شرم الشفة «الشفة الأرنبية»

> «الأيام» د. أحلام هبة الله علي:

> زعم الفلاسفة والشعراء منذ القدم أن العين مفتاح الروح تتواصل من خلالها المشاعر وتتعارف النفوس فإن كانت العين كذلك فإن الشفتين كما وصفهما شكسبير في مسرحية الليلة الثانية عشرة هما المتحدث الرسمي للعقل والقلب تتمتعان بصفات الضعف والقوة كما تظهران الغبطة والغضب، الرضا والاحتقار، المحبة والبغض، لذا فإن علامات الشفة الخارجية من الأهمية بمكان عظيم لما تظهر من مشاعر عديدة متشابهة ومتناقضة.

الإصابة بشرم الشفة والمعروفة في الأوساط الغربية بالشفة الأرنبية Hare Lip من الأهمية بمكان حيث تعد ثاني أكثر التشوهات الخلقية انتشاراً بين الأطفال إذ تحدث بمعدلات تختلف حسب الخلفية العرقية للمصاب. فعند الأطفال البيض تصل النسبة إلى 1 لكل 750 حالة ولادة بينما تقل عند الأطفال الذين يعودون إلى أصل إفريقي إذ تصل نسبة الإصابة إلى 1 لكل 1000 حالة ولادة وغالبا ما يكون المصابون بشرم الشفة من الأطفال الذكور الذين تتسبب حالتهم للوالدين بالكثير من القلق منذ اليوم الأول للولادة مما يدعوهم إلى التساؤل عن كيفية حصول مثل هذا التشوه والأسباب التي أدت إلى ذلك وطرق العلاج.

التطور الجنيني للشفة

يتشكل الوجه داخل الرحم خلال الثلاثة أشهر الأولى من الحمل حيث يظهر في الوجه نتوءان جانبيان وآخر في المنتصف تنمو هذه النتوءات تدريجيا حتى تلتقي وتلتصق مع بعضها مشكلة الشفة العليا والأنف. يتبع ذلك تكوين سقف الحلق بطريقة مماثلة.

ينتج عدم الالتحام عن أقل قصور في نمو هذه النتوءات والرفوف مما يظهر كشق بالشفة العليا أو شق بسقف الحلق إذا لم يتسبب فيهما معا، الأمر الذي يؤدي بالتالي إلى فشل في انفصال تجويف الأنف عن الفم.

مسببات شرم الشفة والشق الحلقي

من الصعوبة تحديد العامل الأساسي المسئول عن هذا التشوه فقد يكون السبب:

1- عامل وراثي: لقد لوحظ تأثير الوراثة في حدوث الشفة الأرنبية وشق الحنك ، فإذا كان أحد أفراد العائلة مصاباً فإن ذلك يزيد من نسبة الاصابة في العائلة، وتلك حالة تسمى بالوراثة المتعددة الأسباب، فإذا ولد طفل لعائلة مصاب بالشفة الأرنبية وشق الحنك فإن احتمالية تكرار الحالة لدى العائلة نفسها تزيد لتصل إلى 3-5% ( النسبة الطبيعية 1-2 في الألف )، وإذا كان أحد الوالدين مصابا بالحالة فإن احتمالية حدوثها في الأبناء تزيد لتصل إلى 10 % ، وقد تثبت الدراسات أن تلك الحالات تنتقل بالوراثة المتنحية ، لذا فإن لزواج الأقارب دوراً كبيراً في حدوث الحالة.

2- عوامل بيئية: البيئة هي ما يحيط بنا في حياتنا اليومية من ملوثات في الهواء، المواد التي نستخدمها في حياتنا اليومية المأكولات والأدوية التي نتناولها ولم يستطع العلماء تحديد المسببات البيئية بشكل قطعي ولكنها فرضيات تعطي احتمالية عالية كتعرض الأم الحامل لبعض المؤثرات أثناء فترة الحمل أو تناولها بعض الأدوية ومنها :

- التعرض للأشعة .

- إصابة الأم بسكري الحمل وإهمالها لعلاجه .

- الحمى .

- بعض المسكنات والمهدئات والمضادات الحيوية ، ليس بالضرورة أن تناول أي دواء خلال الحمل يسبب عيوباً خلقية ، بل يوجد العديد من الأدوية مأمون تناولها خلال الحمل لذلك يجب استشارة الطبيب .

- التدخين .

- تعاطي الكحول والمخدرات.

- تناول فيتامين (A) بتركيز وكميات عالية.

- نقص حمض الفوليك FOLIC ACID أثناء الحمل.

وصف التشوه

من الملاحظ منذ اليوم الأول للولادة وجود شق في الشفة العليا تختلف شدته من مولود إلى آخر فقد يكون على:

1- شكل ندبة في الفم أو قد يكون شقاً فعلياً جزئياً في الشفة وقد يكون في كامل الشفة ممتداً من الشفة الحمراء وحتى قاعدة الأنف.

في بعض الحالات يصاحب شق الشفة شق آخر في سقف الحلق أو قد يظهر شق في سقف الحلق من دون شق في الشفة والتي غالبا ما تلاحظ عند الإناث.

عادة ما يكون الشق في أحد جوانب الشفة إلا أنه في بعض الحالات النادرة يكون الشق في الجانبين كما قد يظهر في الوسط إلا أن ذلك يعد من الحالات النادرة جداً.

يؤدي شق سقف الحلق إلى استرجاع الطفل للحليب والسوائل أثناء الرضاعة وخروجها من الأنف نظرا للاتصال المباشر ما بين مجرى الأنف وفتحة الفم.

آثار شرم الشفة

أولا: التأثير الجمالي: تعد الشفة أحد معالم الوجه الجمالية المهمة التي تعطي الوجه قسماته الجذابة وبالتالي يمكن ملاحظة أي تغيير بها بسرعة نظراً لدقة تفاصيلها وتعقيدها وأي تغيير أو عيب في شكلها يمكن أن يعطي تأثيراً مشوهاً للشفة والوجه.

ثانيا: التأثير الوظيفي: يتكامل التشكيل الجمالي للشفة مع إسهامها الوظيفي فوجود شرم بالشفة يؤثر على إخراج بعض الأصوات مثل الـ«م - ب - p» كما أن لها تأثيراً طفيفاً في قدرة الطفل على المص والرضاعة إلا أنه سرعان ما يتعود الطفل على وجود الشق ويتمكن من استخدام عضلات الفم الأخرى للرضاعة بشكل فعّال.

بالمقارنة نجد أن شق سقف الحلق يعد ذا أهمية كبيرة للدور الكبير الذي يلعبه سقف الحلق في إخراج الأصوات ومنع السوائل من الدخول إلى الأذن الداخلية وحمايتها من الالتهابات لذا فإنه ينصح بترميم الشق خلال الأشهر الأولى من العمر قبل أن يبدأ الطفل بالكلام.

ثالثاً: التأثير النفسي: يصبح شرم الشفة إحدى السمات المميزة للطفل التي يتعرض بسببها خلال مراحل النمو إلى ملاحظات الأطفال الآخرين وتعليقاتهم التي قد تكون جارحة في كثير من الأحيان مما يؤدي إلى انطواء الطفل وانعزاله عن المجتمع وعن أقرانه. قد يستمر التأثير النفسي إلى فترة البلوغ مما يؤثر سلبيا على إنتاجه وتفاعله مع المجتمع.

العلاج

يعد الطبيب المسلم أبو القاسم الزهراوي ضمن أحد الأوائل الذين وصفوا علاجاً لشق الشفة في القرن السابع الميلادي حين كان يقوم بكي جانبي شق الشفة باستخدام قضيب معدني ساخن ثم يقرب الجانبين مباشرة لتلتحما ويلتئم الشق. أما في عصرنا الحاضر فإنه ليس هناك أي مجال لكي الشفة إلا أن مبدأ تقريب الشفتين لتلتحما في وضع مناسب لا يزال يستخدم واستبدال الكي بالمشرط الجراحي.

أثبت العلم منذ أكثر من ثلاثين عاما بأن علاج الشفة الأرنبية وشق سقف الحلق يبدأ من اليوم الأول للولادة، حيث يقوم اختصاصي تقويم الأسنان بصناعة صفيحة أكريلية لسد شق سقف الحلق والفصل بين فتحة الأنف والفم لمنع تسرب الهواء والغذاء من الفم إلى الأنف كما تساعد على تنفس الطفل ونمو فكه بشكل طبيعي.

ويواصل اختصاصي تقويم الأسنان عمله في نهاية المرحلة المختلطة للأسنان وهي المرحلة التي تجتمع فيها الأسنان اللبنية والدائمة ، وفي بعض الحالات قد يبدأ العلاج التقويمي للأسنان في مرحلة الأسنان اللبنية وذلك لتصحيح شذوذ العلاقة الجانبية للفكين، ويهدف العلاج التقويمي للأسنان إلى تصحيح علاقة الأسنان العلوية بالسفلية إضافة إلى رصف الأسنان في مكانها الطبيعي وتصحيح أوضاعها ، كما قد يلجأ إلى الجراحة التقويمية في الحالات التي يكون الفك العلوي فيها متقدماً ويصعب إرجاعه بطرق التقويم الاعتيادية ، وقد يستعين اختصاصي التقويم بالجراح لتصحيح بعض الخلل في الحنك العلوي وذلك بأخذ أجزاء من عظم الطفل وزراعتها في الفك العلوي لدعم الأسنان الموجودة في منطقة الشق.

الجراحة التجميلية

يتم إصلاح العيب الخلقي على عدة مراحل جراحية تبدأ في سن ستة أشهر بإغلاق شق الشفة تتبعها عمليات إغلاق سقف الحلق الرخو في سن التسعة أشهر و إغلاق سقف الحلق الصلب في سن الثانية (أربعة وعشرين شهراً). تتبع ذلك عمليات أخرى حسب الحاجة لتحسين المظهر أو لتعديل النطق. في الكثير من الحالات يستدعي الأمر إجراء عمليات تحسينية بعد اكتمال نمو الشفة والأنف وذلك خلال سني المراهقة. من هذه العمليات على سبيل المثال إجراء عملية ترميمية للأنف لتسوية شكل الأنف وإزالة أي تحدب أو نتوء، كما قد تتطلب الحالة إجراء عمليات تصحيحية لشكل الفتحة الخارجية للأنف بالإضافة إلى تسوية الحاجز الأنفي المنحرف. مع تقدم الطب قام الجراحون باستحداث المبادئ التالية التي يجب اتباعها عند علاج الشفة الأرنبية:

1- تحرير عضلات الشفتين من جانبي الشق وتقريبهما بالخياطة الجراحية لتتمكنا من أداء وظيفتهما الطبيعية.

2- المحافظة على العلامات الجمالية للشفة الطبيعية المذكورة سالفاً.

3- إخفاء الشق الجراحي بقدر الإمكان كي لا يؤثر في قسمات الوجه.

بالإضافة إلى دور جراح الوجه والفكين واختصاصي التقويم وأطباء الأسنان فإن لبعض التخصصات الأخرى دوراً مهماً في العلاج، ومن هذه التخصصات على سبيل المثال:

طب الأنف والأذن والحنجرة

معظم الأطفال الذين يولدون بشق حلقي قد يعانون من مشاكل التهابات الأذن الوسطى أثناء السنوات الأولى من حياتهم ولكن لحسن الحظ نسبة كبيرة من الالتهابات تشفى تماما عند بلوغ الطفل مرحلة المراهقة ولا يتبقى إلا نسبة ضئيلة تعاني من صعوبات في حاسة السمع أو التهابات الأذن الوسطى.

لذا عند ظهور أي مشاكل في الأذن كضعف حاسة السمع أو خروج سوائل متكررة من الأذن أثناء سنوات المراهقة لا بد من مراجعة اختصاصي الأنف والأذن والحنجرة.

علاج النطق

تنتج الأصوات عند اهتزاز الحبال الصوتية الناتجة عن مرور الهواء الصاعد من الرئة الى الخارج عن طريق فتحة الفم إلا أنه عند الأطفال المصابين بشق في سقف الحلق يتسرب الهواء عن طريق فتحة الأنف مما ينتج عنه غنة صوتية وخطأ في اللفظ «اضطراب في مخارج الحروف» التي تشمل:

1- الحذف «حذف حرف دون استبداله بحرف آخر».

2- الإبدال «إبدال حرف مكان آخر».

3- التحريف أو التشويه «لفظ حرف بصورة مشوهة وغير مقبولة».

في بعض الحالات يمكن علاج المسبب بالتدريب على النطق من غير تدخل جراحي حيث يشمل تدريب الشخص على النطق باستخدام العضلات المتوفرة لتعويض النقص، وتعديل مخارج الحروف إلا أنه في حالة النقص التكويني في العضلات فإن العلاج الجراحي يعد الأفضل.

في كثير من الأحيان يكون الهدف هو تمكين الشخص من النطق بشكل مفهوم، الذي لا يعني بالتالي النطق بشكل طبيعي.

اختصاصي اجتماعي

عادة ما يحتاج الوالدان لبعض الدعم من الاختصاصي الاجتماعي خصوصا بعد معرفتهما بأن الطفل الذي ظلا ينتظران قدومه بفارغ الصبر مشوه! كما أن الطفل المصاب يحتاج إلى الكثير من الدعم النفسي والاجتماعي عن طريق الاختصاصيين وذلك للضغوط النفسية والاجتماعية التي يعاني منها بسبب التشوهات الخلقية وكذلك مشاكل النطق والسمع التي تعتبر من أهم العقبات التي تواجهه وتعيقه عن الاندماج في المجتمع بشكل صحيح.

رئيسة مركز الشفة الأرنبية وشق قبة الحنك

كلية الطب والعلوم الصحية- جامعة عدن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى