الحلقة التاسعة عشرة.. الدورة العشرون (1972) ميونخ تمزج الحضارة

> قطر «الأيام الرياضي» عن (الجزيرة الرياضية):

>
استضافت مدينة ميونيخ الألمانية الغربية آنذاك النسخة العشرين من الألعاب الأولمبية الصيفية العام 1972 من السادس والعشرين من أغسطس حتى الحادي عشر من سبتمبر، وسط مشاركة كثيفة جدا دولا ورياضيين.

وكانت برلين الألمانية استضافت أولمبياد 1936 الذي استغل للترويج للسياسة النازية، فأراد منظمو ألعاب 1972 التخلص من صورة دورة برلين, وإعطاء صورة تعكس محبة وديمقراطية وحضارة للعالم, ونجحوا في ذلك. لكن حادثا أمنيا واحدا أثر على الألعاب، تمثل بعملية خطف قام بها فلسطينيون لرياضيين إسرائيليين انتهت بمقتل عدد كبير من الطرفين إثر تدخل الشرطة الألمانية. افتتح الألعاب الرئيس الألماني غوستاف هينمان, وأضاء الشعلة لاعب ألعاب القوى غونتر زان, وردد قسم الرياضيين هايدي شولر, فيما ردد قسم القضاة أو القسم الأولمبي ولأول مرة هاينز بولاي.

التعويذة الأولى

العام 1965 قررت ألمانيا الغربية بعد اقتراح رئيس لجنتها الأولمبية ويلي دوم التقدم بطلب ترشيح مدينة ميونيخ, التي كانت تفتقر للحد الأدنى من البنى التحتية الرياضية, لتنظيم ألعاب 1972, وقد اعتبر حينها دوم أن اللجنة الأولمبية الدولية ستدعم ألمانيا في هذا المجال, وفعلا تم تقديم الملف رسميا في العشرين من يناير 1966, وجرى في السادس والعشرين من أبريل في المؤتمر السادس والستين للجنة الأولمبية الدولية في روما من العام نفسه اختيار ميونيخ كمستضيفة، وقد تفوّقت المدينة الألمانية على مدريد الإسبانية ومونتريال الكندية. فيما استبعدت ديترويت الأميركية من الدورة الأولى.

شهدت هذه الألعاب إطلاق أول تعويذة أولمبية رسمية عرفت باسم (وُالْدي)، وكان عبارة عن كلب ألماني مشهور ذي شعبية كبيرة في البلاد، وتم اختياره نظرا لبنيته النحيفة وقدرته على الحركة بسرعة وخفة وتميزه بالتحمل والعناد في تنفيذ ما يريده, لذا شبه رمزيا بالرياضيين، وتم اعتماده كتعويذة رسمية, أما الألوان التي دمغته فأريد منها الرمز للفرح والجو المبتهج أولمبيا. كما اعتمد ولأول مرة ما يعرف بالإشارات التوضيحية المصورة الرياضية لتسهيل الاستدلال إلى الأماكن ومعرفة خصائصها ومميزاتها.

وتحضيرا للأولمبياد صرفت السلطات الألمانية حوالي 800 مليون دولار لبناء المنشآت الرياضية التي بني معظمها في مدينة ميونيخ ما بين 1968 و 1972. وشُيِّد على مساحة ثلاثة ملايين متر مربع ما عرف بالمنطقة الأولمبية التي تضمنت القرية الأولمبية وقرية الصحفيين ومختلف المنشآت الرياضية, من بينها الصرح الأولمبي, كما تم تشييد اثنين وثلاثين جسرا وشق وتعبيد طرقات جديدة بلغ طولها ثمانية وأربعين كيلومترا, كما تم بناء برج بارتفاع 280 مترا مخصص للتغطية التلفزيونية. الصرح الأولمبي أو الستاد الأولمبي شُيد بسعة جماهيرية وصلت إلى ثمانين ألف متفرج, استضاف مسابقات الفروسية وألعاب القوى وبعض مباريات كرة القدم, والخماسي الحديث, وحفلي الافتتاح والختام.

شارك في هذه البطولة 121 بلدا, منها إحدى عشرة دولة ظهرت للمرة الأولى هي ألبانيا, السعودية, بنين تحت اسم داهومي, كوريا الشمالية, غابون, بوركينا فاسو تحت اسم هوت فولتا, ليسوتو, مالاوي, الصومال, سويتزلاند, توغو, وتمت في هذه الدورة دعوة روديسيا الجنوبية لكن ذلك أثار موجة اعتراضات واسعة من دول أفريقية على اعتبار أن روديسيا المستعمرة البريطانية وقتها تنتهج السياسة العنصرية، فجرى التصويت من قبل أعضاء اللجنة الأولمبية الدولية على مشاركتها, فكان أن عارض ستة وثلاثون صوتا مقابل واحد وثلاثين, وعليه تم سحب الدعوة منها، وحرمت من المشاركة شأن جنوب أفريقيا للسبب نفسه. وعلى صعيد الألمان فقد شاركوا كدولتين شرقية وغربية.. مثل هذه الدول 7134 رياضيا ورياضية, بينهم 1059 لاعبة, تنافسوا في إحدى وعشرين رياضة اشتملت على 195 مسابقة, جديدها كان كرة اليد بالشكل المعروف اليوم, فاللعبة دخلت الأولمبياد العام 1936 وضمت وقتها فرقا من 11 لاعبا على أرض الملعب ثم غابت وعادت بشكل جديد في ميونيخ, والقوس النشاب التي عادت بعد غياب 52 عاما, كما أدرجت مسابقة التعرج في الكانوي لأول مرة.

أما الرياضات فهي, ألعاب القوى, القوس والنشاب ألعاب الماء (غطس, سباحة, كرة ماء), ملاكمة, كرة سلة, كانوي كاياك, دراجات, فروسية, سلاح, كرة قدم, جمباز, كرة يد, هوكي, جودو, الخماسي الحديث, تجذيف, رماية, كرة طائرة, رفع أثقال ومصارعة, واستعاد السوفيات في هذه الدورة وبشكل كاسح تصدر الترتيب النهائي العام للميداليات في الصراع التقليدي مع الولايات المتحدة الأميركية, إذ نالت الأولى خمسين ذهبية مقابل ثلاث وثلاثين للثانية.

المسابقات الرياضية

الأكثر توهجا في المنافسات الرياضية كان السباح الأميركي الأسطوري مارك سبتز الذي حق سبع ذهبيات منها أربع في مسابقات فردية, وهو كان أحرز ذهبيتين في أولمبياد 1968, وبرز المصارع السوفياتي ألكسندر ميدفيد الذي نال ذهبيته الاولمبية الثالثة تواليا في المصارعة الحرة في فوق الثقيل, ومواطنه إيفان ياريغين الذي أسقط سبعة مصارعين في طريقه لأول لقب أولمبي له في المصارعة الحرة في الوزن الثقيل, وتألقت لاعبة الجمباز السوفياتية أولغا كوربت بثلاث ذهبيات في عارضة التوازن والحركات الأرضية والفرق, كما برز الياباني ساواو كاتو في الجمباز حاصدا ثلاث ذهبيات وفضيتين والأسترالية شاين غولد ثلاث ذهبيات وفضية وبرونزية, واستطاع الاتحاد السوفياتي كسر هيمنة الولايات المتحدة على مسابقة كرة السلة بهزمه إياها في النهائي. كما أطاح السوفيات بالسيطرة الأميركية على مسابقات العاب القوى.. إذا الأبرز عموما كان خسوف السيطرة الأميركية على مسابقة كرة السلة المتواصلة والمستمرة منذ سنوات طويلة وتحديدا منذ اولمبياد 1936 تاريخ ظهور هذه الألعاب رسميا, فمن ذلك التاريخ وعلى مدار ستة وثلاثين عاما كسب الأميركيون المسابقة بسهولة تامة محققين الفوز في 62 مباراة بشكل متتال دون خسارة, لكن في كل مرة كان السوفيات يقتربون مستوى من الأميركيين حتى تخطوهم بصعوبة فائقة وإثارة وجدل قلّ نظيرهما في التاريخ الأولمبي السلوي، إذ انتهت المواجهة 50-51 لصالح الفريق الأوروبي، تقدم الأميركيون لأول مرة في اللقاء قبل نهايته بثانية عبر رميتين حرتين دوغ كوليز، فباتت النتيجة 49-50, وبعد أن أنهى الحكم المباراة, تدخل سكرتير الاتحاد الدولي مانحا المدرب السوفياتي فلاديمير كوندراشين وقتا مستقطعا كان قد طلبه دون الحصول عليه قبل نهاية الوقت, فاستأنف اللعب ولم يستطع السوفيات التسجيل فأخذ الأميركيون بالاحتفال لكن هذه المرة تدخل كوندراشين قائلا إن الساعة لم تضبط جيدا بعد الوقت المستقطع طالبا زيادة ثلاث ثوان, وبعد مشاورات بين الرسميين تم الإذعان لطلب المدرب السوفياتي وزيادة ثلاث ثوان نجح فيها النجم السوفياتي ألكسندر بيلوف في تسجيل سلة الفوز للسوفيات وسط ذهول أميركي, وفرحة جنونية سوفياتية باللقب الأول لهم, وقد رفض الفريق الأميركي بعد ذلك تسلم ميدالياته الفضية. وقد ذهبت البرونزية لكوبا، أما في ألعاب القوى فأدى الدخول السوفياتي والألماني الشرقي القوي على خط المنافسة في نزع السيطرة من البراثن الأميركية التي دانت لها السيطرة بشكل متتال في الدورات السابقة, لكن في ميونيخ دخل السوفيات وتصدروا بـ 9 ذهبيات أمام الألمان الشرقيين بـ 8, فيما اكتفت الولايات المتحدة بست ذهبيات، وهي التي عادت سابقا للتصدر بفارق مريح من الميداليات عن الثاني الذي كان دائما الاتحاد السوفياتي منذ أن بدأ المشاركة.. في المنافسات انتزع الفنلندي لاسي فيرين Lasse Virén ذهبيتي الـ 5000م والـ 10 آلاف متر محققا رقما أولمبياً في السباق الأول وعالميا في الثاني, في إنجاز كبير كرره في أولمبياد 1976, وانتزع السوفياتي فاليري بورزوف Valeri Borzov لقب أسرع عداء عقب تتويجه في سباقي المئة والمئتي متر مسجلا 10.14 ث في الأول و20 ث في الثاني سابقا الأميركيين روبرت تايلور ولاري بلاك في كل من السباقين على التوالي, وفي مفارقة غربية استطاع في تصفيات المئة متر أفضل عداءين لدى الفريق الأميركي إدي هارت وري روبنسون تصدر جميع المتسابقين, لكنهم غابوا عن الجولة الثانية من التصفيات بعدما أعطاهم مدربهم عن غير عمد توقيتا خاطئا عن ساعة بدء السباق!.

أما في السباحة فبالإضافة لتألق سبتز, تحقق أربعة وعشرين رقما قياسيا عالميا, وقد سيطرت الولايات المتحدة على المسابقة بشكل كاسح حاصدة ثلاث وأربعين ذهبية بينها سبع عشرة ذهبية. وقد برز أميركيا بالإضافة إلى سبتز ساندرا نلسون وميليسا بيلوت اللتان نالتا ست ذهبيات توزعتا مناصفة بين البدل والفردي. لكن رغم الهيمنة الأميركية برز سباحون عديدون من دول أخرى، فعلى سبيل المثال نال الألماني رولان ماتيس لقبي الـ 100م والـ 200م ظهر, ونالت الأسترالية شاين غولد ثلاث ذهبيات عن عمر خمسة عشر عاما. وشهدت الدورة أول حالة منشطات في السباحة في التاريخ الأولمبي وجدت في عينة من السباح الأميركي ريك ديمون الذي استبعد بعد ثلاثة أيام من فوزه في سباق الـ 400م حرة.. عربيا نال الرباع اللبناني الراحل محمد طرابلسي (2004-1950) فضية وزن المتوسط (67.5-75 كلغ), ونالت تونس فضية عبر عدائها الشهير محمد غمودي فضية سباق الخمسة آلاف متر, وفي رياضات أخرى تصدر السوفيات الجمباز بست ذهبيات مقابل خمس لليابان, وتقاسمت بلغاريا والاتحاد السوفياتي صدارة رفع الأثقال بثلاث ذهبيات لكل منهما, وأحرزت اليابان ذهبية كرة الطائرة لدى الرجال فيما نالت السوفياتيات ذهبية السيدات على حساب اليابانيات, ونالت يوغوسلافيا ذهبية كرة اليد في الظهور الأول للعبة بعد 36 عاما من الغياب, وأحرز الاتحاد السوفياتي ذهبية كرة الماء أمام المجر في صراع تقليدي, ونالت بولونيا ذهبية كرة القدم أمام المجر والاتحاد السوفياتي وألمانيا الشرقية.

وقفات بارزة

ألكسندر ميدفيد (1937 -...)

مصارع سوفياتي من جذور بيلاروسية, اعتبر أشهر وأفضل من وطأت قدمه حلبة المصارعة الحرة, فاز بمسيرته الأولمبية بثلاث ذهبيات في دورات طوكيو 1964 في وزن الخفيف الثقيل, ومكسيكو 1968 في الوزن الثقيل, و1972 في وزن ما فوق الثقيل, وهو الوحيد الذي حقق هذا الإنجاز في المصارعة الحرة, اختاره الاتحاد الدولي لرياضة المصارعة أعظم مصارع في القرن العشرين في فئة المصارعة الحرة, اما في اليونانية الرومانية فاختير الروسي ألكسندر كارلين. حالياً يشغل منصب نائب رئيس اللجنة الأولمبية البيلاروسية ويدرب منتخب بلاده الأولمبي في المصارعة, كما انه رئيس قسم الرياضة في إحدى جامعات بيلاروسيا.

مارك سبيتز (1950 -...)

سباح أميركي أسطوري, توقع في أولمبياد مكسيكو 1968 العودة بست ذهبيات, لكنه لم يحرز إلا اثنتين, كرر المحاولة في ميونيخ 1972, حيث بدأ من السباق الذي كان فشل به قبل أربع سنوات, 200م فراشة, ففاز محققا رقما قياسيا عالميا, نافس بعد يومين في سباقي الـ 100م فراشة والبدل 4×200م وفاز من جديد بالسباقين مع رقمين عالميين جديدين, ثم نال ذهبية السباق الأكثر صعوبة الـ 100م حرة محققا رقما عالميا جديدا, وفي النهاية جمع سبع ذهبيات وهو الوحيد الذي فاز بسبع ذهبيات أولمبية, كما انه واحد من أربعة رياضيين نالوا تسع ذهبيات أولمبية.

محمد الطرابلسي

رباع لبناني من مدينة طرابلس شمال لبنان, مارس رياضة رفع الأثقال لفترة ثلاثين عاما, محققا عددا لايحصى من الإنجازات بدأها حين كان شابا وأكملها في بطولات الماسترز. فاز بدورة المتوسط العام 1975 في الجزائر و1979 في سبليت في يوغوسلافيا, وبذهبية الألعاب الآسيوية في بانكوك وفضيتها في الهند, كما نال فضية بطولة آسيا العام 1977 في بغداد وذهبيتها العام 1981 في طوكيو, ثم نال العديد من الألقاب في فئة الماسترز أبرزها أولا أعوام 1996-1995-1994-1993, وثانيا العام 1991. حقق 6 أرقام عالمية للناشئين في رفعة الخطف بوزن الخفيف, وآخرا برفعة الخطف بوزن المتوسط للناشئين, وأربعة أخرى في وزن المتوسط لفئة الكبار في الخطف أيضا. قال عنه مدربو الأثقال السوفيات إنه لو تدرب عندهم لحطم الرقم العالمي بـ 15 كلغ دفعة واحدة في زمن كانت الأرقام تتحطم بفارق نصف كلغ أو كلغ.

فرانك شورتر

أميركي من مواليد ميونيخ, بات في أولمبياد 1972 أول عداء من بلاده أحرز ذهبية الماراثون في خلال 64 عاما. وتخلل السباق المذكور في ميونيخ مزحة انطلت لبعض الوقت على الرسميين والجماهير, إذ قام طالب ألماني اسمه نوربرت سودوس بدخول السباق مرتديا لباسا خاصاً بالعدائين في آخر ربع ميل, وحين كان شورتر على مقربة من خط النهاية, وحين دخل سودوس الملعب اعتقد الجميع أنه الفائز قبل اكتشاف الحيلة من المنظمين, ثم دخل شورتر وبدا مرتبكا ومتحيرا لسماعه الجماهير تطلق صفارات الاستهجان، وهو كان رأى سودوس أمامه لكنه استغرب الوضع. لكن في النهاية منح الذهبية، وكانت الثالثة لبلاده في الماراثون في التاريخ الأولمبي, وللمفارقة في الانتصارات الثلاثة لم يدخل أي عداء أميركي من الفائزين أولا, بل دائما ثانيا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى