بمناسبة مرور 70 عاما على (إحلال السلام في حضرموت) دراسة لتجربة تاريخية في القضاء على الثأر القبلي 1953-1933

> «الأيام» علي سالم اليزيدي:

>
وثيقة هدنة الصلح بين السلطان صالح بن غالب القعيطي والسلطان علي بن منصور الكثيري سيئون - رمضان 1355هـ
وثيقة هدنة الصلح بين السلطان صالح بن غالب القعيطي والسلطان علي بن منصور الكثيري سيئون - رمضان 1355هـ
الفصل الثالث: الصلح القبلي- المرحلة الأولى: لم يهبط الصلح القبلي برداً على بيداء حضرموت وأهلها في غفلة من أمرهم، بل كانت معركة معقدة وطويلة النفس، وهنا تستعرض الدراسة تجربة القضاء على الثأر والصراع القبلي بدايات المرحلة الأولى فتذكر أن مجيء انجرامس مستشارا للسلطنتين هو البداية العملية لحل مشكلة الصراع، إذ كانت الخطوة الأولى هي مؤتمر الصلح الذي انعقد بسيئون، واعتمد انجرامس على علاقة آل الكاف بالإنجليز ونفوذهم في سنغافورة.

ثم قام بزيارة الشيخ سالم بن جعفر الكثيري في بلدته (العقدة) وزار علي بن صلاح في القطن لتحسين العلاقة الكثيرية القعيطية، ثم زار آل البقري الذين لايميلون كثيرا للسلام، وفي حريضة قابل السيد أبوبكر العطاس فوجده غير متفائل في تحقيق السلام.

تأليف: السفير المتقاعد عبدالعزيز علي القعيطي ود. محمد سعيد القدال

تقديم: رئيس الوزراء السابق عبدالقادر عبدالرحمن باجمال

عاد انجرامس إلى سيئون بصحبة علي بن صلاح وسالم جعفر، وهما من ركائز السلام، وعمت البهجة وانعقد مؤتمر سيئون، واقترح انجرامس الصلح لمدة عشر سنوات لتحقيق السلام، وتنظيم البلاد، وقال رجال القبائل إنها طويلة ومستحيلة، واقترحوا ستة أشهر، إلا أن انجرامس رأى أن الستة أشهر عديمة الجدوى، وبعد جدل اقترح انجرامس ثلاث سنوات كحل وسط وتم الاتفاق.

واقترح انجرامس تكوين لجنة للتعامل مع التعديات القديمة مؤلفة بعد رعاية بريطانيا والسلطانين مكونة من: السلطان علي بن صلاح القعيطي، السلطان عبدالله بن محسن الكثيري، الشيخ سالم بن جعفر بن سالم، الشيخ عوض بن عزان بن عبدات، الشيخ عبد بن علوي بن علي التميمي.

وتمت صياغة البيان الرسمي الذي يقول: «إن الاجتماع الرسمي الذي عقد في قصر السلطان الكثيري أوصى قبائل حضرموت بقبول هدنة ثلاث سنوات، ولأنه لاتوجد صحف في سيئون فقد أرسل البيان إلى مختلف القبائل».

خريطة حضرموت كما رسمها انجرامس عام 1937 و نشرت في المجلة الملكية
خريطة حضرموت كما رسمها انجرامس عام 1937 و نشرت في المجلة الملكية
انعقد اجتماع لجنة أمان حضرموت في 26مايو 1937م بحارة حسان بسيئون، وفي يوم 16 مارس 1937م تم اختيار الأديب المفكر محمد بن هاشم سكرتيرا للجنة، وفي 26 مارس 1937م تم اختيار الفقيه القاضي السيد محمد بن شيخ المساوى مستشارا شرعيا للجنة.

يتضح من العرض السابق أن الهدنة كانت جهدا مشتركا، وكان انجرامس هو المحرك، تسنده قوة بريطانيا، ومقدرته الشخصية وفهمه لأوضاع البلاد، ولاننكر على بريطانيا دورها في تحقيق السلام لمجرد أنها دولة مستعمرة، ولكن هذا لاينفي عنها دورها الاستعماري وممارستها في قمع شعب جنوب اليمن.

ووقفت مع انجرامس قوى اجتماعية ساندته ماديا ومعنويا، فقد أنفق السيد الكاف خمسين ألف ريال على ترتيبات الهدنة، وانتقدت تلك القوى بأنها عميلة للاستعمار، وهو جنوح قوى لاترغب في السلام ودخول المدينة والاستفادة من المنجزات الأوروبية وتطورها.

كما يستعرض الكتاب المعد للطبع في العاصمة البريطانية لندن خلال الأشهر القليلة القادمة المرحلة الشاقة، وهي توقيع القبائل على المعاهدة، وكانت كل قبيلة في حضرموت تعد نفسها حكومة قائمة، وبدأ استعراض القوة بحادثة رسب في 14 ديسمبر 1936م عندما اعتدى جماعة من آل يماني على سيارة الضابط السياسي وتم ضربها بالطائرات لمدة خمسة أيام! ويتساءل المؤلف: هل كان العنف مبررا؟ وهل هو صلف استعماري؟

وجاء في تقرير انجرامس في مارس 1937م: «بعد توقيع قبائل نهد وجعدة وقعت كل القبائل الصغيرة، وامتد السلام حتى حدود المهرة، وظهرت عقبات في طريق الصلح، فقد برزت ثلاث قضايا في منطقة قبيلة الصيعر، وفي حصن العبر وفي منطقة قبيلة التميمي، ثم برزت مشكلة قبيلة الحموم وجرى حصارها وضربها بالطيران الحربي.

وأدى كل هذا إلى توقيع عناصر قبيلة الحموم المذنبين وثيقة تحملهم فيها مسئولية التعدي على الطرقات في فبراير 1938».

وتقول الدراسة إن هذه المعاهدة أفرزت إعادة تنظيم الدولة والقوات النظامية.

وكتب انجرامس موضحا: «أن تتكون القوات النظامية في السلطنة القعيطية من -1جيش المكلا النظامي -2قوات الشرطة في المكلا والشحر والجندرمة التابعة للسلطان، أما بالنسبة للسلطان الكثيري فالقوة النظامية هي الشرطة في المدن».

الصلح القبلي- المرحلة الثانية وما بعدها 1940 - 1950م

انتهت هدنة الصلح الأولى عام 1940 وبرزت بعض الأمور التي فرضت مسار الهدنة الثانية التي امتدت من عام 1940 إلى 1950:

- أولها الحرب العالمية الثانية التي اندلعت عام 1939م والحاجة للسيطرة ونتج عنه قمع جوي للقبائل المتمردة، وقد تعرضت الصحف البريطانية للقصف بالنقد.

ثانياً:حسب ما جاء في الدراسة هو المجاعة التي منيت بها حضرموت بسبب الحرب في جنوب شرق آسيا وانقطاع المعونات، واضطرت بريطانيا إلى فرض قبضتها، بل خدمت المجاعة سياسة بريطانيا التوسعية.

ثالثاً: نجاح تجربة السنوات الثلاث والنتائج الإيجابية رغم أن عقلية البدوي المتعجلة لم تستوعب الأبعاد التي أحدثتها تلك السنوات الثلاث.

- رابعاً: أن سلطة الدولة المركزية ترسخت أكثر، كما أن تأسيس جيش البادية، في أواخر 1939، ساعد على كسر حدة الخلاف بين الدولة والقبائل، فلم تعد القبائل تواجه جيشاً غريباً، بل جيشاً من أبنائها.

- خامساً: تمديد الهدنة بسبب أن بعض القبائل مازالت مصدر قلق للدولة.

وفي عام 1940م تم تمديد الهدنة لعشر سنوات بإعلان السلطتين مدعوماً من والي عدن برسالة دعم وتهنئة إلى الشعب الحضرمي بالسلام.

ويستعرض الكتاب حركة بن عبدات وكيف شكلت حالة إقلاق أمني وتحالفاتها حتى استسلام بن عبدات عام 1945 وتم نفيه إلى إندونيسيا .

الصراع القبلي - 1950 وما بعده:

كان أول التعقيدات انفجار المشكلة المزمنة بين الحكومة وبين البدو حول طريق العربات الذي يربط السهل بالداخل، وتزعمت الحموم المعارضة وانضم إليهم سعيد بانهيم، زعيم سيبان، ثم فشلوا واتجهت النية إلى وضع سياسة لتحسين حياة البادية المادية والاجتماعية مثل:

-1 العمران الزراعي -2 تحسين حال البهائم بتحسين النسل.

-3 تحسين الحالة الصحية بإقامة مراكز صحية .

4- نشر التعليم بإقامة المدارس في البادية ومناطق حضرموت .

5- إيجاد مصادر للرزق من العمل.

وطبقت هذه الأوضاع وواصلت الحكومة اتصالها المباشر مع زعماء القبائل وما له من أثر في المجتمع القبلي، ثم تطبعت الأوضاع إلى السلام الحضرمي الرائع.

ويستعرض الجزء الخامس قصة المستشار السياسي المقيم وليام هارولد إنجرامس، ويزخر الكتاب (تحت الطبع) بوثائق لا غنى عنها في تتبع هذه التجربة الرائدة بحضرموت ودور رجالها ونبل نياتها إلى اليوم، والكتاب بحد ذاته سفر ممتع إلى الوجدان الحضرمي تفوح منه روائح الزمن وعنفوان المكان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى