قراءة التاريخ أو الاستدلال به .. أمانة تاريخية ووطنية!!

> علي محمد يحيى:

> انتابتنى صدمة وأي صدمة!! بعدما هيأت نفسي لأشاهد برنامجاً من قناة السعيدة، كنت اعتقدت أنني سأستبشر فيه خيراً في الاستفادة من خلال هذا البرنامج - برنامج «في كل اتجاه» - لأستمع إلى آراء الحكومة وتقييماتها على لسان وزيرها د. عبدالسلام الجوفي - وزير التربية والتعليم - حول ما آلت إليه حال التعليم في البلاد في ضوء القضية المركزية لبرنامج تلك الأمسية الذي أذيع في العاشرة من مساء يوم الإثنين 23 يونيو 2008م، وقد افتتح الحوار مقدم البرنامج بأدب جم بسؤاله لماذا تدهورت العملية التعليمية خلال السنوات الأخيرة في بلادنا، بعد أن كانت عام 1990 بمستوى أفضل مما هي عليه الآن؟ هكذا تقريباً كان السؤال إن لم تخني الذاكرة، ومع تأكيد مقدم البرنامج في بداية حديثه أن هذا السؤال إنما جاء من وحي ما يدور بين الناس ومن وحي الآراء والملاحظات العامة عن الوضعية المتردية للتعليم اليوم.. حينها انتفض بهدوء السيد الوزير ممتعضاً من صيغة السؤال رغم مبررات مقدم البرنامج لأسباب عرضه له، إلا أن جناب الوزير كما بدا حينها أنه لم يكن ليقبل بهذا الطرح معدداً وواصفاً الكثير من الإنجازات التي كما قال إن نجاحاتنا بها سبقت دولاً عربية، خاصة في إعداد المناهج الدراسية وإصلاح العملية التعليمية.. ولا داعي هنا لأعلق أن الضيف الآخر في البرنامج أ.د. أحمد الحاج من كلية التربية جامعة صنعاء رغم رغبته في دحض أطروحات السيد الوزير المضخمة لما تحقق من إنجازات إلا أنه لم يستطع مقاومة ردة فعله حيث لم يترك له فرصة كافية لعرض وجهة نظره ونقد حصيلة ونتائج عملية التعليم هذه كأستاذ أكاديمي معني بالبحث في قضايا محصلة التعليم ومستويات التلاميذ، فلم يكن أيضاً لي تعليق على طروحاتهما كل من وجهة نظره، لعدم تكافؤ فرص الحوار. رغم قناعتي الشخصية وخبرتي الطويلة نوعاً ما في مجال التربية والتعليم كمدير لمدارس عدة في محافظة عدن، وموجه تربوي لكل مدارس التعليم الموحد بطول وعرض مدارس (الجنوب) سابقاً بأن التعليم الأساسي والثانوي قد وصل اليوم إلى أدنى مستواه. إلى أن كانت مفاجأة السيد الوزير عندما أعلن متحدياً أن العملية التعليمية الصحيحة والمنظمة في اليمن لم تكن موجودة ولم يظهر التعليم النظامي فيها إلا منذ عام 1962 يوم انطلاقة الثورة، أو من بعض المحاولات أيام الاستعمار في بعض السلطنات!! ومع مشاهدتي لبداية هذا البرنامج واستماعي لكلمات الوزير هذه، أصابني نوع من الضيق والتبرم، ولم أعد أستطيع الاستمرار في متابعة البرنامج ما دام هذا هو تقييم وزير التربية والتعليم لواقع النظام التعليمي بين الأمس واليوم، فأدرت وجهي عن المشاهدة علني أستفيد من وقتي في شيء أفيَد.

أستميحك عذراً سيدي الوزير.. فإن كنت تتحدث عن الجمهورية العربية اليمنية فأنت محق في ذلك لأن النظام التعليمي لم يكن فيها قبل 1962م.. وهذا يعني أن تقييمك اليوم للتطورات التعليمية إنما ينطلق من واقع بحدوده الضيقة أو أنكم لم تطلعوا بما فيه الكفاية على واقع تجربة التعليم الرائدة في جنوب البلاد من اليمن لكل الجزيرة العربية، وكم تمنيت ساعتها لو أن كل المعنيين بقضايا تطوير التعليم في بلادنا قد قرأوا على الأقل كتاب الدكتور سعيد عبدالخير النوبان طيب الله ثراه، وهو علم من أعلام التربية والتعليم والتعليم الجامعي، حول قضايا التعليم وتاريخه خاصة في المحافظات الجنوبية وأن التعليم النظامي في عدن قد فاق عمره القرن من الزمان وكانت بذلك أنموذجاً أخذت به السلطنات والمشيخات خلال تلك العقود. ولعلي أشير أيضاً إلى أن عدن ومدارسها قد استقبلت تلاميذ من كل الخليج العربي، وأن عظمة السلطان قابوس سلطان عمان كان أحد طلاب مدرسة جبل حديد، كما أن التعليم الأهلي الذي سمحت به السلطات وقتذاك لم يكن ليشذ عن التعليم النظامي في المدارس الحكومية فكان منها مدرسة بازرعة الخيرية التي أسست عام 1914م على يد رجل الأعمال محمد عمر بازرعة تغمده الله بواسع رحمته، وكذلك مدرسة المدراسي التي أسسها المغفور له بإذن الله تعالى السيد ياسين راجمنار عام 1927م التي كانت تقوم بتدريس مناهج تعليمية ساعدت بتخريج أعداد كبيرة من الطلاب تواصلوا بعدها دون عناء مع نظام التعليم لإدارة المعارف الحكومية، كما كان يسمح لهم بالجلوس لامتحانات الثقافة العامة G.C.E لجامعة لندن بمستوييها العادي والمتقدم. ثم مدرسة العبادي التي أنشئت في بداية أربعينيات القرن المنصرم، ثم تلتها مدرسة النهضة على يد مؤسسها الأستاذ محمد سعيد مسواط ، يرحمه الله، تبعتها مدرسة البيحاني عام 1956التي عرفت بالمعهد العلمي الإسلامي الذي أسسه فضيلة العلامة الشيخ محمد بن سالم البيحاني، فمعهد النور بالشيخ عثمان عام 1961 إذ كان هو النواة لافتتاح أكبر مؤسسة تعليمية خاصة في اليمن عرفت بكلية بلقيس، وكان عميدها المستشار حسين على الحبيشي أطال الله في عمره وكانت مناهجها النظامية وخبراتها قد ساعدت في إنشاء التعليم النظامي في مدن صنعاء وتعز والحديدة منذ فجر الثورة، ومن خريجي كلية بلقيس من صار مدرساً في إحدى هذه المدن.. وهذه المدارس غير مدارس التبشير ومنها أكبر مدرستين عرفتهما البلاد هما مدرسة القديس يوسف بكريتر ومدرسة القديس انطونيو بالتواهي اللتان تخرج فيهما عدد غير قليل من رجالات اليمن اليوم. هذا التقليل من دور عدن عبر تاريخها المشرف لن يجعل من الذاكرة عند أبنائها إلا أن يزدادوا تمسكاً بالتاريخ بعيداً عن الطمس.

هذا البرنامج ذكرني ببرنامج مسابقات كان قد أذيع قبل عامين أو ثلاثة من على شاشة القناة الأولى للتلفزيون وكان أحد أسئلته حول تاريخ بداية أول بث تلفزيوني في اليمن وكان الجواب على لسان أحد ضيوف البرنامج أنه كان عام 1975 وحصل بجوابه هذا على جائزة السؤال وقدرها عشرون ألف ريال.. ونسي وقتها مقدم البرنامج ومعده وإدارة مراقبة البرامج أن أول إرسال تلفزيوني بدأ في مدينة عدن عام 1964م. أتساءل هل نحن أمام خطاب وثقافة إعلامية جديدة تمسخ التاريخ أم هو ضعف في الذاكرة أو هو جهل في قراءة تاريخنا بكل أمانة ووطنية، حتى وإن كانت وقائعه حديثة؟ لا أدري.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى