أوراق ثقافية .. أوراق ثقافية .. أوراق ثقافية

> «الأيام» كمال الدين محمد:

> حنظلة.. طفل الكاريكاتير العربي المشاكس.. ناجي العلي.. (حنظلة) الفلسطيني.. وسام كاريكاتير ترك بصمته الواضحة في مدرسة العون والرسم والخط العربي وجسد قلمه (الشيني) الأسود روح ذاكرة حدادية لقضية لاتموت أو تغيب في مدارج النسيان.. إلا بالاغتيال أو الموت.. فمثل هؤلاء، الكبار لايموتون إلا في جنح ظلام.. أو ظلم.. ذات ليل!.

وفي لندن اصطادته أيادٍ آثمة أواخر الثمانينات، يرجح أنها تنتمي لوحدة الاغتيالات الخارجية في الموساد الإسرائيلي، وذلك حدث لصحفي آخر هو غسان كنفاني في بيروت، ولأن (العلي) سليل تاريخ لجوء وضياع وتشرد المخيم الفلسطيني منذ 48، فقد كان سجين النكبة فالنكسة الحزيرانية، وسجل الاستشهاد لوطنه ولجيل التشرد والضياع الفسلطيني بريشة منصع جراح تنكأ (جرح) البيت العربي - الفسلطيني الداخلي، فاضحة الانهيار العميق المزمن، ساعده على ذلك التنقل في صحف حرة حية، في بيروت عاصمة الثقافة العربية الثانية- آنذاك- قبل الاجتياح الإسرائيلي، وإلى الكويت إحدى عواصم النور العروبية- أنذاك- إلى لندن وفي عوصم أخر، حيث تطل إشعاعاته.

وفي هذه الأيام يحتفى بذكرى استشهاد (حنظلة) المتكرر، ذلك الطفل (المستقبل) العربي المشاكس الصغير المقدام، بصور ورسوم فريدة- يمنيا- وهي لفتة طيبة تذكر بالكبار الذين مضوا.. دون رجعة.

.. و (معري) اليمن.. ابن (البردون)!

وإذا كان كبير بآخر كبير يذكر فإن ناجي العلي رسام الكاريكاتير الناقد يذكر بـ (معري) آخر.. هو الشاعر اليمني الكبير الراحل عبدالله صالح البردوني.

شاعر قرية (البردون) في ذمار، الذي رحل منذ تسعة أعوام وترك فراغا في الشعر والأدب وفي الساحة النقدية، وعلى مستوى الحضور الإنساني والشخصي كان حضوره بحجم وطن!.

القصيدة التي انتمى إليها عبدالله البردوني الشاعر والكاتب رئيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين تربطها بلوحة رسم كاريكاتير ناجي العلي أكثر من آصرة، إذ أبرزت التماس اللذيذ للأدب والفن بالواقع السياسي الاجتماعي عبر موهبة فنان يمتلك وعيا واضحا ودقيقا بتطور وضع بلاده.

فكما أبرز كاريكاتير (العلي) صورة (الجدري) و(الحرب) الشائهة والمشوهة للكائن العربي والفلسطيني الصحراوي البائس، من خلال الطفل العجوز المؤرق (حنظلة)، رمز المستقبل الكاشف عن أزمة الذات والهوية الضائعة، استنادا إلى ثقافة شمولية عميقة تستقرئ حركة الواقع، منبعثة من فكر متقدم، كان البردوني برهافة قلم وذكاء سياسي حاد قد خرج من عنفوان جراحات وتضاريس خارطة الجدري ليسجل في (عروبة) اليوم نقدا سياسيا للوضع العربي الملبد، متحدثا بنجوى مريرة إلى شاعره المجدد - القديم (أبو تمام):

ماذا أحدث عن صنعاء يا أبتي

مليحة عاشقاها السل والجرب

ماتت بصندوق وضاح بلا ثمن

ولم يمت في حشاها الفن والطرب

كان (معري) اليمن بنزوعه التشككي النقدي وإحساسه الفادح بعبء المولد والحياة يولد أسئلة تتناسل في شعره كالألغام، مستطردا في سرد وقائع الأوضاع العربية السيئة المدمنة الغياب في جنس.. وحشيش.. وقات.. ومطر خرافي يزرع أنات، ووجع أطفال وأرامل وثكالى في لبنان وفلسطين وفي أكثر من بقعة من بقاع العرب. إن قصيدة ابن ذمار الصفرية رائية لفداحة فجيعة الهم الذي يعتمره الشاعر، وتعبيره الشعري هو تعبير تاريخي ملحمي في بعض جوانبه، لأسى اليمن والعرب المستوطن، فهو يؤرخ للحظة الشعرية والتاريخية.

وإذا كان الصحفي (مؤرخ) اللحظة بصدقيتها وفداحتها كما يرى المفكر الفرنسي (ألبير كامي) فإن ابن قرية (البردون) كان صحفيا - مؤرخا، وشاعرا رصد المجتمع برهافة وصدقية قلمية رفيعة في أشعاره، وتمتع أكثر من غيره من شعراء اليمن بلماحية ومعرفة واقعية.. إذا كان كمعري (معرة النعمان) ناثرا جيدا في تاريخ الشعر العربي إضافة إلى كونه شاعرا وفيلسوفا ارتقى بالشعر العربي إلى مستوى الفلسفة بأسئلته الصارخة حول معنى الحياة والموت.. يتمتع بروح ناقدة متبصرة.. فكانا اثنين، صاحب معرة (بردون) وحبيس (معرة النعمان) والعمى.. من تميزا بروح الرفض والتحدي الإنسانيين والشجاعة والبسالة التي يندر أن يستقرئها أحد في واقع اليمن الشعري سوى في راحل كبير كالشاعر عبدالله البردوني.

جابر عصفور.. و (الجنوبي) دنقل

كتب الناقد د.جابر عصفور في العدد الأخير عدد سبتمبر من مجلة «العربي» سطورا مضيئة عن (الجنوبي).. أمل دنقل.

وقد تناول قصيدة الشاعر (الجنوبي) التي تنبأ فيها بموته، وأحس الجميع عند قراءتها قبل النشر بمن فيهم د.جابر عصفور والناقد سامي خشبة وعبلة الرويني زوجة الشاعر الراحل.. إن الشاعر فيها يودع نفسه بروحه البكائية العالية، كما بكى وطنه الذاهب في ديوانه الصغير(البكاء بين يدي زرقاء اليمامة).. وبذلك مثل رمزا مهما في ذاكرة وضمير مصر القرن العشرين والقرون اللاحقة بصورة مؤكدة.

فأمل دنقل سيبقى أحد الكبار في تاريخ الوجدان العربي مثل نجيب سرور ومحمود دياب ويحيى الطاهر عبدالله من (الجنوبيين).. مثلوا جيلا أدبيا مهما هو جيل الهزيمة الحزيرانية الذي فضح الخور والإرادة النخرة لسلطة الهزيمة والانكفاء.

قيمة المقالة - الشهادة الأدبية، للدكتور جابر عصفور تأتي من قربه وحميمية علاقته الصداقية، ومجايلته للشاعر الذي قضى مبكرا بالسرطان في غرفة رقم (8) في مستشفى الأورام بالقاهرة.. وقد تنبأ في قصيدته (الجنوبي) بالموت الفادح له، واستعرض شعريا رحلة حياته من أرشيف صور الوالدة والعائلة إلى أرشيف صور الأصدقاء.. وكان هو ثالث ثلاثة جاء من الجنوب (قنا) إلى جامعة الإسكندرية ثم القاهرة، إضافة إلى الشاعر عبدالرحمن الأبنودي، والقاص يحيى الطاهر عبدالله.

يقول الشاعر في الجنوبي: ليت (أسماء) تعرف أن أباها صعد

لم يمت

هل يموت الذي كان يحيا

كأن الحياة أبد

وكأن الشراب نفد

وكأن البنات الجميلات يمشين فوق الزبد

عاش منتصبا، بينما

ينحني القلب ليبحث عما فقد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى