الدولة التي تدوس بقدميها على الدستور والقوانين والاتفاقيات المصادق عليها (3 - 2)

> د.محمد علي السقاف:

> ذكرنا في الحلقة الأولى من هذا المقال التي نشرت بتاريخ 28-29 أغسطس 2008، أننا نتناول الموضوع بشكل مختصر ومقتضب لبعض الجوانب القانونية المتعلقة بالقبض على واعتقال بعض قادة الحراك السلمي في الجنوب لنتناول بعدها تجربة الكاتب الشخصية التي تعرض فيها للاعتقال في المحور الأول تحت عنوان الانتهاكات الصريحة للدستور والقوانين في التعامل مع قادة الحراك الجنوبي، أشرنا في الفقرتين 1-2 إلى عدم احترام مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات كما هو منصوص عليه في الدستور اليمني والمواثيق والعهود الدولية بضرورة صدور تشريعي الإجراءات الجزائية والجرائم والعقوبات من قبل المشرع الطبيعي وهو مجلس النواب، لضمان حماية حرية المواطن من تجاوزات السلطة التنفيذية، حيث صدر قراران بقانون في عام 1994 من قبل رئيس الجمهورية حول الإجراءات الجزائية والجرائم والعقوبات لم يتم إقرارهما من قبل مجلس النواب حتى يومنا هذا، ويعتبر ذلك مخالفة جسيمة للدستور ينفي دستوريتهما.

والأمر الآخر في عدم قانونية ومشروعية وجود السجون التابعة للأمن السياسي والأمن القومي لحظر الدستور اليمني والعهود الدولية حبس أو حجز أي إنسان في غير الأماكن الخاضعة لقانون تنظيم السجون، وهو ما لاتخضع له سجون الأمن السياسي والأمن القومي، ونستكمل الآن ما جاء في الفقرة (3) من أولا بعنوان.

(3) أوامر القبض والحبس الاحتياطي:

أشرنا تحت هذه الفقرة إلى أن أوامر القبض التي صدرت بحق قادة الحراك الجنوبي حسن باعوم وزملائه مؤرخة بتاريخ 2/1/2008 (وليس كما طبعت خطأ في الحلقة السابقة (31/1/2008) وتم القبض عليهم بعد الساعة الثانية عشرة والنصف من مساء 31/3/2008 مما يفترض إسقاط أمر القبض عليهم إذا لم يتم تنفيذه في خلال الثلاثة الأشهر التالية لصدوره، وفق نص المادة (74) إجراءات جزائية، ولاحظنا في الحلقة السابقة أن أمر القبض الرسمي للمتهمين صدر بالاستناد إلى المادة (79) بتنفيذ أمر القبض باستعمال القوة اللازمة لذلك، وما قضت به المادة(80) من أجراءات جزائية تحويل منفذي أمر القبض «اقتحام المسكن عنوة واستخدام القوة..» وهي نصوص تناقض اتفاقيات دولية لحقوق الإنسان التي تكفل الحماية ضد إلقاء القبض والاحتجاز تعسفا، في حين أن النصين المذكورين أقرا شرعا وقانونا استعمال القوة والعنف، وهو يعكس ثقافة النظام السياسي الغريزية في استعمال القوة والعنف وإعطائها الشرعية القانونية لذلك، وهي السياسة نفسها بإطلاق شعار «الوحدة أو الموت» الذي تحول إلى حرب مدمرة في عام 1994، وإعادة تكرار طرح الشعار نفسه من جديد في تهديد الجنوب وأبنائه!!.

وبرغبة من الكاتب في اختصار وتقديم معلومات مقتضبة لحصر المقالة في حلقة واحدة تبين له أن ذلك سيكون على حساب الموضوع والشفافية لتعميم الفائدة على قطاع واسع من جمهور قراء «الأيام» حيث انشغلنا في الحلقة السابقة بصدور أوامر الاعتقالات قبل جمع الاستدلالات والتحري عن المتهمين، وصدور أمر القبض عليهم قبل استيفاء ذلك الشرط، في حين كان من المفترض أيضا أن تسبق أوامر تكليف بالحضور مما يجعل ما حدث في مرحلة ما قبل القبض على المتهمين مخالفا لنصوص الإجراءات الجزائية.

فالمادة (65) من إجراءات جزائية تنص بأن «يكون التكليف بالحضور على أمر مكتوب من نسختين يشمل اسم الشخص المكلف بالحضور ومحل إقامته ومهنته والغرض من حضوره وتاريخ الأمر والموعد المطلوب حضوره فيه والإمضاء والختم الرسمي».

ما حدث للأخوة حسن باعوم ويحيى الشعيبي وعلى هيثم الغريب الذين اطلعت على ملفاتهم بعكس بقية الأخوة علي منصر، وناجي محمد العربي وعيدروس الدهبلي وحسن البكيري وعمر بن فريد، ومحمود حسن زيد،وعبدربه راجح الهميشي، فإن الثلاثة الأوائل تم إصدار أمر مباشر من النيابة بالقبض عليهم، ونفذ هذا الأمر بشكل تعسفى غير لأئق بهم كبشر، لهم حقوق إنسانية يجب على سلطات الدولة احترامها، وهو ما لم يحدث في جميع المراحل التي سبقت إجراءات المحاكمة، ثم أثناء المحاكمة، وأثناء فترة اعتقالهم في السجون، والوقائع التي تشير إليها الآن جدا خطيرة تعكس إجراءات تقوم بها الدولة البوليسية، وليس دول سيادة القانون، وهذه أمثلة على ذلك:

(أ) نهج وقاعدة الإجراءات المتبعة من قبل النيابة العامة إصدار أوامر القبض على المطلوبين دون الالتزام بنصوص الإجراءات الجزائية بالاستدعاء والتكليف بالحضور، يصطادون الأفراد من بيوتهم أو المطارات أو من الشارع ليودعوا مباشرة في إحدى المنشآت العقابية، فقد أفاد يحيى غالب الشعيبي أمام المحققين في محضر يوم الأحد 6/4/ 2008 في رده على بعض الأسئلة كرجل قانون ومحامٍ أن «محاضر جمع الاستدلالات باطالة، وأرفع ببطلانها لبطلان الإجراءات التي سبقتها، وهي القبض». وجاء رد المحقق أنه «فيما يتعلق بأمر القبض عليك فقد تم وفق الإجراءات المشروعة بموجب أمر صادر من النيابة، وهي المهمة التي أعطاها القانون هذا الحق». وكان جواب الشعيبي وفق المحضر «أنا لم أعلم بالأمر، ولم تستتبعه أية استدعاءات أو تكاليف بالحضور، بينما أنا يوميا في مكاتب النيابة في عدن»!!.

وقد اتبعت نحوي أنا الدكتور محمد علي السقاف نفس النهج والإجراءات بصدور أمر اعتقالي وأنا في مطار صنعاء الدولي واقتيادي من المطار إلى مكتب رئيس النيابة الجزائية المتخصصة في صنعاء لدى سعيد قاسم العاقل، في حين أني كمحامٍ لحسن باعوم كان بأمكانه عند حضوري الجلسات إبلاغي بوجود أمر بالقبض، وربما حدث الشيء نفسه مع آخرين، والأدهى من ذلك في وقائع محضر الشعيبي ذكر عند سؤاله عن عدد الاعتصامات التي شارك فيها، أنه حاول المشاركة في اعتصام 2 أغسطس 2007 ولم يستطع الوصول إلى ساحة العروض في خورمكسر مكان الاعتصام بسب إغلاق المنافذ إليها، وهنا التقى بالعقيد الكينعي قائد شرطة خورمكسر، وتحدث مع شلال على شايع الذي كان مع الشعيبي وزملائه وسلمه العقيد الهاتف المحمول، وأخبره أن مدير أمن عدن يريد أن يتحدث معه، وأخبره أن نائب رئيس الجمهورية يريد منه الحضور إلى إدارة أمن عدن، وقال الشعيبي «وطلبني مدير الأمن أيضا وتوجهنا لمقابلة نائب الرئيس ووجدنا حراساته، ولم نقابله، وأخذونا إلى إدارة سجن البحث الجنائي من تاريخ 2 أغسطس إلى 9/8/2008». هنا أمر القبض وإيداعه السجن لم يراع شكليات إصداره من النيابة، وإنما بقرار من مدير أمن عدن.

عند إلقاء القبض على أي شخص لأي سبب يجب أن يخطر فورا من يختار المقبوض عليه، كما يجب ذلك عند صدور كل أمر قضائي باستمرار الحجز، ويجب إبلاغ أقاربه أو من يهمه الأمر (نص الفقرة (د) من المادة (47) من الدستور اليمني)، هذا على المستوى المحلي وعلى المستوى الدولي وتحديدا الأمم المتحدة يحتوي (إعلان الأمم المتحدة لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 1992) على أحكام ذات صلة تتعلق بأماكن الاحتجاز، إذ تنص المادة (10) على مايلي: 1- يجب أن يكون كل شخص محروما من حريته موجودا في مكان احتجاز معترف به رسميا (بعكس سجون الأمن السياسي والأمن القومي كما أشرنا سابقا). 2- توضع فورا معلومات دقيقة عن احتجاز الأشخاص ومكان أو أمكنة احتجازهم، بما في ذلك حركة نقلهم من مكان إلى آخر، في متناول أفراد أسرهم أو محاميهم، وما حدث للمعتقلين أنهم ظلوا لأسابيع في وضع المختفين قسريا لايعرف أقاربهم مواقع احتجازهم، هل هم محتجزون في أماكن القبض عليهم، أم تم نقلهم إلى أماكن أخرى، وإلى أين؟ وأغلب المعتقلين من الحراك الجنوبي لم يعرف أهاليهم أماكن اعتقالهم في صنعاء إلا بعد اسابيع من صدور أوامر القبض عليهم، وهذا مخالف للدستور والمواثيق الدولية.

يجب أن تصان كرامة أي إنسان تقيد حريته، ويحظر التعذيب جسديا أو نفسيا أو معنويا، ويخطر القسر على الاعتراف أثناء التحقيقات، ويحرم التعذيب والمعاملة غير الإنسانية عند القبض أو أثناء فترة الاحتجاز أو السجن (الدستور اليمني المادة 48/ب). ومن جانب فإن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (ديسمبر 1966) الذي صادقت عليه (ج.ي.د.ش) في عام 1987، بينما لم تصادق عليه (ج.ع.ي) لكنه انتقل وفق قاعدة التوارث الدولي ضمن التزامات الجمهورية اليمنية، فقد أعلنت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في التعليق العام رقم (20) لعام 1992 بعض الملاحظات المهمة بخصوص المادة (7) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بشأن المعاملة المطلوبة للأشخاص المحتجزين بعدم جواز «إخضاع أي فرد للتعذيب لعقوبة أو معاملة قاسية أو غير إنسانية أو مهينة»، وفسرت اللجنة ذلك بأنه لايسمح بأي تقييد أو انتقاص مما جاء في المادة (7) حتى في حالات الطوارئ العامة، وأنه لايجوز التذرع بأي مبررات أو ظروف مخففة كتبرير لانتهاك المادة (7) لأي سبب كان، بما في ذلك الأسباب المستندة إلى أمر صادر من مسئول أعلى أو من سلطة عامة، وتلاحظ اللجنة أن الحبس الانفرادي لمدد طويلة للشخص المحتجز أو المسجون يندرج ضمن الأفعال المحظورة بمقتضى المادة (7)، ولضمان الحماية الفعلية للمحتجزين ينبغي اتخاذ ترتيبات لوضعهم بأماكن معترف بها رسميا كأماكن احتجاز.

وكما أشرنا سابقا لم تلتزم اليمن بذلك، فأغلب قيادات الحراك وآخرين وضعوا في زنازين فردية وتحت الأرض وفي الأمن السياسي، وهي أماكن غير رسمية للاحتجاز، هذا من جهة ومن جهة أخرى إذا كان جميع المحتجزين من الحراك الجنوبي حبسوا انفراديا إلا أنه تم مؤخرا وضعهم في زنزانات جماعية باستثناء حسن باعوم، وهو استثناء غير قانوني وغير مقبول (راجع تصريحنا) بهذا الصدد في «الأيام» بتاريخ 5/8/2008، وبموجب المادة (7) من العهد لايجوز تعريض الأشخاص المحرومين من حريتهم لمعاملة قاسية ولا إنسانية، ويجب احترام كرامة هؤلاء الأشخاص بالشروط نفسها كما هي بالنسبة للأشخاص الأحرار. وللأسف لايطبق ذلك ولاتلتزم به الدولة اليمنية، وهنا أسرد ما جاء في أقوال يحيى الشعيبي في محضر يوم الأحد 6/4/2008 حين سألته النيابة إذا كانت لديه أقوال أخرى، فأشار بطلب كفالة حقوقه وطالب بإطلاق سراحه وإخراجه من الزنزانة الانفرادية، مستطردا أقواله بالمطالبة «بمنع تقييدي ووضع عصابة على عيني، وأطلب من النيابة العامة السماح لي بالتواصل مع أسرتي لأطمئنها، مع العلم أنه لايوجد لدي ثياب حتى أقوم بتغيير ملابسي التي علي ومراعاة حالتي الصحية!».

استجواب حسن باعوم برغم حالته الصحية السيئة

أدخل حسن باعوم إلى مستشفى الشرطة العام في 2008/4/2م وفتح 3 محاضر تحقيق له، الأول يوم الأربعاء 2008/4/9م قابل أعضاء النيابة رئيس الأطباء والدكتور المعالج الذين أفادوا معاناته من بعض الأمراض، هما السكر والقلب والضغط، وحالته النفسية جيدة، وأن إضرابه عن الطعام يؤدي إلى نقص السكر في دمه مما يؤدي إلى حالة ارتباك في حنكاته العقلية والجسدية، فيقومون بإعطائه العلاجات اللازمة لإعادة مستوى السكر في الدم ليعود إلى حالته الطبيعية، ولكن لإمكانية التحقيق معه يلزم استفسارهم قبل ذلك، وأن الوقت المناسب أفادوا بأنه بعد العصر في أي يوم هو وقت مناسب؟.

ومع ذلك جاءوا إليه في المستشفى في يوم الإثنين 2008/4/15م الساعة 11/45 صباحا وليس عصرا كما نصح الأطباء، وفتح محضر رفض الأخ حسن باعوم المثول أمام النيابة ورفض التحقيق والإجابة على أسئلتهم بالتزام الصمت، وبالرغم أن رئيس النيابة بعد اطلاعه على المحضر والتقرير الطبي سجل في أسفل صورة المحضر أن “حالة المتهم الصحية تقتضي التريث حتى تتحسن حالته الصحية”، ومع ذلك ذهب أعضاء النيابة إلى المستشفى في اليوم التالي، وفتح محضر له في يوم 2008/4/16م رفض المناضل حسن بالإجابة على أسئلة التحقيق والتوقيع على المحضر تقرير النيابة بعدم الأخذ بتوصيته رئيس النيابة يعود حسب ماهو مذكور في المحضر، لكون التأخير في أخذ أقواله يؤثر على بقية السجناء الآخرين بالتعرف في قضاياهم، لايهم صحة المواطن المعتقل المهم التقدم في التحقيقات والاستجوابات.

(4) الإسراف في استخدام الحبس الاحتياطي (نتابعها في الحلقة الثالثة)

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى