ليل المكلا السامر وبسطة الخامر!

> علي سالم اليزيدي:

> للمدينة ذكريات وأمسيات وأعياد وعودات تبدو على محيا الناس، مزايا المدن هي جزء من واقع المعايشة وتلاحق السنين.

للمكلا (المدينة الساحلية) سمات لاتظهر إلا في شهر رمضان المبارك، لانراها في الأشهر الأخرى، ولاتتشابه مع مدن أخرى، لربما انتقلت بعض العادات إلى بعض المدن المجاورة، (وأقصد من سكنها الحضارم) مثل جعار، كريتر، التواهي، خورمكسر، شقرة، بل وفي يافع وعتق، وتعانقت صفات شعبية، لكنها حتما حالة من التقليد، ونقلت ملامح رمضان الحضرمي الإسلامي، وبقيت الروح حيث يقبع مسجد (عمر) الكبير وقبة الولي الصالح (يعقوب بن يوسف)، وقبة المحجوب، ومسجد بازرعة وورسما والغالبي وقبة شيخان.. ليل المكلا السامر، مثلما قالوا «يا نجم يا سامر»، وهي أغنية يحبها سكان المكلا، ويقولون: «يا سامر فوق المكلا!»، وفي رمضان تبدو الأمسيات بمثابة عيد يومي سعيد، وفيه كل النشيد، هنا السرور الذي يملأ الأنفس نقاء وقناعة، لاينتظرون الإكراميات من الحكومة وهزالتها وما بها من خجل، لديهم ما يغنيهم حتى عن مال قارون, كل المكلا تدخل حالة التطهر الروحي والابتهال بصلاة التراويح، وتمتلئ المساجد في الشحر والغيل والحامي وروكب بالمصلين، الدعوات والتهاليل والخشوع وأصوات المصلين، والمدينة التي تبتهل إلى الله في وجه ما يفعله السفهاء منا!.. إنها الأمسيات المباركات لمدينة لاتشبهها مدينة رمضانية، لو طفنا كل الأرض وحدها المكلا تشبه نفسها في رمضان.

وللمكلا معالم تختزن الزمن، تخبئه وتبقي لنا بعضا منا ومن مدينتنا، حيث لازالت تقف بعنفوان (بسطة الخامر) أمام مسجد (عمر) الشهير.. هذه البسطة التليدة المعاصرة لأحداث من تبدل الدول والحكام والكراسي إلى علاقة السكان وأهالي المدينة، وكل من عاش وقصد المكلا من عدن وجدة والسواحل والشحر والديس الشرقية ودوعن.

إنها قلب المكلا، حاضرة حضرموت وكل الساحل الجنوبي والشرقي منذ نشأت (بسطة الخامر)، وهم من آل الخامر الكرام من عمق حضرموت.. أولئك الذين قدموا الخدمات للآلاف من الناس عبر عشرات السنين، ولعبت دورا إنسانيا في التواصل والصلة.

فمن بسطة الخامر خرج رسول الخير إلى قرية بعيدة في الوادي، وإلى بسطة الخامر بجانب مسجد (عمر) في سوق المكلا جاء نبأ سعيد إلى صاحبه!. هنا تذهب وتأتي الرسائل والوصايات والكتب والهدايا والأنباء الشعبية.. هذه باخرة جدة وبها آل خلان، وهذا السيد عمر له (شبط) في بسطة الخامر، قولوا له إذا أحد لمحه في سوق الصيد، أو العصر عند أصحاب الثبت، كانت بسطة الخامر سفارة المكلا الشعبية ما بين المدن والبوادي وكل الناس الصالحين الطيبين الذين عرفوا معنى العلاقات الودية ورعوها طول الزمن.

من أمام بسطة الخامر الصغيرة المكلاوية مرت مواكب السلاطين القعطة، الفرسان والخيول والطبول، ثم المرفع، ثم السيارات والعسكر والزوامل، ومن أمام بسطة الخامر الوديعة معلم المكلا النابض سارت المظاهرات ضد الاحتلال من أجل الاستقلال.. بل وعند بسطة الخامر التقى وجلس رجال الجبهات القومية والتحرير والأربطة والبعثيون كلهم، ثم تناثروا، ومرت أمام بسطة الخامر أحداث، وشهدت فرزة السيارات إلى الشحر والغيل وعدن وأسماء مثل بن شيخان وعباد الغريب، ويحيط بهذا المعلم المتواضع والشاهد على العصر أشهر مقاهي المكلا (مقهى سالمين خبيرة) ثم (مقهى بازهير)، وهنا نادي الأحرار الرياضي العريق، ثم (مطعم بابعير الشهير منذ الستينيات)، ومطعم (عمر عبود للصيادية)، وهنا شاهدنا صورة جمال عبدالناصر والسلال، وعلى مقربة تقع بيوت آل بامطرف وآل باسالم وآل بارحيم وموقع سدة المكلا القديمة.. كل هذا يجعل من رمضان موقظا للذكريات في المكان، وحين تأتي الأماسي الجميلة يقول الناس ولازالوا هنا يرددون «نلتقي عند بسطة الخامر كما كنا زمان»، لأنها جزء من قلب المكلا والليل السامر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى