عاش الحلم العربي..(إلى ذكرى مارتن لوثر كنج القس الثائر)

> أبوبكر السقاف:

> فوز ابن حسين أوباما معلم تاريخي عظيم، ، يؤكد أن الحق قد يتأخر انتصاره، ولكنه يتحقق، ويقف وراء هذا التحقق غير جيل من الأبطال في مجالات الاقتصاد والسياسة والفن، فهم جميعا قد صاغوا ضفيرة إكليل النجاح الكبير، الذي يظل رغم ذلك محدودا، لأن النجاح الحقيقي والأكبر هو أن يتحقق الإخاء ومعه المساواة في مجتمع يطالب فيه كل واحد ما يقدر عليه ويمنحه حاجاته. حلم قديم - جديد وجميل. أي تحقيق مملكة الحرية لا الضرورة، فهذه الأخيرة «حيوانية».. وعندما يكون الإنتاج بشروط الحرية يكون الجمال معياره.

هذا إيجاز سريع لحلم الاشتراكيين عبر عنه غير مرة كارل ماركس الذي يساء فهمه دائما، فهو كان يجعل حرية الفرد شرطا لحرية الجماعية، وليس العكس كما حدث في ما سمي المعسكر الاشتراكي. كان معسكراً بدون اشتراكية، أي رأسمالية دولة ديكتاتورية.

يؤكد فوز أوباما أن المسافة بين الحلم وتحقيقه كبيرة، ولكن ممكن أن يجتازها الناس إذا ما صدق عزمهم وارتفع سقف أحلامهم، لأن الهدف هو تحقيق مملكة الحرية بالخروج من مملكة الضرورة. في الأولى ننتج ونعمل وفقا لشروط الحرية أي الجمال، وفي الثانية تحكمته الضرورة بكل قيودها.

إن جزءا كبيرا من شعارات الثورتين الفرنسية والأمريكية تجسد في نجاح أوباما، وهذه حدود الثورة البرجوازية، وبعدها يفتح الباب على مصراعيه لحلم أكبر: عالم الحرية أي الاشتراكية، ويسر هذا سقوط رأسمالية الدولة في روسيا ومعسكرها، التي تمادت إلى لون من الرأسمالية القميئة التي تختلط فيها الجريمة بالاستبداد، وظلام القيصرية. (وردت هذه الكلمات في كراس مدكرات سرحان بشارة سرحان، السجين الفلسطيني الذي قتل روبرت كندي).

من المستحيل بمكانين أن تخرج الرئيس أوباما عن الضوابط الجديدة للرأسمالية الأمريكية، ولا هو يريد ذلك فقد جاء باسمها وتحت راياتها العدوانية في الخارج وطبقيتها في الداخل. رئاسته تحقق وعدا قديما جاء مع بيان الاستقلال ومع شعارات الثورة الفرنسية العظمى وفي كتابات الاشتراكيين الطوباويين في مستواها السياسي، وإصرارها على رفض التمييز على أساس اللون أو الدين أو اللغة. والمهمة الباقية هي تحقيق المساوة بين البشر بقوانين الحرية أي الجمال، كما كان ماركس يقول، وهو الذي ظلم على يد خصومه وأنصاره ولعنه مفكرو الصهيونية لأنه يرفض فكرة فرادتهم، وأن تحرير البشرية رهن بتحرير الخامات من اليهودية، أي قوة المال.. النقد وكل ما يجره ذلك من ويلات.

وعلينا في الوطن العربي، نعم هناك وطن عربي في الإمكان رغم كل هذا الظلام الذي يخنقنا في بلاد العرب من «الماء إلى الماء» ويمزقنا في تجربة هي أسوأ من تاريخ ملوك الطوائف في الاندلس.

بدد الجندرمة والعسكر والسجانون ورجال التحقيق والبصاصون الحلم العربي أشاواً، أصبحنا أعراباً بدون حلم، وما أحوجنا إلى العودة إلى عروبة بحلم كبير في كل قطر وبين جميع الأقطار، وإلا كان «الخروج من التاريخ» حتماً مزرياً ومصيراً فاجعاً، لأمة ذات تاريخ مجيد وجميل، ألهم البشرية في غير أفق وطريق.

ليست الإمبرالية هي الجبروت ولا الصهيونية، إن الضعف فينا في شخصيتنا وثقافتنا السياسية، التي يحاول الواقع الإمبريالي الذي يحكمنا أن يؤبد وجودنا فيه.. ولذا فإن الرفض العظيم لكل ديكتاتور صغير وكبير في كل أرض العرب دون استثناء هو نقطة البدء الصحيحة. رفض الوصاية البلهاء على العقل والروح، رفض الهمجية التي تقول إنها سياسة، فنذكر فيلسوف المعرة «ساس الأنام شياطين سلطة...».

لابد من رد الاعتبار للمعاني الكبيرة التي داس وابتذلها الاستبداد العربي، «من الماء إلى الماء» فالوطنية أخوة وشراكة، والعروبة انتماء وتحرر ومصير وأن أوهى ظل من الاستبداد يدفن كل هذا المعاني في قبر عميق.

لقد دفن تاريخنا السياسي في بلاد العرب: الوحدة العرقية، وقضية فلسطين الدامية، وماسمي «بالاشتراكية العربية»، وقبل ذلك وبعده حلم الوحدة العربية الكبرى، التي بدونها نخرج من التاريخ أعرابا ودويلات وممالك وجمهوريات كسيحة.

الحلم العربي الذي قدمه السجين الفلسطيني بشارة بكلمة «عاش» حلم حقيقي، وإن كانت وسيلة بشارة خاطئة.

ن الأمة التي لا تملك حلما تنحل إلى قبائل وجمهوريات موز كما حدث في أمريكا اللاتينية وغيرهم. الحلم الكبير هو الجيل الذي يعصمنا من طوفان العبودية الذي نعيش فيه، وتمرخنا في أرحبائه الإمبراليات بقيادة أمريكا وحليفتها دولة الاحتلال الصهيوني في فلسطين. وما قال مرة لنكولن عن قضية تحرير العبيد في أمريكا أثناء الحرب الأهلية يصدق على فلسطين بصورة أكبر وأوضح اذا لم تكن هذه قضية عادلة فلا توجد قضية عادلة البتة. العرب وفي مقدمتهم الفلسطينون يخوضون حرب داحس والغبراء بوسائل وأدوات جديدة. لقد ابتذلت أحلامنا إلى درجة مرعبة، وما لم نعد الاعتبار إليها بالخروج من شرانق الطائفة والمذهب والجهة فسوف نصبح من جديد أعرابا لا عربا. هنود حمر القرون القادمة.

نصيبنا من هذا الوعي السياسي الزائف كبير في اليمن السعيد بحكامه، الذين حولوا حلمنا إلى جحيم وبؤس، ويصرون على أننا في الجنة. حقاً إن أقبح الأفعال ترتكب باسم أحسنها، وها هو الجنوب تمزقه المجاعة والكوارث الطبيعية وحكم يملك حصانة متينة مضادة لكل أنواع الشد السياسي والإنساني. حكم يفرض البقية الباقية من أسطورة الوحدة الفورية الاندماجية، وخلق رفضاً عميقاً في العقول والنفوس معاً لاستبداد قبيلي جهوي توحد فيه القهر بالكذب والقسوة وازدراء الناس.

إن إسهامنا الحقيقي في «الحلم العربي» والقيام بواجبنا الإنساني نحو أنفسنا يلزمنا برفض نهج القوة والقهر والإذلال الذي تمارسه السلطة.. وسلاحنا الرفض الصريح لهذا الواقع المزري. الانتخابات سوف تكون نسخة من أخواتها والتعويل على «ديمقراطية» المؤسسة العسكرية- القبيلية الحاكمة ضرب من تربيع الدائرة. لابد من الإقلاع عن هذه العادة السياسية غير السوية وغير المنطقية، ومن لا يتعلم من تجاربه يكرر مآسيها.

في غمرة هذا «اليم المسود» (الصديق الشاعر إبراهيم صادق) الذي يطوي حياة العرب بين جوانحها، لا طريق إلا التمسك بجذوة الحلم.. وبالرفض الحاسم للواقع ونختار من عبارة مشهورة لهيجل «ماهو عقلي واقعي»، لأن العقل في حوار غير منقطع مع الواقع، ولذ يعثر على الحلول.

لا شيء يستحق التمسك به في هذا الواقع الفاجع، وقدمت نكبة الأمطار في الجنوب دليلا لا يرد على أن الهوة بين النظام والناس هناك شاسعة، ربما لأن العلاقة أصلا وجدت بوساطة يوم النصر، وليس يوم الاتفاق. غربه الحكم عن المحكومين أقوى دليل على هشاشة أي نظام سياسي، لاسيما في واقع هبطت فيه الوحدة الفورية من أعلى وأصبح نصر المؤسسة العسكرية- القبيلية ظمأها إلى الانفراد بالسلطة، وهو مفهوم راسخ في الذهنية القبيلية في كل زمان ومكان، ويسمى أحيانا الانفراد بالمجد، في واقع غير مجبه بل وغير سوى.

دورنا في تشييد «الحلم العربي» الظفر بحرية تقرير المصير وإعادة الاعتبار إلى الوحدة السوية والأخوة والشروع في تبني أدوات العصر وغاياته في صنع السياسة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى