عدن من العهد العبدلي

> فاروق لقمان:

> استقل أمير لحج الشيخ فضل بن علي نائب الإمام بالمقاطعة التي ضمت عدن عن الحكم الإمامي في صنعاء عام 1735 بعد سبع سنوات فقط من توليته عليها، وبعد مائتي سنة احتلتها بريطانيا عام 1839 بثلاث سفن حربية يقودها القبطان هاينس الذي تناولت حكايته في مقال نشرته في هذه الجريدة الغراء منذ أسابيع.

عام 1944 نشر الوالد رحمه الله مقالا في الصفحة الأولى كعادة تلك الأيام في جريدة «فتاة الجزيرة» التي كان قد أصدرها عام 1939 استعرض فيه تاريخ تلك الحقبة إلى عام 1944.

وبفقرات مقتضبة غطى أهم الأحداث التي مرت على ذلك الركن المهم من جنوب اليمن الواقع على بحر العرب والقريب من باب المندب، مما أغرى بها الدول الكبرى آنذاك تركيا والبرتغال وبريطانيا سيما أن اليمن الأم كانت أضعف من أن تتصدى للغزوات والحركات الانفصالية، كما حدث في مقاطعة لحج والعدوان البريطاني.

كتب الوالد يقول: «ترتبط عدن بلحج برابطة الجوار، وقد تولاها عام 1738 أمير لحج الشيخ فضل بن علي، وكان نائب إمام اليمن في هذه المقاطعة، لكنه استقل بالحكم عام 1735 واتفق مع قبائل يافع على اقتسام حاصل جمارك عدن، فلما أعلن استقلاله احتفظ بنصيب يافع، وبعد سبع سنوات ذهب ضحية عدوان عليه وتداول الحكم أبناءه حتى زمن الأمير محسن فضل، وفي عهده عام 1839 غزاها القبطان البريطاني هاينس واحتلها، وكانت قد أقفرت من التجار والعلماء والأدباء، ولم يبق فيها من العمران ما يدل على تاريخها الشهير، إذ كانت المخا قد اجتذبت إليها طلاب الرزق، وهاجر إليها التجار من جميع الأقطار، وأسس فيها الأوروبيون الوكالات، وتنافس أهلها في اقتناء الدور وتأسيس المتاجر لاشتهارها بالبن المخاوي.

وبقيت عد لذلك السبب في زاوية مهملة بعد أن وصل دياز البرتغالي إلى رأس الرجاء الصالح، ووصل فاسكو ديجاما إلى كاليكوت جنوب الهند عام 1498 من ممباسا بإرشاد الناخوذة احمد بن ماجد، وفقد جنوب الجزير أهميته بعض الزمن، ثم حاول البوكرك احتلالها عام 1504 ليجعل منها قاعدة للملاحة البرتغالية في سلسلة القواعد الممتدة على طول الشاطئ الأفريقي والخليج، ولكنه فشل.

وزارت عدن أول باخرة بريطانية عام 1690 تحت قيادة القبطان شاربي، ونشبت حروب نابليون، واحتلت فرنسا القطر المصري عام 1798، وتنبه البريطانيون إلى الخطر الذي يحيق بالهند جراء هذا التوسع، لكن محمد علي الكبير بعد أن بسط سلطانه على مصر حفظ التوازن الدولي، ولم يرض بفتح قناة السويس في حياته، وعارض بعض ساسة بريطانيا أنفسهم هذا المشروع، لكنهم أصبحوا أصحاب حصة الأسد في أسهمها في ولاية الخديوي سعيد باشا (باسمه بورسعيد) عام 1869، ومنذ ذلك التاريخ أخذت عدن في الازدهار، وأدرك الناس أهميتها الإستراتيجية والجغرافية، وتوافد عليها التجار وطلاب الثروة، وانتقل إليها كثيرون من المخا وحضرموت والهند وأثروا، وتأسست شركة التموين بالفحم أو شركات الملاحة الأوروبية سيما بعد صدور تقرير اللجنة الملكية عام 1881، حين أصبحت عدن مركزا من مراكز التموين بالفحم في سلسلة من القواعد في الإمبراطورية البريطانية، ومنها برزبين في أستراليا وكولومبو في سري لانكا وكالكوتا الهندية ودربن في جنوب أفريقيا، وكانت ومازالت عام 1944 الحصن العسكري الحصين والقلعة التي لاتغلب والثغر التجاري المهم بين الغرب والشرق الأقصى والهند وأفريقيا الشرقية. كتب عنها القبطان بليفير تاريخه المشهور عام 1859 بعد أن قام بعملية الحفر التي أسفرت عن كشف السدود (الصهاريج) الأثرية في الطويلة. وكتب عنها الميجر هنتر عام 1877 في تاريخه الذي ضم أخبار البعثة إلى بلاد الصومال وهرر. وكان أكثر الناس اهتماما بعدن وأهلها الكولونيل جيكب معاون والى عدن الأول، فكتب عددا من الكتب عن عدن واليمن عامة والمحميات، طبع بعضها. وكتب الأمير أحمد فضل طرفا من تاريخها في (هدية الزمن) ولم ينقب عن تاريخها ولم يصرف السنين الطوال أحد من أبنائها سوى الأستاذ المؤرخ عبدالله يعقوب خان، فإن معلوماته واطلاعه الواسع على تاريخها ومكتبته العامرة بالمراجع تجعله بحق حجة في هذا الشأن، فليس في تاريخ عمارة ولا في تاريخ بامخرمة تلك التفاصيل الدقيقة التي يحويها تاريخ الأستاذ عبدالله، وليت عدنيا تدفعه الأريحية إلى ترجمته كما ترجم الأستاذ محمد عبده غانم بعض فصوله في «فتاة الجزيرة»، أو ليت حكومة عدن تتسلم هذا التاريخ من الأستاذ المؤرخ وتوكل به من يدرسه، ثم تكلف بطبعه وترجمته لعله يحل ذات يوم محل ما يدرس من التاريخ العقيم في مدارس عدن.

ولم يكن في عدن أدباء بالمعنى المعروف اليوم في مستهل هذا القرن، ولكن بعض الأدباء أدركوا شيئا من أدب وعلم، وتعلموا اللغة الإنجليزية في المدارس الابتدائية والثانوية، فبرز بعضهم وألف، وأكثرهم نبوغا الشيخ عبدالقادر مكاوي وصالح محمد مكاوي والسيد رستم علي والسيد حمود بن حسن مدير المعارف وخان صاحب يوسف خان وعبدالحبيب خرمجي وعلي إبراهيم لقمان وعلي جعفر عبدالرحيم والسيد عبدالله بن حامد الصافي، ولم ينته الانقلاب العثماني إلا والناس يتداولون الصحف المصرية. وإنني ما زلت أذكر الشيخ محمد حاجب أيام تقاعده بعد خدمة طويلة في رئاسة المدرسة الابتدائية الحكومية، وهو يعلمنا الخط في بيت الشيخ صالح محمد بالكسح وقد كان أستاذا ماهرا للخط العربي وشيخا وقورا أديبا، يروي الأشعار، ويطالع الصحف، ويقضي الصباح في مكتب أحمد خياط، يجادل المتأدبين في قضية السلطان عبدالحميد وجمعية الاتحاد والترقي. وكان تلميذه الفقيه محمد عثمان الهندي خطاطا بارعا يكتب الخط العربي (النسخ والفارسي)، وألف تاريخا لعدن أسماه (قلائد الجمن)، ومن تلاميذه الفقيه سعيد علي الفجيحي أستاذ المئات من العدنيين.

وأول من بدأ يكتب على صفحات الجرائد المصرية هو- كما أتذكر- الرحالة الأديب الشيخ محمد طه الهتاري، وكان متأثرا بأدب الحريري، حافظة للأشعار، سريع الخاطر حاضر النكتة.

وجمعت الحرب الماضية بين أدباء عدن وأدباء لحج، وكان يرد إلينا بين الفينة والفينة عالم ديني أو شاعر أو أديب أو مصلح اجتماعي أو مدير معارف قدير، لكن الذين تأثرت عدن بهم قليلون جدا، ومن الذين أفادت منهم الأستاذ المربي الدكتور عطا حسين والزعيم العربي الأستاذ عبدالعزيز الثعالبي، ومن الذين زاروها في هذا الجيل السيد الشاعر أبوبكر بن شهاب والسيد محمد بن عقيل والسيد عبدالرحمن عبيدالله وأحمد زكي باشا والأستاذ القادري والشيخ كامل عبدالله صلاح، ومن الأوروبيين الكولونيل نبيل محرر «إيدن فوكس» وجريجوري مدير مدرسة في التواهي وهو بلجيكي كان مهتما بالتعليم ونشره، ولم يكن التبشير كل همه، فكان لهذا الاحتكاك بعض الأثر الذي ظهرت بوادره اليوم».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى