كل شيء على ما يرام

> عبدالقوي الأشول:

> في روايته (كانديد) صور (فولتير) صورة شخصية رجل بائس، تلم به المحن من كل حدب وصوب، ولايكاد يخرج من مصيبة حتى يقع بأخرى.. جرح أنفه وبترت ساقه ونجـا بأعجوبة من زلزال لشبونة، إلا أنه مع ذلك لايكف عن الدعاء، ويصيح متفائلا «كل شيء على مايرام ليس بالإمكان أبدع مما كان»!.

في واقعنا كل ما اشتدت المعاناة وزادت حدة الفقر، وتنامت بؤر عدم الاستقرار والمشكلات الاجتماعية والآفات المرتبطة بالبطالة، يراد من الجميع أن يردد «كل شيء على مايرام» حتى مع ما نعايش من إخفاقات وفشل وفساد وسوء إدارة الموارد، لابد أن نردد هذه المقولة التي تمثل عين العقل وعين الرضا.. بمعنى أدق نحن مجتمع ديمقراطي تعددي، بشرط أن يقول الجميع «كل شيء على ما يرام» ما يعني أن الوضع المعيشي للسكان لايرتبط بالأمن والاستقرار الاجتماعي والسياسي، وطأة الفقر والبؤس مع البطالة لاعلاقة لها بتنامي بؤر المشكلات وإطلالة الشرور الاجتماعية الأخرى.

لذلك تتجلى ممارسات السلطات المتعاقبة بحالة من التكرار الغريب، والتماثل في حجم الفشل، مع أن المجتمع لم يعد يحتمل هذا القدر من التجاهل بسبب ما يشهد من انفجار سكاني وزيادة الاحتياجات، مع تقلص شديد في الموارد، مع عدم إمكانية الإشارة إلى نجاحات تذكر على الصعيد الاقتصادي تحديدا، لماذا؟ لأنه وببساطة واقع الحياة المعيشية مزرٍ، ومشاكلنا مرحلة، ونجاحاتنا وهمية.

ولنأخذ مثلا لما تحقق على صعيد الخصخصة من فشل ذريع، وإخفاق في جذب الاستثمارات ومشاريع التنمية، التي يمكن أن تكون مدخلا لبقية الحلول، كالمنطقة الحرة وغيرها من مشاريع تم التغني بها لعقود ليتبين بعد مضي كل هذه السنين أننا بعيدون عن النجاح على هذا الصعيد.

فلا أحد يمكنه بعد مضي كل هذه السنين أن يشير إلى قدر ما تحقق بواقعية، وما مثلت تلك الاتجاهات من تبدل في الوضع الحياتي للسكان، ذلك الواقع الذي تكتنفه المعاناة والبطالة بكل شرورها المؤسفة، إذ إن عدم الواقعية في التعاطي مع مشكلات الوطن، والتراخي في وضع الحلول، مبعث قلق لمن يدركون أن أوضاعنا مأزومة بصورة مؤسفة.

ويبقى أن نشير إلى لهجة الثقة والتفاؤل المنبثقة أصلا ممن يرون أن فكرة النجاح في بناء الدولة العصرية المعتمدة على عائدات التنمية ينبغي أن تكون متعايشة مع آليات الفساد والبؤس الاجتماعي، بمعنى أن القياس لاينبغي له أن يكون مأخوذا من واقع الحياة المعيشية لعامة السكان، فتلك ثقة تجسدها أوهام المصالح، التي تظل غير متجانسة مع أي فكرة واقعية تتخذ من نهج الإصلاحات الفعلية سبيلا للحلول الناجعة.

يبقى أن نشير إلى أن ديمقراطية القول «كل شيء على ما يرام» لاتشكل باعث وفاق سياسي اجتماعي لحل مشكلات واقعنا المؤسف بأي حال.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى