> يمكن القول إن النهضة الثقافية والفنية التي شهدتها وعاشتها لحج لم تكن عفوية أو وليدة لحظتها، كما أن هذه النهضة لايمكن فصلها عن مجمل الحياة العامة للحج آنذاك بمضامينها المختلفة.

عندما نطلق هذا الكلام، فإننا لا نطلقه جزافا على عواهنه بل نستند إلى معطيات كثيرة أهمها أن لحج استفادت من عوامل كثيرة، فارتباطها التاريخي بعدن التي كانت تشكل جزءا من لحج آنذاك إضافة إلى بقاء لحج لعدة سنوات في قبضة الاحتلال التركي واهتمام العبادل المبكرة بالتعليم، وقبل ذلك كله موقع لحج ومناخها ساعد على إيجاد هذه النهضات التي شهدتها المنطقة.

معلوم أن الإنسان هو صانع التاريخ بإيجابياته وسلبياته، وإذا كان الإنسان اللحجي عبر رموزه قد صنع أمجادا معينة، فإن هذا التاريخ نفسه لم ينصف الكثير ممن قاموا بأدوار محورية ساعدت على إيجاد هذه المفاخر.

في النهضة الثقافية والفنية في لحج برزت أسماء كثيرة كان لها اليد الطولى في رسم ملامح هذه النهضات غير أن هناك رجالا مجهولين ظلمهم التاريخ ولم ينصفهم الإعلام رغم أن لهم أعمال لاتقل عما قامت به رموز لحج المعروفة، سنحاول استعراض ثلاث شخصيات منهم، نحسب أنهم لم ينصفوا حتى اللحظة.

الأمير الشاعر صالح سعد بن سالم

من المفاخر التاريخية الأدبية التي تحسب للحج أنها شاركت في تتويج الشاعر أحمد شوقي كأمير للشعراء في عام 1922 في بيروت، وقد ذكر هذا الأمر في مسلسل أحمد شوقي، الذي عرضته عدة قنوات تلفزيونية، وقد كان ممثل لحج في تتويج الشاعر أحمد شوقي الأمير الشاعر صالح سعد بن سالم، وهو أحد فحول الشعر آنذاك في لحج.

الشاعر الأمير صالح سعد بن سالم من مواليد الحوطة في لحج، لكنه لاينتسب إلى العبادل، بل إلى أسرة أخرى، ومع هذا فقد عمل كسكرتير خاص للسلطان عبدالكريم فضل العبدلي، وعُرف بإخلاصه للسلطنة العبدلية وكذا بقوة شخصيته وهندامة الدائم، مما جعل السلطان يطلق عليه لقب الشخصية المهابة.

في الشعر تبوأ الأمير صالح سعد بن سالم مكانة متميزة، وذاع صيته وفاح عطره خارج اليمن، وقد كتبت عنه مجلة «الفيصل»، كما أشاد به أمين الريحاني عند زيارته للحج.

للشاعر الأمير صالح سعد ديوان مخطوط بعنوان (حوطة الفضائل)، إلا أنه لم يوجد له أثر حتى الآن، ويقال إن هناك من يحتفظ به.

بقي أن نعرف أن الأمير الشاعر صالح سعد هو ابن الأمير سعد بن سالم الذي تنسب له مديرية دار سعد حاليا.

وافيت الجهل هل للدهر عهد

وهل أعطى لمن ذهبوا اماما

وهل صافى الملوك علمت يوما

وهل أعداؤه إلا الكراما

يخونهم رياشا ثم يغدوا

فيوسعهم هلاكا وانتقاما

عروشا ثلها ذهبت وبادت

وكانت في العلا أبدا تسامى

وكم من صالح وكبير قوم

يولى أمره قوما طعاما

كذا شأن الزمان على بنيه

ولا عيبا تزده ولا ملاما

ولو أبقى الزمان على كريم

لكان بقاؤنا حتما دواما.

الشاعر والملحن فضل ماطر باجبل

يمثل الغناء اللحجي إحدى المدارس الأربع في الغناء اليمني، وهي المدارس التي تم تصنيفها على أساس الإيقاعات الخاصة بها، وإذا كان هذا الأمر يمثل نوعا من التميز للحج، فإن نوعا من الفضل أيضا يعود للشاعر فضل ماطر، الذي قام في عشرينات القرن الفارط بضبط إيقاعات الرقصات الشعبية في لحج، وهي رقصات كثيرة جدا، ومنها الشرح والرزحة والدمندم، كما قام هذه الشاعر بإرساء قواعد الأغنية اللحجية، حيث جدد لها أوزانها والترانيم الموسيقية الخاصة بها، الأمر الذي أوجد قاعدة أساسية استند إليها بعد ذلك الأمير الراحل أحمد فضل القمندان في التطوير الفعلي للأغنية اللحجية.

يمكننا القول إن الشاعر فضل ماطر لم يكتف بما قام به بل اجتهد بعد ذلك في سبيل إيجاد ما يمكن أن يسمى التخصص في إطار الأغنية اللحجية (أغنية الدان)، بعد أن وضع أربع تسميات تحدد نوع الأغنية وإلى أي مسار إيقاعي تنتمي، وهذه التسميات الإيقاعية هي (ياطير كف النياح) (يامرحبا بالهاشمي) (ليش الشجن ياخاطري) (صابر على عهدي وباموت).

كما عرف عن الشاعر فضل ماطر بأنه صاحب مطالع لبعض القصائد الشهيرة، وفيها قصيدة (شراحي) التي أكملها فيما بعد الشاعر صالح فقيه، وقصيدة (قال بوسعدان) التي أكملها القمندان، وأضاف صالح فقيه بعض الأبيات كذلك:

قال بوسعدان خيل في الشقعة ترد العنا ما تخرج إلا على شان

قال بو سعدان قد ركبوا المدفع على أهل القريشي ومن حل في سفيان

قال بوسعدان من ساير السعدة سعد والشقى يخور من الكوز فنجان

قال بو سعدان حللك في الحسيني بين وردة وفلة والعنب عندك مدلى بالأغصان

قال بوسعدان اقتسمنا المحبة قسم وافي عبدلي لا دخل فينا عزيبي ولا بان

قال بو سعدان اشترح ياقيم محنة الحرب هبت كسر السركال جرماني وطليان.

الأديب حسن أفندي

الأديب الأستاذ حسن أفندي، أحد القامات الأدبية والتعليمية، الذي لم يحظ بكثير من الظهور الإعلامي لأسباب عدة، يأتي في مقدمتها عدم وجود أية دراسات عن أعمال الرجل بسبب تعرض أغلب أعماله للضياع وعدم وجود الاهتمام الكافي بها.

يقول الشاعر الأستاذ عبدالله هادي سبيت: لولا هذا الرجل- يقصد الأستاذ حسن أفندي- لما نظمت الشعر يوما. ويوضح الأستاذ سبيت، هذا الأمر في لقاء صحفي أجري معه قبل عدة سنوات: لقد كنت أذهب مع والدي وأنا صغير إلى منتدى الأمير مهدي بن علي العبدلي، الذي كان يشهد نوعا من المساجلات الشعرية بحضور عدد من الوجهاء والأدباء والشعراء، منهم الشاعر مسرور مبروك، وكنت ألاحظ أنه عندما يأتي دور الشاعر مسرور مبروك، فإن شعره يكون موجها نحو الأستاذ حسن أفندي، وبطريقة لاذعة وتفتقد الكياسة، وهذا الأمر كان يثير في نفسي أسى كبيرا، لكون الأستاذ حسن أفندي هو معلمي الأول، فأضطر حينها إلى الرد على مسرور، رغم أني صغير وليس لي الحق في المشاركة، وهنا يتدخل والدي لإسكاتي بقوله: اسكت.. الشعر بايحنب لك.

هب السيد عبدالرحمن السقاف 88 عاما من أبناء بيت عياض في لحج من موقعه في إحدى بقالات المدينة رغم أنه يقف على قدم صناعية عندما سمعني أذكر اسم حسن أفندي، فردد بعدي: حسن أفندي. قلت: أتعرفه؟. قال: إنه معلمي، ومدير مدرستي المحسنية الأول. قلت: ومن معك من الآخرين؟ قال: السلطان علي عبدالكريم، وعبدالله هادي سبيت، ومحمد سعيد سبيت، وكثيرون من الذين لعبوا أدوارا كبيرة في بناء نهضة لحج.

يقول الشاعر والملحن الراحل عبده عبدالكريم: إن الأستاذ حسن أفندي، يعتبر أحد ندماء القمندان ومن الرجال القلائل الذين كان يفضلهم القمندان في مجالسه الخاصة. ويضيف الأمير عبده عبدالكريم أن القمندان كان يحبذ الأديب أفندي، كما عرف عن أفندي القدرات والمعارف، بالذات في الأدب، ويذكر الأمير عبده عبدالكريم أن القمندان قد أخذ معه الأديب حسن أفندي إلى مصيفه في الحسيني وأن شهيرة القمندان (باتحمم على شاطي البحيرة) كانت أبياتها الأولى من بنات هواجس أفندي الشعرية، ثم قام القمندان بإكمالها بعد أن أعجب بها:

ياحبيبي علاما علاما ذا الجفا بس

ذا الجفا بس

لا متى بالقساوة لخلك ماتلين

بس مولاي بسك فمثلك من عفا

حس قلبي تمسمس

لا تشمت بي الأعداء والحاسدين

أنته سولي وأنته مؤنسي والدفا

ياشراري مبركس

جيت فاخر بك السمار والسامرين

راقب الله فيني لا تكون مسرف

شد لزمك تحمس

قبل ما صيح غارة وينكم يامسلمين

أنته عودي وفلي أنته منك الشفا

أنته كاذي ونرجس

أنته عنبر شذي عرفه وطعمه شين

ليه تقطع حبال الود بعد الصفا

بعدما الحب أسس

وابتنى داخل المهجة سرايا عابدين.