(من معالم عدن التاريخية) :فنـار مرشـد السفـن بالتـواهـي .. 141 عامـاً من العمـل المتواصـل دون كلـل

> د.علـي محمـد سعيـد أكحلي:

> حين فكر الكابتن ستافورد بيتيسورث هينس Commander Stafford Bettesworth Haines باحتلال مدينة عدن كان يدرك يقينا أهمية هذه المدينة كموقع دولي سيلقي بتأثيره على تعزيز مستعمرات الامبراطورية التى (كانت) لاتغيب عنها الشمس. بعد الاحتلال مباشرة ، اشترى الكابتن هينس منزل أحد التجار الهندوس في كريتر واتخذه مقرا له وكان يدعى هذا المنزل «مقر الرئاسة» Presidency (×). وقد ظهرت على إحدى الخرائط التي رسمها الكابتن هينس بعض النتوءات أو الرؤوس الجبلية كمعالم ليستدل بها ، كانت أهمها رأس معاشق Ras Maashag ، رأس مرشق Ras Marshag ، رأس بورالدي Ras Boraldy (××) ، رأس طارشين Ras Tarashyne ، رأس مربط Ras Marbat الخ.

وهذه الرؤوس عادة ما تحتضن خلجانا صغيرة Bays . وقد أعجب الكابتن هينس بمنطقة رأس طارشين الذي يطل على خليج التلجراف (×××) كما يستطيع منه رؤية منطقة البريقة (عدن الصغرى) من الجهة الأخرى للمبنى ، ولهذا قرر نقل «مقر الرئاسة» إلى هذا المكان.

كان الإنجليز يعلمون جيدا أن قنال السويس سيتم افتتاحها قريباً (عام 1869م) وأن عديدا من السفن ستتوقف في عدن للتزود بالوقود والماء.

ولذلك سرعان ما تم التخطيط لمدينة التواهي كمنطقة مناسبة لميناء جديد بدلاً عن ميناء صيرة .

وبدأ بعض التجار الأجانب بالتقاطر على هذه المدينة الصغيرة لتأسيس شركات لتمويل البواخر .

وعلى رأس هؤلاء التجار الكابتن لوك توماس ثم قهوجي دنشاو وآخرون وبدأت الحركة تدب رويدا رويدا في هذه المنطقة. سميت المنطقة بمحطة السفن البخارية Steamer Point.

في عهد الحاكم البريطاني وليام لوكير ميرويثير ، وعلى الهضبة المسماة برأس مرشق Ras Marshag (××××) قرر الإنجليز إنشاء فنار لإرشاد السفن لمدخل الميناء عند اقترابهم من المياه الإقليمية. كان ذلك في عام 1866م حيث عهد إلى الأخوين شانس Chance Brothers بإنشاء هذا الفنار وكانا مهندسين مختصين في هندسة الفنارات (وهما من مدينة برمنجهام البريطانية). قام الأخوان شانس ببناء برج على شكل قمع من الحجر الأسود المزرق بارتفاع 85 قدما (حوالي 30 مترا) من قاعدته ووضعا على رأسه عددا من الفوانيس الثابتة التي تعمل بزيت النارجيل. وقد كان ارتفاع رأس الفنار عن سطح البحر 244 قدما (حوالي 81 مترا) وتم إنارة الفنار لأول مرة في عام 1867م. أي بعد عام من بدء تشييده.

في بداية عام 1889م تم تحديث طريقة الإضاءة للفنار وذلك بتزويده بشعلات متعددة واستخدام زيوت معدنية بدلاً عن زيت النارجيل وتركيب مصباخ ضغط مما أدى إلى رفع درجة الإضاءة وقللت مصاريف التشغيل.

وفي هذا العام نفسه، أنشأت حكومة عدن «مصلحة ميناء عدن» Aden Port Trust وتحديدا في 8 يونيو 1889م ، قام المهندس التنفيذي للحكومة بتسليم الفنار رسميا إلى ضابط الميناء الذي يتبع مصلحة ميناء عدن. وفي عام 1904م، تم تطوير ضوء الفنار من قبل شركة شانس أخوان ليصل ضوءه إلى حوالي 14 ألف شمعة باستخدام لمبات غازية (رتينات وبخار البنزين).

وهنا تم تغيير إضاءة الفنار من الإضاءة الثابتة إلى الإضاءة المتقطعة (المتواترة) حيث يضيء النور لمدة ثلاث ثوان ثم ينطفئ لمدة ثانيتين ثم يضيء مجدداً لمدة ثلاث ثوان وهكذا.

وقد تمكن الأخوان شانس من عمل ذلك باستخدام حركة ميكانيكية ناتجة عن حركة قمع معدني ضخم مثبت أعلى اللمبات وتروس مسننة مع سلاسل وبكرات إضافة إلى ساعة ذات تروس.

في مساء يوم السبت الموافق 27 فبراير 1904م عرجت السفينة الملكية «ديل هاوزي» Delhousie إلى ميناء عدن لتكون شاهدة على إنارة الفنار بقوة 14 ألف شمعة وبالطريقة المتواترة. وقد أقيمت حفلة كبيرة بهذه المناسبة على ظهر السفينة.

في فترة لاحقة ، تم تركيب مرآة كبيرة عاكسة خلف اللمبات مما أدى لرفع الطاقة الضوئية إلى 60 ألف شمعة أي بزيادة 4 أضعاف عما كانت عليه.

أما في عام 1962م فقد قامت شركة ستون شانس المحدودة - وهي الشركة التي خلفت شركة شانس أخوان - برفع الطاقة الضوئية للفنار إلى 300 ألف شمعة أي 5 أضـعاف القوة السابقة .

ولا تذكر المصادر المتوفرة لدينا عن أية زيادة في الطاقة الضوئية للفنار بعد ذلك التاريخ حتى الآن. وللعلم فإن ضوء الفنار يمكن مشاهدته فقط من قبل السفن القادمة من جهة الشرق.

أما السفن القادمة من جهة الغرب فإن ضوء الفنار تحجبه الهضبة الصخرية المسماة برأس طاي Ras Tye ويمكن لهذه السفن مشاهدة ضوء الفنار فقط عندما تكون على بعد ثلاثة أميال ونصف الميل إلى الشمال من جبل حسّان أو البريقة.

أخيراً ، كلمة شكر توجه لكل من عمل ويعمل على صيانة هذا الفنار ليستمر في عمله مرشدا للسفن ليل نهار ودون توقف طيلة 141 عاما ، وهو الفنار الذي أصبح جزءا من تاريخ عدن الحديث.

هوامش من كاتب المقال:

- (×) كان يقع هذا المنزل في وادي البجّاري Biggari Valley - منطقة الخساف (كريتر).

(××) ربط هذا الرأس مع خليج أو ساحل الفيل Elephant Bay بواسطة جسر خشبي قديم تم استبداله في أوائل الثمانينات بنفق أنشئ على نفقة حكومة المانيا الشرقية.

(×××) يعرف هذا الشاطئ حالياً بشاطئ «منتجع العروسة» وكان يسمى في السابق خليج أو ساحل التلغراف الشرقية Eastern Telegraph Bay وكانـت تخـتصر تـسميته بـ (ET Sea) .

(××××) ما بين رأس مرشق وصخرة خرطوم الفيل يقع خليج «الموهر الذهبي» الذي يعرف عند العامة بالجولد مور.

mailto:[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى