> السرطان داء يستوطن أعماق الذات.. يستفحل ويستشري في نواحي الجسد.. ثم يوغل عميقا بين الثنايا.. ينساب مع سريان الدم ويتجول بحرية مطلقة دون قيود أو حدود.. يستبيح حرمات الإنسان رغم الحصانات السماوية التي كفلها له الشرع والدين.. يفتك بالأرواح ويسمم الأجساد.. يكبل الإنسان بأصفاد الانزواء والمعاناة.. ويقتل كل معاني الحياة.. يجلد أمل البقاء والصمود بسياط الألم والقهر.. ينزع الابتسامة والبشاشة من الوجوه.. ويرسم الوجوم والبؤس على المحيا.. يجتث السعادة من جذورها ويزرع شجرة البؤس والتعاسة في الأحشاء.. تجوس في الجسد سكينه مخيفة تجول أرجاءه المتهالكة.. وصمت مطبق يحتوي الأوصال.. أجواء جنائزية تخيم على الجسد، وتلوح في أفقه المظلم غمامات سوداء تنذر بأن ماتحمله في جوفها شيء مخيف.. وبأن أيادي الموت ستتخطفه بين الفينة والأخرى.. ومن المقل البائسة تنحدر دموع الحسرة والألم بحرقة على الوجن فتحفر عميقا أخاديد معاناة لن تنتهى، وحزن ربما يطول أمده.. ومن الأحشاء المترعة بالحزن تنضح رائحة القهر، وتفوح معاناة الدواخل المثخنة بالتعاسة.. آهات يعج بها الصدر، وأنات تكتظ بها الفرائص.. أعاصير تجتث في طريقها كل شيء.. وصرخات تصم الآذان، ولكنها لاتتعدى الشفاه.. في القلب المفجوع تتسارع وتتزاحم النبضات.. وتنتحب لحظات الفراق.. نهدات تقشعر منها الأبدان.. وأصوات ثكلى فقدت معنى الأمان.. يخلف أجساداً هزيلة ضامرة لم يعد يعني لها الوجود شيئا.. وأرواح تائهة تحلق في فضاءات الحياة ترتجى قبرا غير بعيد وأملا أظنه يرقد في جنبات المحال.. عيون زائغة تتأمل الوجوه بحسرة وتندب من فراق محتوم صاغته أيادي القدر، وخطته معاناة الفاقة والعوز.. وذهن شارد لايقوى على جمع شتاته المتناثر من هول الفاجعة.. هو هكذا يستعمر الجسد دون رأفة أو رحمة، يبسط نفوذه على كل شيء دون الاكتفاء بمكان محدد يستعبد الأجساد ويستغل الأرواح.. تسري أنفاسه الساخنة في الدواخل فتذيب كل شيء.. وتعلن للعالم أجمع أنها أقوى من أية محاولات لإخماد نيرانه المستعرة التي تأتي على الصغير والكبير، الشاب والمسن.. فترسم على كل الوجوه حكاية الألم والخوف من المجهول الذي يكتنز بين ثناياه الفواجع والمصائب.. فتظل صفحات الحياة تكتنف بين طياتها معاناة مرضى السرطان التي لن تنتهي مهما طال الزمن أو اجتهد المجتهدون.. ولكن تبقى الحسرة الكبرى في الذين فجعوا بمصابيهم بهذا الداء القاتل الذي يفقد الإنسان الأمل في العيش دون أن تلوح أطياف الموت كل يوم أمام ناظريه.