أرخبيل الأحزاب ومحيط الحكم الوهن

> محمد علي محسن:

> على الأحزاب السياسية في البلد مغادرة ماضيها المستبد والمستريب من الآخر إذا ما أرادت المستقبل إنقاذا لها من وضعها الحاضر الآيل للانقراض في حال ظلت أشبه بأرجوزات بيد من يحركها ويرسم لها الدور.

أتساءل دوما كيف أن الحكومات المتعاقبة وفرت على أحزاب المعارضة عناء العمل بين أوساط المجتمع لسنوات، ومع كل ما أوجدته السياسات الخاطئة من أوضاع معيشية اقتصادية واجتماعية كفيلة بصناعة معارضة قوية وفاعلة في دولة بورما المستحكم بمقاليدها الجنرالات لم نر في يمننا الشوروي غير أحزاب خائرة مستسلمة ومستهلكة لرصيدها المحفوظ المتبقي لها عند المواطن منذ حقبة الحرب الباردة والتنظيمات السرية.

العالم اليوم اختزل تقاربه بعمارة واحدة، بعد أن كان قرية إلى الأمس القريب.. الأحزاب السياسية المعارضة للأسف أسيرة التفكير النخبوي الأحادي البيروقراطي الذي تجاوزه العصر الحديث، لذلك السبب رأينا هذه الأحزاب كأنها لا في القرية الكونية أو العمارة، بل عبارة عن جزر طاردة لأهلها متناثرة في المحيط، لا جامع لها سوى مسمى (أرخبيل).. الناظر في واقع التعددية السياسية بعد هذه المدة الزمنية على بداية الممارسة مع قيام دولة الوحدة سيجد ذاته أمام حالة لاتتماثل أبدا حتى مع الديمقراطيات الناشئة في البلدان المتخلفة في أفريقيا وآسيا.

المعارضة الناعمة المداهمة للأنظمة الحاكمة ليس مكانها بين الجماهير، بل في أبراجها العاجية، في انتظار المهمة الموكلة لها، مثلما هو حال الأحزاب الإدارية التي لا وجود لها في الساحة السياسية في غير خدمة الحاكم في الأوقات المطلوبة. هذا الكلام قد تعتبره بعض القيادات الحزبية كلاما ثوريا ونظريا لايستقيم مطلقا مع الظروف السياسية والاقتصادية والثقافية والديمقراطية المحيطة بنشاط الأحزاب في بلد مثل اليمن.. نعم ثمة واقع محبط وقاتل لكل الطاقات المبذولة من أجل التغيير الديمقراطي الحضاري، ولكن هذا الواقع لايتبدل من دون مقاومة أو ثمن تقدمه الطليعة السياسية بدرجة رئيسة، المعارضة لاتعني قيادات ومقرات وصحفا ومواسم انتخابية عفى عليها الوقت، لكنها رؤى ووسائل وابتداع وتضحية وقيم ومواجهة وسلوك ومبادرة وغيرها من الأفعال المؤثرة القادرة على إحداث التغيير في الأنظمة المستبدة.

أحزاب المشترك بالكاد أجمعت على مشروعها التوافقي إبان الانتخابات الرئاسية.. حزب الرابطة قدم رؤية متقدمة نوعا ما حول ماهية الحكم المحلي الواسع الصلاحيات، المؤتمر الحاكم لم يقف مكتوف اليد إزاء جملة من المبادرات الإصلاحية المطروحة في السنوات الماضية، إذ قدر له طرح رؤاه للحوار والنقاش وفي المسائل الملحة، ولأن العبرة في الممارسة لا المشروعات النظرية، فإن كل ذلك الجدل والبرامج السياسية تبخرت في الهواء بمجرد انتهاء السجال لمصلحة من يحكم ويدير اللعبة الديمقراطية في البلد.. المشترك أخرج جماهيره الغفيرة إلى الساحات والميادين، لكنه لم يستطع توظيفها من أجل انتزاع اليسير من مشروعه، بل وعلى العكس فضل مداهنة منافسه بالاعتراف بالهزيمة وفي الوقت الذي لم يرضخ مرشحه لكل الضغوطات، الرابطة وغيرها من التنظيمات السياسية اكتفت بالحوار والنقاش، وهي ربما هكذا لاتمارس الفعل الضاغط لأنها لاتملكه.

على الأحزاب السياسية في البلد مغادرة ماضيها الاستبدادي والعدائي للآخر إذا ما أرادت الحاضر إنقاذا لها من وضعها الراهن، كما أن عليها جميعا تقع مسئولية إنقاذ الديمقراطية والتعددية السياسية مما آلت إليه من وضع ينبئ بمستقبل شمولي ومجهول إذا سارت الأمور على هذه الوتيرة من الإصرار على الانتخابات البرلمانية دون مناخات وأجواء تؤكد أن ثمة تنافسية وتعددية حزبية محفزة للمشاركة الشعبية.

لسنا هنا في مقام الناقد للأحزاب المقاطعة أو المشاركة، لكننا مسئولون إزاء الانقلاب على آخر ما بقي من الدولة اليمنية الواحدة، فحينما يراد إتمام العملية الانتخابية على هكذا نحو من الإقصاء للآخر ووسط رفض ومقاطعة واسعة من الأحزاب والفعاليات السياسية والاجتماعية في محافظات الجنوب بوجه خاص، فإن المسألة لم تعد تهم أحزاب المشترك أو صحفه وقياداته، بل هي مسئولية الجميع، وعلينا ألا ننتظر إلى حين وقوع الفأس بالرأس، أو ينزل أمناء الأحزاب إلى الشارع في قادم الأيام.. فالجمهورية تبددت، والثورة سرقت، والوحدة وئدت، وما نخشاه هو القضاء على ما بقي من ديمقراطية وتعددية، وعلى الأحزاب تحرير ذاتها من الخوف والمداهنة للحاكم الذي تستوجب مقاومته في مثل هذه الظروف.. صحيحة هي الحكمة الصينية القائلة «غبية الجزيرة التي لاتخشى المحيط»، لكن الأحزاب ليست جزرا متناثرة إلى الأبد، والحاكم لم يكن قط محيطا مفزعا إلى ما لا نهاية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى