> «الأيام» أنيس منصور :

قوارب في انتظار
عطش وحرمان
يتفاجأ السائرون على الخط الساحلي بعشرات الأجساد اليابسة الضعيفة عليهم ثياب ممزقة يفترشون تراب الصحراء تحت عشش خشبية صغيرة وأكواخ من الحطب وبحوزتهم براميل ودباب وأوان فارغة يسألون ويتذللون بذل وانكسار بأصوات شاحبة يريدون فقط ماء للشرب، أطفال ونساء وعجائز يخاطرون بحياتهم ليس لهم هم ولا قضية سوى طلب قدر قليل من الماء، ويشاهد السائر جحيم الفقر والأمية والحرمان، حياتهم كلها خلف قطيع الأغنام والنعاج والإبل، ففي منطقة (مشهور) مدرسة بكل فصولها وضخامتها ولكنها خاوية من التلاميذ والمعلمين، وخزانات أسمنتية أيضاً عليها خيوط العناكب وبعض الحشرات الزاحفة، فالطلاب لا يتعلمون سوى التعليم النظري للبهائم والأشجار الشوكية والأفاعي السامة. وقف الحاج مشهور حيدرة ناصر، صامداً صمود الفيافي على محاذاة الخط عندما أردنا التقاط صورة فوتغرافية قال بائساً: «يا أولادي شبعنا صور شبعنا كلام وخرط ، هل في معيشة لنا ماذا عملتم لنا» ثم صمت متجهاً إلى مقعده في عشة خشبية متذمراً ساخطاً من قتامة الحال وغياب اهتمام الدولة بهم، والعجيب والمستغرب أن سكان هذه المناطق مازلوا يبحثون عن هوية وانتماء، حيث تداخلت هذه المناطق بين محافظتي عدن ولحج ويشعرون أن ليس لهم من خير النظام سوى إحدى الشاحنات التي تتبع الجيش تقوم بتوزيع نسبة من المياه عليهم أحياناً رحمة ببعض النقاط الخاصة بالجيش في الطريق ومن المفاجآت التي لم نجد لها تعليقا ساخرا سوى الاكتفاء بوصف هذه المفاجأة ونترك التعليق للقارئ الكريم، هو منظر كوخ من أعواد الحطب تسكنه أسرة كاملة وفوق الكوخ علم الجمهورية العلم الوطني يرفرف بألوانه الثلاثة.

أطفال في الصحراء يبحثون عن الماء
مشاريع عبر الأثير
تحدث العاقل محمد عبدالله هادي الخطيري، كثيراً عن الطريق إلى منطقة (قعوا) وسكانها البالغ عددهم أكثر من 400 نسمة، إنه مشروع لايزال حجر أساسه شاهد عيان على ما حدث فقد تم اعتماد مشروع الطريق بتوجيهات رئاسية بتوصيل وسفلتة الطريق، واكتفى المقاول برصف بضعة كيلو مترات والتوقف فترة ومغادرة المكان ومشروع مياه خور العميرة المتوقف عن الضخ لعدم وجود اعتمادات رغم إدماجه وربطه بمشروع هويرب. واستعرض الشيخ محمد عبدالله المنكوبين بكوارث السيول والوعود بالتعويض وطريق الشط والمفرق التي توقف العمل بها وطريق قعوا- المخا والظلام الذي تعيشه هذه المناطق. وقال محمد عبدالله:«نناشد رئيس الجمهورية، الذي سبق أن قدم خدمات للصيادين بتوزيع قوارب للصيد نناشده عبر صحيفة «الأيام» التوجيه بتوصيل التيار الكهربائي من الخط العمومي»، وهكذا توالت الأحاديث والكلمات والأمثال والقصص التي تحكي عن قصة قوم لم تصل إليهم خيرات السلطة ولا المساعدات الخيرية ولا حتى اهتمام المنظمات الدولية الإنسانية، فلكل منطقة مأساة وقضية ولكل أسرة ألف قضية ومطلب، ينفطر القلب حسرة على البؤساء والضعفاء والمساكين الذين يتكئون على أشجار الأراك ويصول الفكر هنا وهناك من لهؤلاء الناس؟
الاصطياد السمكي والصمت الرسمي
فمن قلب الصحراء إلى أطراف السواحل وتشابه الظلم والضيم نسمع ونترك الحديث للأخ ناصر محمد الأكسر وهو يتحدث في حديث طويل عن ثروات هائلة وقضايا عالقة في أدراج الدولة وأمانات ضائعة وغياب الإدارة الكفؤة للجمعيات السمكية وعبث الاصطياد العشوائي، ونهب وسلب واختلاس الملايين عبر الجمعيات السمكية ظاهرها الخير وباطنها أنواع من الشر وتقصير الوزارة والاتحاد السمكي وإنشاء جمعيات عبر شرعية مخالفة للقانون للاختلاس.

جانب من مساكن خور العميرة
وبعد حديث الأكسر وبعض المناقشات استخلصنا أن فساد القطاع السمكي في خور العميرة غائب تماماً عن عناوين الأخبار وتقارير الجهاز المركزي وأمانة مسؤولي الدولة وتسير اللعبة في الهبر والاختلاس عبر سياسة تقاسم المصالح أثلاثا وأرباعا بين المفسدين.
بل هناك اتهامات صريحة ودلائل واضحة تصف عين الفساد الإداري والمالي لهذه الجمعيات وتستمر دفاتر وملفات الاصطياد السمكي تكشف حقائق ما يدور على الشريط الساحلي.
العلاج من الطبيعة
تتواصل حلقات الغصص والمشاهد الدامية لأبناء الصبيحة في الشريط الساحلي، نضع الوقفة الأخيرة بسؤال وجواب كيف يتعالج هؤلاء الناس وهل وصلت إليهم الخدمات الصحية؟؟ كانت أجاباتهم واحدة مفادها أنهم بدو ضعفاء يترحلون من مكان إلى آخر يعالجون بالأشجار يربطون جروحهم بقطع من الثياب البالية لتوقيف نزيف الدم، يتعاطون العلاج من الطبيعة.

حجر أساس طريق قعوا التي لم تنفذ..بقي الحجر وظلت المعاناة
فلكل مرض نوع من الشجر النابت في الصحراء وأشجار صغيرة تقيهم من سموم الثعابين والعقارب وأشجار لحالات الصداع ونزيف الدم.
وهكذا تستمر حياتهم في مسلسل طويل وحلقات ومواقف وتصرفات عجيبة.. ولله في خلقه شئون.