صبرا واحتسابا حضرموت الحبيبة

> د.عبده يحيى الدباني:

> لا خيل عندك تهديها ولا مالُ ** فليحسن القول إن لم يُحسن الحالُ ..هكذا أنشد المتنبي ذات يوم حين وجد نفسه عاجزا عن مجازاة أحبابه وأصحابه مجازاة مادية.. وأنا هنا أسجل مواساتي البالغة ودعواتي الصادقة إزاء ما حدث من كارثة طبيعية لأهلنا وأحبتنا في حضرموت، وما جاورها من المهرة وشبوة.

إن ما حدث يعد مأساة حقيقية بكل المقاييس، انفطرت لها القلوب تأثرا وحزنا وهذه مشيئة الله تعالى، نحمده على كل حال، ولكن التوكّل والإيمان بالقدر لا يمنعان الأخذ بالأسباب، ولا الحذر من البينات، ولا يعفيان من كانت لهم أيادٍ سوداء فيما حدث من خلال الفساد والإهمال وموت الضمير وسحر المنجزات التي ذهبت جفاء مع زبد السيل بعد أن جرفت ما كان يمكث في الأرض وينفع الناس، بل جرفت الناس أنفسهم.

جاء المحك الحقيقي ليكشف عن زيف تلك المشاريع والمنجزات، وعن الشعوائية وسوء التخطيط واللا مبالاة واللا مسئولية، وعن الصفقات المشبوهة التي دفعت الجماهير ضريبتها مرتين: حين حسبت عليهم وحين انهارت على رؤوسهم، فلا نامت أعين الفاسدين المستهترين بالأمانة وبحياة الشعوب ومستقبل أجيالها، الذين ينامون في البروج الآمنة ويتركون الناس تنام في طريق السيل مضطرة، مغلوبة على أمرها وقليلة الحيلة.

صبرا واحتسابا أحبتنا المنكوبين، أجرا وعافية بإذن الله تعالى ودرسا بليغا لنا جميعا، فما أكثر النائمين في طريق السيل في هذا البلد النائم المسالم، ولعل أبناء حضرموت أكثرنا توقيا وتحرزا وحذرا وتماسكا ومع هذا حدث ما حدث، وكنا نظن أن وضعهم المادي أحسن من الآخرين، ولكن العاصفة كشفت عن معاناة وفقر وتردي أوضاع مريع.

المشاريع من صنعاء والمطر من السماء، لكنما الأولى تعرت أمام امتحان الثانية.. مركزية الفساد عطّلت المحليات في المحافظات بكل ما لديها من كادر وخبرة وبقايا حرص ومعرفة بأحوال المناطق وطبيعة الأماكن ومناخها وغير ذلك، لقد صار المقاولون والسماسرة هم كل شيء في هذا البلد المغلوب على أمره ولا سلطان عليهم من المحليات وأصحاب الشأن، فارتباطهم المباشر بمركزية الفساد نفسها، فماذا تنتظر إذن؟.. لقد رأينا وقرأنا ما يوجع القلب ويجلب الهم والخوف.. فهل يعقل مثلا أن يتقاضى صاحب الشيول نقودا من هذا المنكوب أو ذاك مقابل البحث في أنقاض منزله المنهار إنقادا للنفوس أو للممتلكات؟.. ماذا جرى الناس؟.. أين ذهبت الرحمة والمواساة والتكافل وروح النجدة والإغاثة؟.. أي أيدٍ هذه التي تتسلم النقود من المنكوبين؟.. وأي نفوس هذه التي تجعل من الكوارث والأحزان مواسم للفوائد والغنائم ويسيل لعابها طمعا في المساعدات المقدمة للمنكوبين؟!.

سلامات حضرموت وسائر المناطق المنكوبة، فالله تعالى أرحم بكم منا ومن أنفسكم، ومن رحمته سيقوض لكم من يبلسم جراحكم، ويربط على قلوبكم، ويعوضكم خير عوض إنه سميع مجيب، وحقكم علينا جميعا أن نشد من أزركم ونسرع إلى نجدتكم، وأن ندعو لكم بإخلاص.

كوني حضرموت كما كنت وكما ينبغي أن تكوني موئلا للمدنية والحضارة والأمانة والحق والقانون والعدل والتكافل ومناهضة الظلم وانتزاع الحقوق.. كوني شوكة غليظة في حلوق الفاسدين المستأثرين حتى لا يجرف طوفان الفاسد تاريخك وقيمك وخصوصيتك كما جرفت السيول نخيلك الباسقة ومنازلك ومعالمك العريقة، وكما شفط الفساد والقهر ثرواتك الطائلة وشرد رؤوس أموالك المهاجرة.

انهضي من تحت الأنقاض قوية شامخة، فالمحن تصنع الشعوب والأمم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى