الحلقة السادسة عشرة ..الدورة السابعة عشرة (1960) روما تشرق على العالم

> قطر «الأيام الرياضي» عن الجزيرة الرياضية:

>
انتظرت إيطاليا اثنين وخمسين عاما من الزمن كي تستطيع استضافة الألعاب الأولمبية بنسختها السابعة عشرة التي أقيمت في العاصمة روما ما بين الخامس والعشرين من أغسطس حتى الحادي عشر من سبتمبر 1960, وسط مشاركة كثيفة، خصوصا من القارة السمراء بخلاف الدورات السابقة.

افتتح الدورة الرئيس الإيطالي جيوفاني غرونشي، وردد قسم الرياضيين لاعب ألعاب القوى الإيطالي أدولفو كونسوليني، فيما أضاء الشعلة مواطنه المتخصص في القوى أيضا جيانكارلو بيريس. وتم بث هذه الدورة تلفزيونيا عبر 100 محطة بشكل مباشر وبشكل مسجل إلى ثماني عشرة دولة أوروبية, فيما اشترت شركة (سي بي إس) الأميركية الإعلامية حقوق البث للولايات المتحدة الأميركية بـ 394 ألف دولار أميركي. كما بثت الألعاب في اليابان وكندا.

مشاركة واسعة

تأخرت إيطاليا عمليا في استضافة الألعاب الحديثة, وهي التي كان حكامها وتحديدا الإمبراطور ثيودوس قد وضع حدا لتنظيم الأولمبياد القديمة أيام الإغريق العام 393م, وسبب هذا التأخر لايعود لعدم سعي الإيطاليين وتحديدا روما لتنظيم هذه الألعاب بل إلى العوامل الطبيعية التي وقفت حائلا أمام طموحات روما التي كانت ستنظم الألعاب بنسختها الرابعة العام 1908 حين ثار بركان جبل فيزوفياس في السابع من أبريل 1906 ملحقاً دمارا هائلاً بمدينة نابولي، اضطرت معه الدولة الإيطالية للتنحي عن تنظيم الألعاب بسبب العجز المادي المستجد نتيجة تحويل ميزانية الدورة لأعمال الإغاثة وقتها, وقد أوكل لمدينة لوس أنجليس عامذاك تنظيم الأولمبياد كبديلة عن روما.

جرت عملية تسمية روما لأولمبياد 1960 في المؤتمر الخمسين للجنة الأولمبية الدولية في الخامس عشر من يونيو 1955 في العاصمة الفرنسية باريس, وقد كان التنافس على أشده مع العاصمة السويسرية لوزان, وقد تفوقت روما بالجولة الأولى للتصويت بخمسة عشر صوتا مقابل أربعة عشر, وكذلك في الثانية بستة وعشرين مقابل واحد وعشرين, وفي الثالثة بخمسة وثلاثين مقابل أربعة وعشرين صوتا, ولم تكن هاتان المدينتان الوحيدتين في السباق, بل لقيتا منافسة من مدن ديترويت الأميركية, بودابست المجرية, مكسيكو المكسيكية, طوكيو اليابانية, بروكسيل البلجيكية. علما أنه بالإضافة إلى إيطاليا, ثلاث من الدول المرشحة وقتها لم يسبق لها أن استضافت الألعاب وهي المكسيك والمجر واليابان.

الصرح الرئيسي لاستضافة البطولة كان ستاديو أولمبيكو الذي شيد العام 1936 وكان بسعة 82 ألف متفرج, شهد حفلي الافتتاح والختام ومسابقات ألعاب القوى والفروسية, فيما أقيمت بعض المسابقات مثل المصارعة والجمباز في أماكن أثرية تعود لعهود الأباطرة الرومان, فأقيمت المصارعة على سبيل المثال في بازيليك ماكسنتشوس, والبازيليك عبارة عن مبنى ضخم ذي طابع ديني له عدة استخدامات, أما ماكسنتشوس فهو إمبراطور روماني تم على عهده البدء في تشييد هذا البازيليك العام 308م، ثم أكمل بناءه الإمبراطور كوستانتين الأول الذي هزم ماكسنتشوس في معركة (جسر ميليفيان) في 28 أكتوبر 312م.

شارك في الدورة ثلاث وثمانون دولة كانوا في البداية أربع وثمانون دولة، إلا أن الرياضي الوحيد الذي شارك ممثلا عن دولة سورينام انسحب، ولم يشارك في المنافسة، فاعتبر العدد الرسمي المشار إليه أولا, وجاءت هذه الزيادة نتيجة كثافة المشاركة التي قدمت ولأول مرة من أفريقيا، إذ سجل حضور اثني عشرة دولة من القارة السمراء, أما البلدان التي ظهرت أولمبيا لأول مرة فهي المغرب, السودان, تونس, سان مارينو, الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا), علما أن مصر كدولة منفردة سبق أن شاركت عدة مرات قبل ذلك, وتمثلت ألمانيا في هذه الدورة بفريق موحد مرة أخرى, وشارك رياضيون من بربادوس وترينيداد توباغو وجامايكا تحت اسم اتحاد وست إنديز الفيديرالي west indies federation، وازى هذا العدد الكبير من الدول المشاركة, عدد مماثل من الرياضيين والرياضيات بلغ 5388 مشاركا, منهم 611 من الإناث, نافسوا في سبع عشرة رياضة تضمنت مئة وخمسين مسابقة, والرياضات هي ألعاب الماء (سباحة, غطس, كرة ماء), ألعاب قوى, كرة سلة, ملاكمة, كانوي كاياك, دراجات, فروسية, سلاح, كرة قدم, جمباز, هوكي, خماسي حديث, تجذيف, إبحار, رماية, رفع أثقال ومصارعة, وقد استطاع الاتحاد السوفياتي وللدورة الثانية على التوالي في إنهاء الألعاب أولا على جدول الترتيب العام برصيد مئة وثلاث ميداليات، بينها ثلاث وأربعون ذهبية مقابل إحدى وسبعين للولايات المتحدة الثانية، بينها أربع وثلاثون ذهبية، فيما جاءت الدولة المضيفة ثالثة.

المسابقات الرياضية

شهدت المسابقات الرياضية العديد من الإنجازات على غرار كل دورة, ففي رياضة الشراع حقق الدنماركي بول الفستروم Paul Elvstrom ذهبيته الرابعة على التوالي, وفاز لاعب السلاح المجري الادار جيريفيتش Aladar Gerevich بذهبيته الأولمبية السادسة على التوالي في فرق السابر sabre, وحقق السويدي الشهير جرت فريدريكسون Gert Fredriksso لقبه الأولمبي السادس في الكانوي, ونالت يوغوسلافيا التي وصلت لنهائي كرة القدم بعدما حالفتها القرعة ذهبية المسابقة, ونال الإثيوبي أبيبي بيكيلا Abebe Bikila ذهبية الماراثون متقدما على المغربي راضي بن عبد السلام, وفي تحدي قوي نجح الفارس الأسترالي بيل رويكروفت Bill Roycroft في الفوز بذهبية مسابقة القفز بعدما كان قبل ذلك راقدا في المستشفى مصابا بارتجاج وبكسر في عظمة الترقوة نتيجة سقوطه عن حصانه في اختبار التحمل في الفروسية.

في مسابقة أم الألعاب شهدت المنافسات حوارا ساخنا بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، وتقلصت سيطرة الأولى بشكل كبير ولأول مرة، لكنها بقيت في الصدارة برصيد اثنتي عشرة ذهبية مقابل إحدى عشرة للسوفيات, وتراجع الأميركيون بشكل واضح خصوصا في السبرنت، حيث خسرا سباقي المئة والمئتي متر, الأول ناله الألماني أرمين هاري مسجلا رقما أولمبيا جديدا 10.2 ث أمام الأميركي دايفيد سيم الذي سجل نفس التوقيت أيضا, والثاني حقق فيه الإيطالي ليفيو بيرروتي livio berruti الذهبية مسجلا 20.5 ث، وبات أول عداء غير أميركي يفوز بهذه المسافة, وجاء ثانيا الأميركي ليستر كارني الذي سجل 20.6 ث. كما خسر الأميركيون سباق البدل 4×100م بعد استبعادهم منه فنال الألمان اللقب مع رقم عالمي 39.5 ث مقابل 40.1 ث للثاني الاتحاد السوفياتي.

وتألق السوفيات مناصفة بين الرجال والسيدات, فنالوا في مسابقات الذكور ذهبيات الـ 20 كلم مشيا ورمي الرمح والمطرقة والوثب العالي، فيما نالت السيدات ذهبيات الـ 80م حواجز والـ 800م، حيث سجلت ليودميلا شيفتسوفات رقما عالميا مسجلة 2.04.3, والوثب الطويل ودفع الكرة الحديدية ورمي القرص ورمي الرمح. وتألق الإثيوبي أبيبي بيكيلا الذي كان أحد الحراس الشخصيين للإمبراطور الإثيوبي هايلي سيلاسي لير, وحقق ذهبية الماراثون مع رقم عالمي جديد 2.15.16.2, ونال الفضية المغربي راضي بن عبد السلام مسجلا 2.15.41.6. وتألقت العداءة الأميركية ويلما رودولف، وأحرزت ثلاث ذهبيات في المئة متر والمئتي متر والبدل 4×100م. وتمكن رالف بوسطن من تحطيم رقم الشهير جيسي أوينز على الصعيد الأولمبي في الوثب الطويل مسجلا 8.12م.

وبرز في هذه الدورة اسم الملاكم الأميركي الشهير محمد علي الذي كان وقتها مايزال معروفا باسم كاسيوس مارسيلوس كلاي، ونال ذهبية الوزن الخفيف الثقيل وهو في عمر الثامنة عشرة فقط, لكنه أظهر الكثير من موهبته وأدائه الاستعراضي الذي بات فيما بعد علامته الفارقة والخاصة في البطولات العالمية. واجه في النهائي منافسه البولندي بيترزيكوفسكي الذي لعب بحذر في الجولة الأولى شأن محمد علي, لكن في الثانية انهال الأميركي على منافسه وأصابه بأربع لكمات مباشرة في الرأس, وفي الثالثة تطلب الأمر شجاعة كبيرة من البولندي للصمود والبقاء واقفا على رجليه داخل الحلبة. وعموما نالت كل من إيطاليا والولايات المتحدة ثلاث ذهبيات في مسابقة الملاكمة.

وسجلت كرة السلة ظهورها الأولمبي الخامس أولمبيا, شاركت ست عشرة دولة في النهائيات خاضت 64 مباراة, وقد سبق الدورة تصفية أولمبية في بداية العام 1960, قسمت الفرق الستة عشرة إلى أربع مجموعات في الدور الأول، صعد من بعدها أول فريقين من كل مجموعة إلى الدور نصف النهائي الذي قسمت فيه الفرق لمجموعتين من أربع، تأهل عنها أربع فرق، لعبت النهائي ضمن مجموعة واحدة، هي الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي والبرازيل وإيطاليا, ونال الأميركيون اللقب في النهائي لخامس مرة على التوالي أمام الاتحاد السوفياتي الذي حل ثانيا للمرة الثالثة على التوالي, والبرازيل, وقد لعبت الفرق الأخرى التي كانت تخرج على المراكز وفقا للدور الذي خرجت منه.

عربيا نالت المغرب كما سبق فضية الماراثون في أول ظهور لها على الصعيد الأولمبي، فيما نالت الجمهورية العربية المتحدة, وهي الوحدة السياسية التي كانت آنذاك بين مصر وسوريا فضية وبرونزية سجلتها اللجنة الأولمبية الدولية باسم مصر لكون الفائزان كانا مصريين, وهما عثمان سيد الذي نال فضية المصارعة اليونانية الرومانية في وزن الذبابة تحت الـ 52 كلغ بعدما خسر النهائي أمام مصارع روماني، وعبد المنعم الجندي الذي نال برونزية وزن الذبابة في الملاكمة (تحت الـ 51 كلغ)، ونال العراق عبدالوحيد عزيز (1981-1932) برونزية وزن الخفيف في رفع الأثقال (60 - 67.5 كلغ), ولم ينل كل من لبنان العائد (شأن مصر والعراق) بعد مقاطعة دورة 1956 وتونس والسودان أية ميدالية.

وفي رياضات أخرى شهدت الجمباز تفوقا سوفياتيا أضحى معتادا, مع تألق بوريس شاخلين لدى الرجال بفوزه بسبع ميداليات, أربع ذهبيات وفضيتين وبرونزية, ولاريسا لاتينينا لدى السيدات بحصدها ست ميداليات, ثلاث ذهبيات وفضيتين وبرونزيتين, وقد اكتسحت حسناوات الاتحاد السوفياتي فئة السيدات بفوز ثان بـ 14 ميدالية من 18 متاحة بينها 5 ذهبيات من ست, وعموما جمع السوفيات عشر ذهبيات مقابل أربع لليابان. وفي المصارعة تصدر الأتراك بسبع ذهبيات, وآلت صدارة رفع الأثقال للسوفيات بخمس ذهبيات أمام الولايات المتحدة ذهبية واحدة, وشهد الحوض صراعا أميركيا أستراليا انتهى للأول بتسع ذهبيات مقابل خمس للأوقيانيين, وأنهت الباكستان سيطرة هندية لست دورات متتالية على رياضة الهوكي على الحشيش وهزمتها في النهائي 0-1, ونالت إسبانيا البرونزية.

وقفات بارزة

أبيبي بيكيلا (1973-1932)

عداء إثيوبي ولد في السابع من أغسطس 1932، وهو يوم إجراء ماراثون لوس أنجليس, شارك عن عمر الثامنة والعشرين في أولمبياد روما 1960, اعتمد إستراتيجية خاصة في النهائي بناء على تكتيك وضعه مدربه أوني نيسكانين، وهو عدم التقدم على المركز الأول بأقصى مجهود حتى بلوغ آخر كيلومتر من السباق، وقد نجح في ذلك متخطيا المغربي راضي بن عبد السلام بحوالي المئتي متر، علما أنه عدا حافي القدمين. شارك بعدها في أولمبياد 1964 رغم أنه كان قد أجرى عملية استئصال الزائدة قبل أربعين يوما فقط, ورغم ذلك فاز بيكيلا الذي جرى هذه المرة مرتديا حذاء رياضيا بالمركز الأول مسجلا رقما عالميا جديدا 2.12.11.2.

فياتشيسلاف إيفانوف (1938 -...)

لاعب تجذيف سوفياتي اعتبر الأعظم في حقبته, حقق ثلاث ذهبيات أولمبية متتالية, الأولى في أولمبياد ملبورن 1956, والثاني في أولمبياد 1960, والثالثة في أولمبياد 1964, في الدورة الأولى، جذف لمسافة 1800 متر محافظا على مركزه ثانيا خلف الأسترالي ستيوارت ماكينزي، ثم تجاوزه في آخر مئتي متر، وفاز بفارق 5.5 ثوان, وفي الثانية تغلب على الألماني أشيم هيل بفارق 6.25 ثانية, وفي الثالثة تجاوز مع هيل مرة أخرى، وهزمه بفارق 3.7 ثوان، رغم أنه كان متأخرا بفارق 7 ثوان قبل 500 متر على النهائية.

محمد علي (1942 - ...)

قبل أن يصبح معروفا باسم محمد علي ويصبح أحد أشهر شخصيات العالم شارك كاسيوس مارسيلوس كلاي في أولمبياد روما 1960، حيث انتزع ذهبية وزن الخفيف الثقيل محققا الفوز في مبارياته الأربع بسهولة وهازما في النهائي بطل أوروبا آنذاك البولندي بيترزيكوفسكي. دخل بعدها عالم الاحتراف العام 1960 ونجح العام 1964 في وضع حد لانتصارات سوني ليسون وبات بطلا للعالم في الوزن الثقيل، ومن ثم دافع عن لقبه تسع مرات في السنوات الأربع التالية. اعتنق الإسلام العام 1965 ثم جرد من لقبه بطلا للعالم العام 1967 بسبب رفضه الالتحاق بالقوات الأميركية المقاتلة في فيتنام لكونه كان ضد الحرب, فابتعد ثلاث سنوات ونصف عن الحلبات ثم عاد بعد ذلك واستطاع العام 1974 استعادة لقبه كبطل للعالم بفوزه بالضربة القاضية على جورج فورمان. اعتزل الملاكمة العام 1981, محققا في مسيرته 56 انتصارا وخمس هزائم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى