمر الشعبي نفسه، مجرد إسقاط المصالح العامة للناس من حساب الخطاب السياسي تملأ عوامل أخرى- الأمية والفقر والعصبية القبلية- هذا الفراغ وتحل محل الخطاب المفقود.

والواقع أن المؤتمر الشعبي العام لم يحقق الرضا العام على سياساته على الأقل في مدى العقد الأخير، ففي أية انتخابات تجري في ظل الأزمات والحروب تسقط عن الناس فرص الاختيار، وتلعب العصبيات والولاءات التقليدية دورا حاسما في اختيار الناس وخياراتهم، ثم إن واقع المجتمع وإرثه الثقافي يحقق للنظام السياسي المزيد من الحركة في إطار الانتقال بين المرجعيات التقليدية والحديثة، فلاتزال القيم والأعراف والثقافة التقليدية عموما تؤثر في سلوك غالبية الشعب اليمني، وبالتالي لديه هامش الحركة للتحرر من مرجعية الدستور واستحضار المرجعيات الدينية والقبلية، وهو ما يحقق له استعادة الجمهور من خارج المدن وعلى تخومها- كما مل هذا الجمهور الخطاب المكرر والوعود الوهمية- عبر عاملين، وحدهما يتجاوزان المصالح الاجتماعية ويحلقان فوقها، هما عاملا العصبية والدين.

تجربة الأداء السياسي للحاكم في النظم العربية تشير إلى حقيقة تكاد أن تتكرر في أكثر من بلد عربي، كلما أوغل النظام في التمترس خلف الأخطاء، كلما أحس بالعجز أمام الفساد، وكلما زاد الخوف من المجهول سعى لاستحضار عناصر أيديولوجيا الدين والعصبية، حتى يصل إلى أشدها تعصبا وتطرفا.

ويرى البعض اليوم أن المؤتمر الشعبي وخطاب السلطة عموما قد تخليا عن الليبرالية السياسية التي كانت ظاهريا تميز نهجه العام في سني الوحدة الأولى، وأن شيئا من التشابه وحتى الاندماج بين خطاب السلطة وخطاب التجمع اليمني للإصلاح عند بداياته الأولى بات ملحوظا، بل إن للمؤتمر اليوم منظرين أيديولوجيين هم أكثر تشددا، وقد يضع هذا التجمع اليمني للإصلاح في ورطة، إذ من الصعب التنكر لخطاب كان بالأمس القريب هو خطابه.

وأنا لا أرى بكل هذا التعقيد أن المؤتمر ببساطة يريد أن يستخدم ذات الأساليب الفعالة التي يستخدمها التجمع اليمني للإصلاح في علاقاته بالناس، وإذا كان المؤتمر الشعبي العام قد بدأ بالمعسكرات الصيفية للشباب فعلينا أن نتوقع في القريب العاجل أن يستخدم الجمعيات الخيرية في تقديم الصدقات لكسب الأصوات.

سلوك المؤتمر بات محكوما ومحددا باتجاه كسب الانتخابات القادمة بكل الوسائل، ولعل بعضا منا يراهن على المنافسة أو إخراج المؤتمر من المنافسة في انتخابات 2009 معتمدا على حقيقة مستوى الحدة التي بلغتها الأزمة، وأن الجمهور اليمني لايلدغ من الجحر مرتين، والواقع أن الناس سيلدغون طالما يخطب السياسيون المؤتمريون ودهم، ويخاطبون فيهم غريزتي الورع والعزوة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى