حضرموت.. نعمة السماء ونقمة الأرض

> وليد محمود التميمي:

> عادة ما تلقي الكوارث الطبيعية بظلالها الثقيلة على حياة الشعوب والمجتمعات المتضررة، التي تضطر تحت تأثير وقع وتداعيات النكبة التي عصفت بكيانها، إلى تغيير مجرى حياتها ومستوى تفكيرها وتطلعاتها وتوجيهاتها الآنية والمستقبلية.

حتى نمط وأسلوب التخاطب ببن أفراد وشرائح المجتمع يطرأ عليه اختلاف حاد، حيث تظل الكلمات منحصرة بين قوسين وتدور في فلك وإطار معنون بما قبل وما بعد الكارثة، التي قد تفجرها الزلازل واندلاع البراكين، أو تخلفها العواصف والفيضانات العارمة. وبنظرة خاطفة على سجل الكوارث الطبيعية في بلادنا، التي عجزت الدولة عن تحجيم تداعياتها، وساهمت أيادي البشر في تعظيم خسائرها، سنجد أنها تشمل الزلزال، وأبرزها الزلزال الذي ضرب ذمار في الثمانينات، وانهيارات الكتل الصخرية العملاقة كالكارثة التي عاشتها قرية الظفير في بني مطر في ديسمبر 2005 وفيضانات السيول التي اجتاحت مدن وقرى المحافظات الشرقية والجنوبية الأسبوع قبل الماضي.

وقد شاءت الأقدار أن تكون محافظة حضرموت التي ازدانت فيما مضى بنهضة عمرانية وتنموية هي الأكثر تأثراً وتضرراً من تداعيات الكارثة على الصعد كافة، إنسانياً وبيئياً واجتماعياً واقتصادياً، فمياه الأمطار التي ظلت تهطل بغزارة لمدة تجاوزت الثمانين ساعة متتالية خلال ثلاثة أيام، صبت في مجاري وديان عملاقة، تدفقت على إثرها سيول جارفة من أعالي الجبال والمرتفعات صوب البحر مقتلعة كل كائن حي أو جماد وقف في طريقها، ولما كانت مجاري السيول قد حشرت بالبناء العشوائي، وتقلصت مساحاتها بعد أن زرعت سفوحها وكامل محيطاتها في المدن الكبرى ومن ضمنها العاصمة المكلا بالتجمعات السكانية والأسواق التجارية بتأييد وغطاء رسمي من الدولة التي أقفلت باب التوثيق وأوغلت في التوزيع غير العادل للأراضي على المواطنين، فإنه كان من البديهي أن تتحول هذه السيول الجرارة إلى فيضانات مدمرة، تزيل شعاباً نائية من على الوجود وتطمر قرى بأكملها، وتهدم بيوتاً ومنازل، وتعيث خراباً في (البنية التحتية) جرفت واقتلعت مشروعات لطالما تغنت الدولة بروعة إنجازها ومتانة بنيانها..ومن بينها الطرقات التي التهمتها الفيضانات بكل سهولة ويسر كقطع البسكويت ورقائق البطاطا، وإمدادات شبكات المياه التي انتزعت مع جريان مياه السيول في موجاتها الأولى.

لذلك يخطئ من يعتقد أن تداعيات المأساة التي تعيشها حضرموت المنكوبة اليوم، تنحصر فقط في أعداد الضحايا من المتوفين والمفقودين، وإجمالي الأسر المشردة والمنازل التي سويت بالأرض، والممتلكات العامة والخاصة التي أهدرت، متجاهلاً حجم الأضرار والضغوط النفسية والظروف المعيشية الصعبة التي يعاني من مرارتها أبناء المحافظة التي سترغم على دفع أقساط ديون طوال السنوات الخمس المقبلة تقدر بنحو 35 مليار ريال عبارة عن جزء من مبالغ صرفت على مشروعات خدمية وسياحية وترفيهية، نفذها مقاولون محليون في العام 2005م على عجل وكالمعتاد دون التقيد بأبسط الشروط والمواصفات الهندسية الفنية، لذلك لم تستمر مدة صلاحيتها سوى ثلاث سنوات فقط، فانهارت في أول مواجهة مباشرة مع قوى الطبيعة وبرهنت على مدى هشاشتها وضعف دعائمها.

ومع مرور الأيام واستقرار الأجواء المناخية تنكشف آثار المأساة التي ألمت بأهل حضرموت، الذين وجدوا عزاءهم في جهود المؤسسات والجمعيات الخيرية العربية التي توافد ممثلوها على المدن والقرى المتضررة بغية حصر أعداد الضحايا ورصد حجم خسائرهم، على أمل تعويضهم، ولو أن كنوز الدنيا بما رحبت لن تداوي جراح أب فقد أبناءه تحت الأنقاض، أو تطفئ حرقة نواح أم ابتلع الفيضان أفراد أسرتها، أوتخفف من آنين عائلة عزيزة شردت في العراء وظلت في الخلاء دون مأوى أو مسكن، أو تطيب معاناة أنفس ظلت تشحذ قطرات الماء ورغيف الخبز والمواد الغذائية في مدن تحولت بين عشية وضحاها إلى خراب وحطام وبقايا أطلال مهجورة، وكان الله في عون حضرموت الأرض والإنسان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى