الملامح الفنية في تجربة درويش النضالية

> «الأيام» صالح عقيل بن سالم:

> رحل عنا درويش بعد حياة عامرة بالنضال والتضحية والاستبسال، فكان فراقه مرا، مثلما كانت حياته مرة.

لقد عاش درويش في صراع دائم مع العدو، معلنا قضيته وهويته: سجل/ أنا عربي/ ورقم بطاقتي خمسون ألف/ وأطفالي ثمانية/ وتاسعهم سيأتي بعد صيف/ فهل تغضب؟.

فهذه الهوية وضعت درويش موضع إكبار وتعظيم لدى أبناء العروبة والإسلام، وخشية ورهبة لدى قوى التآمر والاحتلال.

وإذا نظرنا إلى بعض الملامح الفنية في تجربة درويش النضالية، وجدناها معبرة أصدق تعبير عن مواقفه العديدة منها قوله:

بحر لأيلول الجديد

خريفنا يدنو من الأبواب

هيأنا لبيروت القصيدة كلها

بحر لمنتصف النهار

بحر لرايات الحمام

لظلنا لسلاحنا الفردي

ليديك

نلحظ في هذا المقطع اتكاء الشاعر على بعض الأصوات (اللام، الياء، الراء)، وهي- جميعها- أصوات مجهورة منفتحة، توحي بإعلان النضال والجهر بالقضية، وتحدي العدو، فضلا عن ذلك، فصوت (الياء) فيه دلالة على الصرخة والنداء لأمة الإسلام تجاه العدو الظالم.

ويقول درويش:

الوقت طار، ولم أطر معه

توقف- قلت- لم أكمل عشائي بعد

لم أشرب دوائي كله

لم أكتب السطر الأخير من الوصية

لم أسدد أي دين للحياة..

حاول الشاعر أن يوظف في هذه القصيدة أسلوب النفي والقلب (لم) ليغير الزمان، فقد أحاطه الحاضر، وهو في زمن الماضي، فجاء أسلوب النفي والقلب ليخدم الغرض الذي أراده الشاعر.

وكأنه يرى أن الحاضر قد أحاطه على حين غفلة دون استئذان.

وفي ذلك كله إيماء بأن الماضي مازالت جراحه دامية، فأنى له أن يطير؟! فيصرخ للحاضر «توقف».

ويقول درويش:

شدوا وثاقي

وامنعوا الدفاتر والسجائر

وضعوا التراب على فمي

فالشعر دم القلب

ملح الخبز

ماء العين

يكتب بالأظافر والمحاجر والخناجر

سأقولها

في غرفة التوقيف

في الإسطبل في الحمام

في زرد السلاسل

مليون عصفور

على أغصان قلبي

تصنع اللحن المقاتل

نلمح في هذا المقطع توظيف صورة فنية في غاية الروعة والجمال (مليون عصفور على..) إذ يكمن حسن الصورة بأضواء التجربة التي يعبر عنها الشاعر. فالعصافير هم أبناء المقاومة، تنبتهم الأرض على شجرة النضال (قلب درويش).

فالصورة فيها امتزاج الذات بالموضوع، وتوحي بالتطلع إلى النصر.

ويقول درويش:

من توابيت الضحايا سوف يعلو

علم يقول: قفوا قفوا

واستوقفوا

لا لا تذلوا

دين العواصف أنت قد سددته

وأنهار ظل

ياكفر قاسم! لن ننام وفيك مقبرة وليل

ووصية الدم لاتساوم

ووصية الدم تستغيث بأن نقاوم

أن نقاوم

تكثر في هذا النص ظواهر موسيقية معبرة منها:

التكرار: (قفوا! قفوا!)، (لا لا)، (ووصية الدم) (ووصية الدم)، (أن نقاوم، أن نقاوم). وفي ذلك رنين موسيقي معبر عن التوكيد على استمرار المقاومة ورفض الاحتلال أو الاستسلام له. كذلك نلمح كثرة توظيف صوت (القاف) بشكل لافت، ليوحي بالمقاومة والقوة، فضلا عن ذلك، حاول الشاعر أن ينوع القافية، فقد ابتدأ المقطع بقافية (الواو) لتدل على الصيحة وعلو الصوت وامتداده، واختتم المقطع بقافية (الميم) ليدل على النهضة والوعيد.

تلك بعض الملامح الفنية في شعر محمود درويش، كانت لها دلالات قوية ومعبرة عن مواقفه البطولية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى