في ندوة نقدية تحليلية لمشروع التعديلات الدستورية في المركز اليمني للدراسات واستراتيجية المستقبل

> صنعاء «الأيام» بشرى العامري :

>
نظم صباح أمس المركز اليمني للدراسات واستراتيجية المستقبل ندوة نقدية تحليلية لمشروع التعديلات الدستورية استعرض خلالها القاضي يحيى الماوري عضو المحكمة العليا التعديلات الدستورية ومفهوم الدولة الحديثة وتناول القضايا الأساسية في التعديلات الدستورية.

وابتدأ حديثه قائلا: «تمثل الدساتير الوضعية في أي مجتمع ديمقراطي أهم وثيقة سياسية وحقوقية في حياة المجتمع لاحتوائها على المبادئ الأساسية لنظام الحكم، والدستور اليمني يعد أهم وثيقة حقوقية بعد كتاب الله وسنة رسوله»، مشيرا إلى أن الدستور اليمني لا يختلف عن دساتير العالم من حيث وجود بعض نقاط الضعف التي تحتاج إلى المراجعة والإصلاح من وقت إلى آخر «إلا أن ذلك لا يعني عدم البحث عن جدوى هذه التعديلات والأهداف التي ترمي إلى تحقيقها سواء سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية وتأثيرها في البنية الدستورية لكيان الدولة وحفاظها على الثوابت الوطنية»، متسائلا في ذلك «عن الضرورة الملجئة لهذه التعديلات و هل هناك مصالح معتبرة من ورائها وهل جاءت الاجتهادات في وضع هذه التعديلات في حدود الأهداف المعلنة من قبل فخامة رئيس الجمهورية؟» مؤكدا أنه «في ضوء مذكرة الأخ رئيس الجمهورية الموجهة إلى رئيس وأعضاء مجلس الشورى يتضح مدى التوسع الذي تناولته التعديلات وتجاوزها حدود الأهداف التي وردت في المذكرة».

مشيرا إلى أن النظام المختلط (رئاسي برلماني) يقوم على أساس الغرفتين أو المجلسين «وهذا هو الشكل المقترح في التعديلات المطروحة في الدستور اليمني، الذي يجعل النظام الدستوري للجمهورية اليمنية نظاما مركبا من حيث الجمع بين النظام الرئاسي والنظام البرلماني وإدخال بعض سمات الدولة المركبة على النظام الدستوري الذي يقوم على أساس نظام الدولة البسيطة».

موضحا أن تثبيت الوحدة وضمان استمرارها «يجب أن يكون أبرز هدف استراتيجي في التعديلات الدستورية القادمة خصوصا في ضوء الأحداث القائمة على الساحة الوطنية والإقليمية والدولية ومن متطلبات تنفيذ الأهداف الإستراتيجية ذات الأبعاد الوطنية المصيرية وضع ضمانات دستورية ثابتة من خلال جعل بعض مواد الدستور جامدة غير قابلة للتعديل وهي المواد المتعلقة بنوع النظام السياسي (جمهوري-ملكي) وما يتعلق بوحدة الدولة أرضا ونظاما وشعبا طبقا لتعريف القانون الدولي للدولة ذات السيادة الكاملة (وحدة الشعب والإقليم والنظام السياسي) ثم ما يتعلق بدين الدولة ولغتها وهويتها القومية والوطنية».

وقال:«إن أي تعديلات دستورية يجب أن تكون في إطار الثوابت والخصوصيات اليمنية وأن تحافظ على مقومات الدولة اليمنية الحديثة التي تتجسد في وحدة الأرض والشعب والنظام السياسي المستمد من الإرادة الحرة لجميع المواطنين اليمنيين وأن تكفل هذه التعديلات عدم التمييز أو التفرقة بين أبناء المجتمع وأن لا تمس بمقومات الوحدة الوطنية أو تضعف من الشعور بالولاء الوطني للدولة من جميع مواطنيها والذي يضمن لها الحماية من أي اختراق قد يستهدف إضعافها أو تمزيقها. ومن أخطر ما انطوت عليه التعديلات المقترحة أنها منحت السلطة المحلية الصلاحيات الدستورية في الوظائف الأربع المشار إليها في التعديلات المقترحة (انتخاب المحافظين- تكوين قوات أمنية محلية - فرض رسوم محلية - إصدار أنظمة محلية) بما يضفي عليها صفات الاستقلال الإقليمي طبقا لما هو متبع في الدولة المركبة (الولايات المتحدة الأميركية) ويخرجها عن صفة الدولة البسيطة (فرنسا واليمن) ويتجاوز حدود الأهداف الواردة في مذكرة الأخ رئيس الجمهورية». ثم تطرق لأبرز الملاحظات والمقترحات من أجل التوازن الدستوري بين السلطات الرئيسية للدولة (المركزية والمحلية) «التي من أهمها:

-1 الفقرة الواردة في المادة (39) التي تعطي السلطات المحلية حق تشكيل قوات أمنية تابعة لها تعتبر من سمات الدولة المركبة (فدرالية)وإذا ما أخذنا في الاعتبار الظروف الخاصة بالمجتمع اليمني وتريكيبته القبلية وانتشار السلاح فإنه سيتضح لنا خطورة هذا النص في إضفاء الشرعية الدستورية على المليشيات القبلية المسلحة التي يمكن أن تتكون تحت ستار الشرطة المحلية .

-2 المادة الجديدة المقترحة بتخويل السلطات المحلية حق فرض الرسوم المحلية تعتبر من خصائص الدولة الفدرالية .

-3 المادة الجديدة المقترحة بتخويل السلطات المحلية حق إصدار الأنظمة التي تنظم أعمال الإدارة التنفيذية وعلاقاتها ببعضها تعتبر من وظائف السلطة المركزية (التشريعية والتنفيذية).

-4 من حيث التوازن الدستوري بين السلطات تجاهلت التعديلات ما ورد في المادة (153) الفقرة (ج) التي تقيد حق المحكمة العليا بالفصل في الطعون المتعلقة بصحة العضوية في مجلس النواب وقصر صلاحيتها على إبداء الرأي فقط وهو ما يقتضي وضع نص صريح يمنح المحكمة حق الفصل في الطعن بحكم ملزم للمجلس حتى لا يكون هذا مدخلا للانتقاص من سلطة القضاء واستقلاليته .

-5وهو ما ينطبق على المادة (68) التي تنص على اختصاص مجلسي النواب والشورى بالفصل في صحة عضوية أعضائهما بعد إبداء المحكمة العليا رأيها لما في ذلك من إهدار للقرارات القضائية ومبدأ الفصل بين السلطات.

ميَّز الدستور بين الطعن في إجراءات الاقتراع والفرز وبين الطعن في صحة العضوية بحيث جعل للقضاء سلطة كاملة في النوع الأول وسلطة ناقصة في النوع الثاني . هذا الأمر يثير جدلا قانونيا متزايدا في كثير من الدول الديمقراطية التي تأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات ، مصدر هذا الجدل اختلاف فقهاء القانون الدستوري في تفسير مبدأ الفصل بين السلطات وحدود رقابة السلطة القضائية على السلطة التشريعية فيما يتعلق بالفصل في صحة عضوية أعضاء المجلس فالكثير من رجال القانون يعترضون على منح مجلس النواب سلطة الفصل في صحة عضوية أعضائه، ويرون وجوب أن يكون الاختصاص فيها للقضاء.

الماوري:تثبيت الوحدة وضمان استمرارها يجب أن يكون أبرز هدف استراتيجي في التعديلات القادمة

فيما يتمسك البعض بحق المجلس بالفصل في صحة العضوية تأكيدا لمبدأ : (المجلس سيد قراره) باعتبار أمر العضوية مسألة داخلية ولا ينكر هذا الرأي حق القضاء في التحقيق وإبداء الرأي في صحة الطعن ولكن يبقى المجلس هو صاحب القرار الأخير في صحة عضوية أعضائه .

ويعلل أصحاب هذا الرأي وجهة نظرهم بما قالوه من أن المجلس يلتزم بمبدأ الفصل بين السلطات ، وأن على القضاء الالتزام بذلك، ولا يجب أن يراقب السلطة التشريعية إلا في الأعمال التشريعية، وعبر المحكمة العليا- الدائرة الدستورية- فقط عند النظر في مدى دستورية القوانين، ويرى المعترضون أن مجلس النواب لا ينظر إلى الطعون بنفس نظرة السلطة القضائية من حيث : أن السلطة القضائية تنظر الطعن بشكل قانوني في حين ينظر المجلس إليه بشكل سياسي وحزبي .

ينظر القضاء الطعن بشكل محايد وموضوعي فيما ينظر المجلس للطعون من زاوية سياسية تعمل على توازن المصالح بين الكتل الحزبية بحيث يمكن أن يقبل المجلس الطعن ضد بعض الأعضاء ويرفض الطعن ضد البعض الآخر بغض النظر عن رأي المحكمة العليا في صحة الطعن.

يترتب على هذه التفرقة الدستورية والقانونية نتائج مهمة كما في حالة تأخير المحكمة الفصل في بعض الطعون لأي سبب بحيث يحل ميعاد انعقاد أول جلسة للمجلس قبل صدور الأحكام القضائية، وبحسب نص القانون فإن الطعن لا يحول دون مشاركة العضو في اجتماعات المجلس ومنحه شهادة الفوز وحلفه اليمين ، إذا حدث ذلك فهل يصبح أمر الفصل في صحة العضوية من حق المجلس وحده ويسقط حق القضاء في الفصل في الطعن المرفوع أمامه؟ قد يختلف الوضع بعض الشيء في القانون اليمني عن ما هو عليه في بعض القوانين الانتخابية الأخرى بالنسبة لحالة تأخير الفصل في الطعون المتعلقة بإجراءات الاقتراع والفرز فالمادة (114) من قانون الانتخابات التي نصت على أنه (لا يحول تقديم الطعن دون قيام اللجنة العليا بإعلان أسماء المرشحين الفائزين الذين قدمت ضدهم طعون حول إجراءات الاقتراع والفرز في دوائرهم، كما لا يحول ذلك دون منحهم شهادة الفوز بعضوية مجلس النواب وحضورهم اجتماعات المجلس). أجازت المادة لمن قَُدِّم ضده طعن حضور اجتماعات المجلس دون أن يكون لذلك تأثير على حق القضاء في الحكم في الطعن الذي ينحصر في إجراءات الاقتراع والفرز ، في حين يختص المجلس بالطعن في صحة العضوية، الذي يختلف في أسبابه وإجراءاته طبقا لنص المادة (116) من قانون الانتخابات ، ومع ذلك فإننا لاننفي وجود اللبس والإشكال أو بالأصح تنازع الاختصاص بين الجهتين وتأثير انقضاء المواعيد القانونية على اختصاص كل منهما وما إذا كان حلول ميعاد أول جلسة لمجلس النواب المحدد دستوريا يعني انتهاء ولاية القضاء في إصدار الأحكام في الطعون المتأخرة التي رفعت إليه عن إجراءات الاقتراع والفرز ويصبح المجلس هو صاحب القرار فيها ؟؟.

المادة (13) تعدلت الصيغة في الفقرة ب (بناء على قانون) يستحسن توحيد الصيغة.

المادة المضافة بشأن الجهاز المركزي للرقابة لم تبين الجهة التي يرتبط الجهاز بها ويستحسن أن تكون النيابة العامة من حيث الضبطية القضائية ومجلس النواب من الناحية الفنية ليكون الجهاز الأداة الفنية التي تجسد رقابة المجلس على المال العام ، ورئيس الجمهورية من الناحية التأديبية ويقترح إعادة صياغة النص على النحو التالي :

(ينشأ جهاز متخصص يتمتع بالاستقلالية في مهامه الرقابية وشئونه المالية والإدارية تكون له ميزانية مستقلة يتولى الرقابة على الأموال والممتلكات والموارد العامة تكون له صفة الضبطية القضائية ويتبع النيابة العامة ويخضع لإشراف رئيس الجمهورية من الناحية التأديبية كما يرتبط بمجلس النواب من الناحية الفنية والمحاسبية).

المادة (31) جاءت الإضافة غير دقيقة من حيث الصياغة ويقترح تعديلها على النحو التالي :

(...... وتعمل هيئات الدولة والمجتمع على تشجيع مشاركة المرأة في الهيئات النيابية والنشاط العام بما يكفل مساهمتها في عملية التنمية والنهوض الاجتماعي).

المادة (62) النص الأصلي أكثر دقة وإحكاما من النص البديل باعتبار أن النصوص الدستورية تعتمد الإيجاز والبلاغة أو بتعبير فقهي (جامعة مانعة) ولهذا يقترح الإبقاء على النص الأصلي مع تعديل عبارة مجلس النواب إلى مجلس الأمة.

المادة (85) الفقرة (د) لم تبين الإجراء الذي يتم في حال امتناع أحد رئيسي المجلسين عن التوقيع والمفترض أن ينص على الاكتفاء بتوقيع رئيس مجلس الأمة بعد حصول القانون على الأغلبية المنصوص عليها .

المادة (63) ألغت النسبة المنصوص عليها في المادة الأصلية وبما أن النص يتعلق بحقوق دستورية أصلية فإنه ينبغي الإبقاء على النص الأصلي حتى لا يكون هناك تفاوت كبير بين دائرة وأخرى.

من خصائص النظام المختلط أن لا يكون رئيس مجلس الوزراء عضوا في البرلمان ولهذا يجب تعديل المادة (77) .

المادة (78) لم تبين طريقة ملء المقعد الشاغر في مجلس الأمة يفترض النص على أن يتم ملء الفراغ بالطريقة نفسها التي تعين بها من كان في المقعد الشاغر (انتخابا أو تعيينا).

المادة (121) لم تحدد مدة حالة الطوارئ المخولة لرئيس الجمهورية والنص على عدم جواز تمديدها إلا بموافقة مجلس الأمة .

المادة الجديدة المقترحة التي تمنح المجالس المحلية صلاحية فرض رسوم محلية تتناقض مع المادة (13) ومع مبدأ المساواة أمام القانون في الحقوق والواجبات وتؤدي إلى التفاوت في الجوانب التنموية بين المحافظات الغنية والمحافظات الفقيرة».

كما استعرض الأستاذ أحمد عبدالله الصوفي، الأمين العام للمعهد اليمني لتنمية الديمقراطية، القضايا الأساسية في التعديلات الدستورية مطالبا أن يكون هذا آخر تعديل للدستور «الذي يكاد أن يكون انقلابا كاملا على الدستور» مشيرا إلى أن مفهوم الدستور في هذه التعديلات« ما زال غائباً ومازالت مواد التعديل تتجاهل أنه قانون أعلى للدولة وأنه يحدد أسس نظام الهيئات وأنشطتها وهو في الأخير لا يخضع للقلق التشريعي ولا يحوي عملية إخضاع الهيئات للقانون». وأضاف:«أتت التعديلات الدستورية من أجل تطوير آليات عمل هذه المؤسسات لكنها في الحقيقة تكرس الإرباك وربما لا أجانب الصواب إذا قلت إنها ستعقد الفوضى وتشرعن الارتجال ولن تحمي في آخر المطاف هذا الدستور حتى وإن عدل فلا بد من الحاجة إلى تعديل آخر خلال أمد زمني قريب»، وقال:«لقد اقتبس من أعد المشروع تقنية سائدة في الدول الديمقراطية (نظام الغرفتين التشريعيتين) وهذا أمر حسن لكنه في القوالب القانونية والمواد المتصلة بالصلاحيات تجاهل الأمور التالية :

إن نظام الغرفتين يكون فعالاً في بيئة مؤسسية واضحة المعالم وتكون عوائقها كبيرة في ظل النظام الرئاسي، وفي ظل استقلال فعال للسلطة القضائية لكن المشروع تجاهل هذا الأمر في أكثر من ناحية.

صلاحيات المجالس الثلاثة (النواب - الشورى - الأمة) جعلها متنامية عند التئام المجلسين ليعطي مجلس النواب مركزا أول ويصبح مجلس الشورى ملحقاً بمجلس النواب من حيث نطاق الصلاحيات التشريعية التي يتمتع بها داخل مجلس الأمة دون أن يراعي حقيقة أن مجلس الشورى لايتمتع بأرضية شعبية تخوله امتلاك هذه الصلاحيات لينتهي بنا الأمر إلى اكتشاف أن التوازن بين السلطة والتكامل والاتساق غائبين بل نواجه تنازعاً للسلطات في المادة (85) حيث نرى مجلس الشورى منفرداً يقف وحيداً أمام مجلس النواب وهنا نلاحظ أن المُشرِع أخطأ في فهم التجربة الأمريكية في حال اجتماع المجلسين (الشيوخ والنواب) المنعوت بالكونغرس أي المؤتمر التشريعي فيما أطلق المشرع صفة التمثيل للأمة متجاهلاً ثوابتنا العقدية والقيمية وإيماننا بأننا كما ورد في الدستور وفي المادة الأولى منه أن الشعب اليمني جزء من الأمة العربية والإسلامية. فكيف أصبحنا أمةً فيما ما يزال رئيس الجمهورية رئيساً لشعب ودولة هي جزء من الأمة ؟

تستوقفنا شروط العضوية في المجلسين (النواب - الشورى) فالأول لا يشترط سوى القراءة والكتابة أما الثاني فبالإضافة إلى ذلك أن يكون لديه خبرات، وإذا عدنا لترجمة هذا النص وقابلناه لهدف رسالة الأخ الرئيس من هذه التعديلات القاضية تطوير المؤسسة التشريعية فإننا سنجد أمامنا حقيقة قاسية هي أن المؤسسة التشريعية حكرٌ على الأمية فيما مؤسسة الشورى وعاء يحتوي ما تلفظه الوزارات ومجلس النواب ومن يُقصون من مراكزهم في المحافظات والهيئات الدبلوماسية و بالتالي نحن إزاء تأطير المؤسسة التشريعية لتلبية حاجات التخلف وليس التقدم، فلابد من مراجعة شروط العضوية في المجلسين بالإضافة إلى المتطلبات السياسية ، كما أن من الضروري إضافة بعض المتطلبات المتصلة بالمهارة التشريعية الهادفة إلى تطوير النظام .

دور مجلسي النواب والأمة هذان المجلسان يمثلان قيداً على نشاط حكومة تعتمد على المساعدات والمعونات التي تتطلب سرعة البت فانعقاد مجلس الأمة من شأنه أن يعيق سرعة إقرار القوانين والاتفاقيات والعقود الأمر الذي يستدعي تغييراً في دواعي اجتماع المجلسين فبدلاً من أن تكون لأغراض التشريع لابد أن تكون لأغراض رسم السياسات أو لأغراض الرقابة على الحكومة أو محاسبة أحد أفرادها ، ولكي يتحقق ذلك لابد من إعادة صياغة شخصية المؤسستين وتوزيع السلطات بينهما بشكل متوازن على أساس أن يتولى مجلس النواب- مثلاً- تأسيس صحيفة اتهام الوزير أو أعضاء الحكومة فيما يتولى مجلس الشورى مع السلطة القضائية التحقيق في ذلك الاتهام أو إجراء المحاكمة . إن بقاء تنازع السلطات بين المجلسين لايمكن لمجلس النواب أن يحله بل يفرض على هذا المجلس الغرق طواعية في مناقشات عقيمة تجعل من هذا التطوير يتحول إلى إعاقه وتأخير ، إذ بقاء المؤسسات الرقابية على المال خارج سلطة البرلمان والمؤسسة التشريعية يعد واحداً من المطالب الجوهرية التي ستدفع بدور المؤسسة التشريعية إلى الأمام في الرقابة على الأداء الحكومي وحماية المال العام .

إن قوام مجلس الشورى ومصادر سلطته التشريعية تستدعي المراجعة بل أن الهدف من توسيع صلاحياته باعتباره بيت خبرة تستلزم مراجعة القوام وتغيير مصادر اكتساب الشرعية كأن ينتخب (%51) من قوامه من الشعب فيما يُعين رئيس الجمهورية (%49) شريطة أن تكون معايير التعيين والترشيح متطابقة ويراعى فيها بصورة خاصة الغاية النوعية من وظيفته».

وأضاف:«تشير المادة (80) إلى أنه لا يجوز الجمع بين عضوية مجلسي النواب والشورى أو عضوية أي منهما وعضوية المجلس المحلي أو أي وظيفة عامة لكنها تختم بالتالي :(ويجوز الجمع بين عضوية مجلس النواب ومجلس الوزراء) هنا يحدد المشرع بصريح العبارة أن مبدأ فصل السلطات التنفيذية والتشريعية قد ألغي وأصبح بإمكان عضو مجلس الوزراء أو عضو مجلس النواب أن يكون متنقلاً ومتحرراً من تلك الحدود التي تميز الدساتير ويصبح بالتالي كل عضو في مجلس النواب أو الوزراء هو المشرع وهو المنفذ.. هو المحاسِب وهو المحاسَب. ومن هذه الإرباكات المادة (79) التي تنص على النقيض من ذلك أو توصي بذلك حين تستخدم كلمة لا يتدخل في أعمال السلطتين التنفيذية والقضائية من قبل عضو مجلس الأمة فإذا كان عضو مجلس النواب يحق له أن يكون عضواً في مجلس الوزراء، وإذا كان مجلس الأمة يتكون من عضوية المجلسين فهل هذا يعني أن الجمع هناك والتدخل هنا يعنيان شيئين مختلفين ؟ أم أن ركاكة الصياغة جعلت لا يجوز لعضو مجلس الأمة أن يتدخل في الأعمال التي تكون من اختصاص السلطتين يرمي إلى الحد من الوساطة ، فهل القلق من الوساطة والتدخلات الفردية تستدعي إيراد مادة في دستور دولة؟

من مظاهر تداخل السلطات المادة (68) والمادة (139) والمادة (93) جميعها أدلة قوية على تداخل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وإقصاء أو حلول مكان السلطة القضائية . فالمادة (68) من مشروع التعديلات تخول مجلس النواب بدلاً عن القضاء إقرار صحة عضوية أعضائه في موضوع يتصل بقضية انتخابية سياسية يفترض أن يكون القضاء بين المختلفين حول مشروعية التمثيل في البيان من صلب مهامه، لكن المجلس يتولى هذا الأمر باعتباره سلطة متكاملة وليس جزءًا من السلطات تزكي شرعية عضوية أعضائه بنفسها. أما المادة (139) فتُخوِل رئيس الجمهورية ومجلس الأمة محاسبة وإحالة رئيس مجلس الوزراء للمحاكمه رغم أن رئيس الجمهورية يمثل رأس هرم السلطة التنفيذية. أما المادة (93) فتمنح مجلس النواب سلطة سحب الثقة من الحكومة وهذا يتعارض مع حقيقة أن مجلس الأمة هو أعلى سلطة تشريعية ورقابية للدولة ، ومن التعارضات العصية على الاستيعاب تلك المتصلة بالمادة (101) التي تمنح رئيس الجمهورية ضمن ضوابط محددة حل مجلس الأمة لكن المادة تقضي بدعوة الناخبين لانتخاب مجلس جديد للأمة والمعروف أن المجلسين (الشورى والنواب) يتم انتخابهما بطريقتين مختلفتين ومن مصدرين مختلفين فكيف يستفتي الشعب الذي انتخب جزءاً من مجلس الأمة (النواب) وكيف يدعى الشعب لانتخاب مجلس أمة جديد ، وثلث المجلس أو أكثر ينتخب من هيئة منتخبة ومعينة.

ومن التعارضات الصادمة بين السلطات، هناك شكل آخر يتمثل في تبلور ثلاث هيئات تشريعية هي مجلس النواب، ومجلس الشورى، ومن اجتماعهما يتكون مجلس الأمة. وإذا كان مجلس الأمة حسب الدستور يمثل الشعب اليمني كما يمثل مجلس الشورى المحافظات، بتمثيل متساوِ، فمن يمثل مجلس النواب في هذه الحالة المنفردة؟ كما أن العدد الإجمالي لأعضاء مجلس الشورى إذا كان حسب مشروع التعديلات سيتكون من (131) عضواً يشتمل على الـ(%25) الذين سيعينهم الرئيس فإن هذا العدد إذا ضُم إلى عدد أعضاء مجلس النواب المكون من (301) عضو فإن مجلس الشورى في هذه الحالة سيمثل أقلية كمعبر عن المحافظات. وإذا كانت القوانين ستقر في إطار مجلس الأمة فإن إرادة مجلس النواب ستبقى مهيمنة ولا يكون وجود لمجلس الشورى كخبرة وكعمر وكممثل لمصالح المحافظات أي وزن يُذكر ، ناهيك أن تشكيل مجلس الأمة الذي أتى بهدف تجويد القوانين وتفعيل المؤسسة التشريعية وتسريع وتيرة النشاط التشريعي فإن الواقع وما يعرضه المشروع من خطوات لحركة القوانين التي تبدأ في مجلس النواب أو الشورى ثم تُحال إلى الأخير لتنتهي ثالثاً لمجلس الأمة الذي يقرها في وقت قياسي ربما أكثر من أي دولة في العالم لأننا إزاء حالة استثنائية يلعب العُمر والمصلحة والخبرة والمعرفة بين جيلين أو أكثر دوراً في تعطيل سرعة بت وإصدار وإقرار القوانين. ويمكن للقارئ للمشروع أن يتبسم حين يقرأ هذه الفقرة من المادة (75) (عضو مجلس الأمة يمثل الشعب) كيف لمفهوم الأمة أن تكون معبرة عن الشعب إلا إذا كان المجلس ممثلاً لنطاق أوسع من الجمهورية اليمنية أو أننا بصدد ضم دول أخرى تحت سيادتنا فلابد أن تكون عربية حتى يستقيم المعنى ويكون هذا المجلس لا يعبر عن الدولة الحالية بل عن دولة محتملة قادمة وهذا يندرج ضمن الصياغات الركيكة والتعبيرات المبهمة والإنشاء الخالي من الرصانة والتماسك كالمادة (62) في المشروع نفسه. إن المثال الصارخ على تداخل الصلاحيات والسلطات هو المادة التي تلزم المجالس المحلية تقديم المشروعات والخطط لمجلس الأمة لإقرارها ، والمجالس المحلية هي إحدى السلطات التنفيذية».

موضحا أن مسامات جهاز الدولة «ستظل تعاني من الانسداد وتعمل على تغذية حاجتها من المشرعين من داخل هذا الجهاز بالإضافة إلى أن شروط العضوية في مجلس النواب وكذا الشورى هي أقل فاعلية من شروط عضوية مجلس محلي ، وهذا أمر لا يؤدي إلى تحقيق الهدف الرئيس من هذه التعديلات».

مشيرا إلى أن وزن ودور مجلس الشورى كبيت خبرة «ينتفي عند الجمع بين الهيئتين بسبب العدد وبسبب نوع الشروط للعضوية القائمة على مصدرين مختلفين أو متعارضين ما يجعلنا نجزم أن الهدف من إحداث نظام غرفتين هنا قد سقط نهائياً»، قائلا:«الذي نراه في التعديلات غرفة رئيسية وبهو أو ممر ملتصق بها وهذا ناتج عن نقص بيّن في ثقافة توزيع السلطات بل وسوء في استعارة تجربة نظام الغرتين كما هو معمول بها في النُظم الديمقراطية». وقال:«التعديلات الدستورية حملت في المجال التنفيذي تغييرا في هياكل السلطة التنفيذية فبدلا من بنيتها الراهنة القائمة على رئاسة الجمهورية والحكومة فإن التعديلات تقترح إنشاء هيكل ثالث هو نظام الحكم المحلي كجهاز تنفيذي محلي وهو عنصر جديد ومرغوب إلاّ أن نطاق حريته ومسؤوليته وتداخل العلاقة مع مجلس الأمة قد أضفى على المشروع إرباكا غير محمود ، فتوسيع الصلاحيات للسلطة المحلية لايعني بالضرورة نشوءاً للحكم المحلي، فالحكم المحلي ضمن التجارب الدولية يعني شيئا أكثر من ذلك ويكرس لأهداف تنموية صرفة، الأمر الذي يجعلنا نلفت النظر إلى أهمية مراجعة هذا الباب حتى تتخذ هذه المفاهيم صورتها وهيئتها الطبيعية، خاصة وأنه دستور وليس قانوناً».

إلى هذا عقب الأستاذ عبدالرحمن الجفري رئيس حزب رابطة أبناء اليمن (رأي) على ذلك بالقول بأن الإشكالية «هي في التحدث عن النتائج دون الاتفاق على الأسس وعن نظام الحكم الذي نريد». ورأى أن يتم تحديد مفاهيم يجب الاتفاق عليها قبل أي تعديل دستوري وهي نظام الحكم والدولة وماذا يراد للمرأة ثم يتم التحدث عن أنظمة انتخابية، مشيرا بالقول:«إذا ما تم الاتفاق على الهدف الأسمى سيسهل الاتفاق على الآليات والأدوات».

كما دعا إلى تحقيق المواطنة السوية وتحقيق عدالة في توزيع الثروة بين جميع المواطنين وديمقراطية محققة للتوازن في المصالح الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بين فئات الوطن وتحقيق التنمية الشاملة المتوازنة، معتقدا أن النظام الرئاسي هو الأمثل لتحقيق كل ذلك بينما النظام البرلماني هو جيد لغيرنا قائلا: «لايمكن أن نتوقع رئيس اليمن جالسا في القصر يوقع بروتوكولات». وأكد على أنه دون نظام حكم محلي كامل الصلاحيات لن نطمع في إقامة دولة في اليمن، ورأى أن نظام النسبية هو النظام الوحيد الذي يمكن أن يحدد مشاركة سياسية للمرأة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى