القرَدة والموز

> فضل النقيب:

> مثلما شق الطوفان بطن الأرض وأتلع أحشاءها إلى العراء، وسيشق أيضا بطن البيروقراطية ويُتلع أحشاءها إلى العراء إن شاء الله، وينبغي أن يتنبه المراقبون والنظاميون والمصلحون أو من يتطلعون إلى الإصلاح، باعتبار «إنما الأعمال بالنيات»، إلى إحكام وضع الأقنعة الواقية نظرا للراوئح الكريهة التي ستملأ الفضاء، وتزكم الأنوف، ذلك أن البيروقراطية المتراكمة طبقا عن طبق منذ القرون الوسطى، وأنظمة الجباية العثمانية والضلالات الإمامية لفرض الإذعان بالقيود والسياط والتخاطيط والتنافيذ، إضافة إلى ما نسجته العهود الجمهورية حول الوديعة (الغالية) كما ينسج العنكبوت شبكته حول مملكته الواهنة «وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون».

أقول إن البيروقراطية تخفى وراء الطلاسم واللوغاريتمات المسماة أنظمة، فتصيب نسغ الحياة بالشلل، وتمتص رحيقها، ولاتسمح لأي تطور محتمل إذا ما مر عبرها أن يتخلق وينشأ إلا اعتصرته ليكون على شاكلتها.

وفي الردهات المظلمة لمملكة العنكبوت السوداء تجد على الكراسي الوثيرة منظرين ومفسرين ومجتهدين يزيدون التعقيد تعقيدا، وهم خبراء في رسم المتاهات وتجميد أوجه الصرف المطلوبة للنماء، وتعطيل مصالح الناس، والإفتآت على حقوقهم حتى ليفضل المواطن التخلي عن حقه على ان يضيع في تلك الدهاليز التي يعد الداخل إليها مفقودا والخارج مولودا.

البيروقراطي يستقبلك بأعذب الكلمات الكاذبة، وهو يضحك في أعماقه من سذاجتك، ويستمتع وهو يراك تقع في الشباك المنصوبة.. وأين يوجعك ياصاحبي؟!.

البلد في حاجة ماسة الى كنس كل هذا التراكم العفن، ونبش الأضابير، وإخراج كل ما في الأدراج من الأورام السرطانية، والحقيقة أن الطوفان الذي ضرب المحافظات الشرقية يتيح فرصة نادرة لكي ننظر إلى وجهنا في المرآة على ضوء رهبة الإعصار، ذلك أن «الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».

وإليكم هذه الحكاية الرمزية التي أخذتها من الإنترنت، والتي توضح كيف يمكن أن تتحول أكذوبة إلى حقيقة راسخة، مما وجدنا آباءنا عليه، فنحن لهم مقتفون:

«وضع خمسة قرود في قفص، وتم تعليق عذق موز في منتصف القفص، فحاول أحدها الوصول إلى الموز، وما أن لامسه حتى انطلق رشاش من الماء البارد على القرود الأربعة القابعة في قاع القفص فأرعبها.. بعد قليل حاول قرد آخر، فانطلق رشاش الماء البارد على البقية، وبعد فترة أخذت القردة تمنع كل من يحاول الوصول إلى الموز خوفا من الماء البارد، ثم أُخرج أحد القردة، وجيء بواحد جديد محله، لايعرف شيئا عن رشاش الماء، وطبعا حاول أن يتسلق للوصول إلى الموز، ولكن القردة القديمة انهالت عليه عضا وضربا، ومنعته من الصعود، فامتنع خوفا من القردة لا من الماء، وتم إخراج أحد القردة التاريخية، وجيء بواحد جديد حاول الوصول إلى الموز فانهال عليه الجميع ضربا وعضا، بما فيهم ذلك الذي لايعرف من رشاش الماء شيئا. وقد جرى استبدال القردة واحدا إثر الآخر حتى لم يبق واحد ممن عانوا من رش الماء، ولكن عادة الضرب والمنع استمرت لأن القردة ربطت بين الضرب الموجع والموز».

ويعلق كاتب القصة الرمزية بالقول: «هل تعلمون أن هذه القصة هي من دروس الإدارة الحديثة، حتى يتأمل كل واحد عمله ليرى كم من القوانين والإجراءات تطبق بالطريقة نفسها والأسلوب غير المقنع نفسه، ومع ذلك لايجرؤ أحد على السؤال لماذا ياترى تطبق بهذه الطريقة؟. بل إن الكثيرين ممن لايعلمون ولايتعلمون يستميتون في الدفاع عن تلك القوانين لإبقائها على حالها..». ولا تعليق على التعليق إلا الدعوة إلى تفعيل العقل، ورفض العيش مع جثث القوانين العفنة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى