الحلقة الثامنة عشرة.. الدورة التاسعة عشرة 1964 مكسيكو تحتضن العالم

> قطر «الأيام الرياضي » عن الجزيرة الرياضية :

>
استضافت العاصمة المكسيكية مكسيكو دورة الألعاب الأولمبية الصيفية التاسعة عشرة من الثاني عشر إلى السابع والعشرين من شهر تشرين الأول/أكتوبر 1968, وتلك كانت الألعاب الأولى التي جرت في دولة نامية يافعة في أسسها, تجتاحها الصراعات والمشاكل السياسية لكن رغم ذلك تخطى عدد الدول التي شاركت المئة للمرة الأولى.

افتتح البطولة الرئيس المكسيكي غوستافو دياز أورداز, وردد القسم لاعب ألعاب القوى المكسيكي بابلو غاريدو, فيما أضاءت الشعلة نورما انريكيتا بازيليو دي سوتيلو وهي أول امرأة تضيء الشعلة.

شحن عالمي

انطلقت الدورة في ظل أجواء مشحونة ومتوترة في المكسيك وكادت اللجنة الأولمبية الدولية أن تقدم على إلغاء الدورة على خلفية القمع الدموي الذي لجأت إليه السلطات المكسيكية في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر 1968, أي قبل عشرة أيام من الدورة الأولمبية, لتظاهرة طلاب في مكسيكو أرادوا من خلال توجه أنظار العالم إلى المكسيك كمستضيفة للألعاب الأولمبية إيصال جملة رسائل ومطالب سياسية, فكان أن قمعوا بفتح النار من الجيش عليهم عشوائياً, وتضاربت المعلومات عن عدد القتلى فمنهم من قال ثلاثة مئة ومنهم ألف أما السلطات فقالت أربعة قتلى فقط, وقد عرفت هذه الحادثة بـ«جريمة تلاتيلولكو» نسبة للمكان الذي جرت فيه, كما عرفت بليلة تلاتيلولكو وفقاً للكاتبة المكسيكية ايلينا بونياتوفسكا.

وبناء على تلك التداعيات اجتمعت اللجنة الأولمبية الدولية وتدارست قرار إلغاء الألعاب, لكن الخلاصة كانت أن الأولمبياد مبني على خلفية سلمية, ومن شأنه تدعيم الروابط والعلاقات ودحض الشوائب, لذا أعلن رئيس اللجنة الأولمبية الدولية وقتها الأميركي أفري برانديج أن الألعاب «لن تؤجل» وذلك قبل أيام من افتتاحها وجاء في كلمته التي وجهها في حينها «إن الألعاب الأولمبية التاسعة عشرة, تلك الجامعة لشباب العالم في إطار تنافس أخوي, ستجري وفقاً لما كان مقرر», لكنه ختم في رسالته: «إذا كان هنالك من تظاهرات...سنلغي المنافسات», وأقيمت المنافسات وقتها في ظل أجواء مضغوطة.

لم تكن تلك الأحداث الوحيدة التي أرخت بظلالها على الدورة بل شهد العام 1968 مجموعة أخرى من الأحداث كان لها انعكاساتها من قبل تصرفات بعض الرياضيين في الدورة, ومن هذه الأحداث حرب الأميركيين على فييتنام واغتيال مارتن لوثر كينغ الناشط الأميركي بوجه الحركات العنصرية ضد العرق الأسود في الرابع من نيسان/إبريل 1968, واغتيال السياسي الأميركي بوب كينيدي في السادس من حزيران/يونيو 1968, ودخول السوفيات عسكرياً الأراضي التشيكوسلوفاكية, والنزاعات في نيجيريا.

انعكست تلك الأحداث بطبيعة الحال على بعض أحداث الدورة منها ما قام به في السابع عشر من تشرين الأول, العداءآن الأميركيان تومي سميث وجون كارلوس اللذين حلا في المرتبة الأولى والثالثة في سباق المئتي متر, أثناء التتويج من تصرفات ذات دلالات اعتراضية على العنصرية الجارية في الولايات المتحدة الأميركية, فما كان من اللجنة الأولمبية الدولية إلا أن رفضت هكذا تصرف, ليس بناء على رأي سياسي خاص, إنما باعتبار السياسة أمرا ممنوعاً في الألعاب الأولمبية مهما كانت وجهتها, لذا وبأمر من اللجنة الأولمبية الدولية تم طرد هذان العداءآن من الحركة الأولمبية ومنعوا من الاشتراك فيها لمدى الحياة. تميزت الدورة بإدخال اختبارات المنشطات لأول مرة فجرت الفحوصات في خمس رياضات مختلفة أقيم فيها خمسون اختباراً بشكل يومي طيلة أيام الدورة, وكان يؤخذ يومياً ست عينات من بول أول ستة رياضيين على الترتيب من الأول للسادس في رياضات فردية, وخضع في النهاية 667 رياضيا ورياضية للاختبار. وقد سجل الكشف عن حالة إيجابية واحدة تمثلت بلاعب البنتاتلون السويدي هانس-غونار ليلينفال الذي وجد في دمه آثار كحول منشطة. وهو أول حالة منشطات في التاريخ الأولمبي رسمياً.

شارك في الدورة عموماً مئة واثنتا عشرة دولة, ولأول مرة كان العدد يتخطى المئة, وسجلت اثنتا عشرة دولة حضورها الأولمبي الأول هي باربادوس وبيليز وغينيا و هوندوراس وجزر العذراء الأميركية والكويت ونيكاراغوا وباراغواي وجمهورية أفريقيا الوسطى وسلفادور وسيراليون وسورينام, ولم تشارك ألمانيا كدولة موحدة, بل كدولتين ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية, وشأن الدورة السابقة منعت جنوب إفريقيا من المشاركة في الأولمبياد لانتهاجها سياسة عنصرية. أما عربيا فشاركت الجزائر, مصر, تونس, المغرب, لبنان, سوريا, الكويت, العراق.. مثل تلك الدول 5516 لاعبا ولاعبة منهم 781 من الإناث, نافسوا على 172 مسابقة تضمنتها ثماني عشرة رياضة مختلفة هي: ألعاب الماء (سباحة, غطس, كرة ماء), ألعاب قوى, كرة سلة, ملاكمة, كانوي كاياك, دراجات, فروسية, مبارزة, كرة قدم, جمباز, هوكي على الحشيش, خماسي, تجديف, إبحار, رماية, كرة طائرة, رفع أثقال, مصارعة. تصدرت الولايات في النهاية جدول الميداليات وبشكل كاسح بفارق ست عشرة ذهبية عن الاتحاد لسوفياتي الثاني.

المسابقات الرياضية

جرت الدورة كما ذكر في مكسيكو وهي مدينة على ارتفاع 2300 متر الأمر الذي سبب مشاكل عدة خصوصاً لعدائي المسافات المتوسطة والطويلة مثل 1500م و3000م و5000 متر و10000 متر والماراتون وغيرها من منافسات التحمل الهوائي التي تعتمد على الأوكسيجين كمصدر أساسي لتكسير السكريات والدهون من أجل توليد الطاقة, إذ أن تلك المنطقة يقل فيها الأوكسيجين عن المناطق الساحلية بنسبة ثلاثين بالمئة وذلك وفقاً للجنة الأولمبية الدولية.

ونتيجة لذلك لم يكن من الممكن تحقيق أرقام جيدة في المسافات المذكورة, بل اقتصرت الأرقام على مسافات قصيرة أو مسابقات الوثب والرمي التي لا تدوم أكثر من ست أو سبع ثوان ولا تتطلب بالتالي مصدراً أوكسيجينيا خارجياً, إذ تختلف مصادر طاقتها, لذا برز الأميركي بوب بيمون في الوثب الطويل وسجل 8,90 متر وهو رقم خيالي حتى في يومنا هذا, كما تهاوت الأرقام في المسافات القصيرة الواحد تلو الآخر.

شهدت المسابقات أول مشاركة نسائية في رياضة الرماية, إذ شاركت البولونية انريكيتا بازيليو والبيروفية غلاديس سيميناريو في المنافسات, وباتت الأميركية فيوميا تيوس أول عداءة تحتفظ بلقبها في مسابقة المئة متر, أما أكثر الرياضيات شهرة في أولمبياد 1968 كانت فيرا كازلافسكا لاعبة الجمباز التشيكية, التي كانت اختفت لفترة ثلاثة أسابيع بعيد الغزو السوفياتي لتشيكوسلوفاكيا, وقد فازت في مكسيكو بأربع ذهبيات وفضيتين, وفي مسابقات الرجال فاز رامي القرص الأميركي آل اورتر بلقب المسابقة للمرة الرابعة توالياً.

إذا أبرز الأحداث كالعادة تأتي من ألعاب القوى التي تصدرتها الولايات المتحدة بشكل كاسح بـ15 ذهبية مقابل 3 لكل من كينيا والاتحاد السوفياتي, حيث برز رامي القرص الأميركي آل(ألفرد) اورتر الذي فاز برابع ميدالية ذهبية له على التوالي في المسابقة, مسجلاً 64,78م ومحققا رقماً أولمبيا جديدا في حينها, وهو تفوق بفارق مريح على منافسه الثاني صاحب الفضية الألماني الشرقي لوثر مايلد الذي سجل 63,08م. كما تألق العداء الأميركي تومي سميث Tommie Smith محققا رقماً عالمياً جديداً ونزل لأول مرة في تاريخ السباق عن حاجز العشرين ثانية بتسجيله 19,83ث فيما حقق الثاني الأسترالي بيتر نورمان 20,00ث وحل ثانياً. لكن سميث طرد لاحقا من الحركة الأولمبية بسبب ما ذكر سابقاً.

أميركي آخر فاجأ العالم بأداء خارق وجبار هو لاعب الوثب الطويل بوب بيمون Bob Beamon الذي حطم الرقم العالمي في المسابقة بفارق بلغ خمس وخمسين سنتيمتراً مسجلاً 8,90م علماً أن هذا الرقم صعب جداً حتى في يومنا هذا وقد ظل صامدا حتى العام 1991 حين حطمه الأميركي الآخر مايك باول مسجلاً 8,95سم وما زال صامدا حتى اليوم. وكان الرقم القياسي في الوثب الطويل تم تحطيمه 31 مرة منذ العام 1901 حتى 1968, قبل رقم بيمون, بمعدل تحسيني بلغ ست سنتيمترات علماً أن أكبر فارق في قفزة واحدة تحقق قبل رقم بيمون كان خمس عشرة سنتيمتراً. وبعد المسابقة قال حامل لقب المسابقة في أولمبياد 1964 البريطاني لين دايفيز للبطل الأميركي بيمون «لقد حطمت هذه المسابقة».

ولم تقتصر إنجازات الأميركيين على ما ذكر بل حطموا أرقاما عالمية أخرى في سباقي المئة متر حواجز والأربعمائة متر والبدل 4×100م, الأول عبر جين هاينس الذي سجل 9,95ث ثم ساهم في تحطيم الرقم العالمي في البدل 4×100م مع زملائه حين سجلوا 38,24ث, وفي السباق الثاني أي أربعمائة متر بواسطة دايفيد هيمير بزمن 48,12ث, وقد صمد رقما الـ100 والـ400م طويلاً. كما تم تحطيم رقم الـ110 متر حواجز عبر ويلي دافنبورت الذي سجل 13,33ث وكذلك الأربعمائة متر عبر لي ايفانز بزمن 43,86ث, والبدل 4×400م عبر الفريق الأميركي بزمن 2,56,16 دقيقتين.

وفي شهدت الوثب العالي استخدام تقنية جديدة ما زالت معتمدة إلى اليوم وهي تقنية فوسبوري نسبة للاعب الأميركي ديك فوسبوري الذي ربح المسابقة مسجلا رقما أولمبيا جديدا بتجاوزه ارتفاع 2,24م, وقبل تقنية فوسبوري كان يعتمد القفز إما بالبطن بمعنى تجاوز العارضة والوجه مواجه لأسفل أو بالجانب أو بالقفز بالقدمين تباعا أي المقصيةً, أما تقنية فوسبوري فتعتمد على العبور والوجه مواجه لأعلا ويكون فيها الهبوط على الكتفين والظهر. وقد أحدثت هذه التقنية ثورة حقيقية في الوثب العالي.

وفي كرة القدم شارك ستة عشر فريقاً قسموا إلى أربع مجموعات ضمت كل منها أربعة فرق لعبوا ضد بعضهم بنظام الدوري من مرحلة واحدة تأهل نتيجتها أول فريقين من كل مجموعة إلى ربع النهائي حيث نظام خروج المغلوب شأن نصف النهائي, وبنتيجة التصفيات لعب في نصف النهائي المجر ضد اليابان وفازت الأولى 5-0, وفي الثانية بلغاريا ضد المكسيك وقد فازت الأولى 3-2, وفي النهائي اكتسحت المجر بلغاريا بأربعة لواحد, فيما نالت البرونزية اليابان بفوزها على المكسيك 2-0.

عربيا نالت تونس ذهبية الخمسة آلاف متر عبر محمد غامودي (1938-...) الذي نال أيضاً برونزية العشرة آلاف متر الذي كان نال فضيته في أولمبياد 1964, أما باقي الرياضات فتصدرت اليابان الجمباز بست ذهبيات مقابل خمس للسوفيات وأربع لتشيكوسلوفاكيا, ونال السوفيات ذهبيتي كرة الطائرة في فئتيها الخشنة والناعمة على حساب اليابان في الفئتين, وفازت الباكستان بالهوكي على الحشيش أمام أستراليا والهند, واكتسحت الولايات المتحدة مسابقات السباحة بنيلها 21 ذهبية بينها 11 من 14 ممكنة لدى السيدات, أما مجموع ما حصلت عليه فبلغ 52 ميدالية من 87.

وقفات بارزة

سيطرة أفريقية

سجل العداؤون الأفارقة في أولمبياد 1968 إنجازاً تاريخياً بفوزهم بجميع السباقات من الـ1500م حتى الماراتون في إنجاز كان الأول من نوعه على الصعيد الأولمبي, فقد أحرز العداء الكيني كينو كيبتشوغي ذهبية الـ1500م بزمن 3,34,91 د, والتونسي محمد غامودي ذهبية الـ5000 آلاف متر, والكيني الآخر تيمو نافتالي ذهبية الـ10 آلاف متر بزمن 29,27,40 د والإثيوبي مامو وولدي ذهبية الماراتون بزمن 2,20,27 ساعتين, وأموس بيووت ذهبية الـ3 آلاف متر موانع بزمن 8,51,02د.

فيرا كاسلافسكا (1942-...)

لاعبة جمباز تشيكوسلوفاكية, تشيكية وفقا للتقسيم الحالي, أحرزت في مسيرتها الأولمبية إحدى عشرة ميدالية بينها 7 ذهبيات وأربع فضيات, تقسمت ذهبياتها بين ثلاث في أولمبياد 1964, وأربع في أولمبياد 1968 على أجهزة الفردي العام, وحصان القفز والمتوازي المختلف الارتفاع, والحركات الأرضية. هربت بعد الغزو السوفياتي لتشيكوسلوفاكيا العام 1968 ولجأت للجبال قبل أن تظهر بعد ذلك للمشاركة في الأولمبياد. تولّت رئاسة الاتحاد التشيكي للألعاب الأولمبية وباتت عضوا في اللجنة الأولمبية الدولية. ولم تقتصر مسيرتها على الذهب الأولمبي بل نالت أربع ألقاب عالمية وخمس فضيات وبرونزية, وإحدى عشر ذهبية على مستوى أوروبا.

بوب بيمون (1946-...)

من أبرز من مرَّ في تاريخ رياضة الوثب الطويل, أميركي الجنسية برع بشكل ملفت جداً, العام 1968 كان الذروة في العطاء بالنسبة له حين فاز بـ22 مسابقة من 23 خاضها قبل الألعاب الأولمبية في مكسيكو حيث واجه في التصفيات خطر الخروج حين أخطأ في التصفيات في أول محاولتين له وبقيت له محاولة واحدة فما كان منه إلا أن أخر نقطة الانطلاق قليلاً بناء على نصيحة من زميل ونجح بعدها في العبور للنهائي الذي جرى يوم 18 تشرين الأول/أكتوبر, وفيه حقق بيمون من القفزة الأولى 8,90م محطماً الرقم السابق بـ55سم والذي كان 8,35, علما أنه قبل ذلك تم تحسين الرقم بـ22سم خلال فترة 33 عاماً, فيما نجح هو في ثانية في تحقيق قفزة فاقت الخيال.

جون ستيفن أكواري (1938-...)

عداء تنزاني شارك في أولمبياد 1968 في مكسيكو حيث ذاع صيته عالمياً بالرغم من أنه حل في المرتبة الأخيرة بالسباق المذكور الذي شارك فيه 74 متسابقاً.

إذ تعرض أثناء المشاركة لإصابة قوية وخطيرة في الركبة اضطر معها إكمال السباق وهو يعرج متحاملاً على ألمه, وقد عبر خط الوصول بزيادة أكثر من ساعة على توقيت باقي المتسابقين وقال عقب وصوله: «لم ترسلني بلادي من مكان يبعد 10 آلاف كلم من هنا كي أنطلق في السباق, بل كي أنهيه». شارك بعد سنتين في ألعاب الكومنولث 1970 حيث حل خامساً, وظل يشارك في سباقات الماراتون حتى العام 1978. وهو يعمل حالياً كسفير للنيات الحسنة في التحضيرات لأولمبياد بكين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى