سر عظمة «الأيام» وعدن

> نبيل أحمد العمودي:

> قرابة العام منذ أن بدأت العيش بمدينة عدن، هذه المدينة الحالمة التي تحرس البحر وتعانق بشموخ الجبال، وتفتح ذراعيها دوما لتحتضن كل أبناء هذا الوطن بحب وحنان، وتمنحهم الأمل والتفاؤل، وتمدهم بكل مالديها من نعم وقيم ومثل، دون أن تنتظر من أحد منهم رد الجميل، حتى ولو قابلوها بجزاء سنمار، وهي تظل تصبر وتكبر على كل مآسيها وجراحاتها التي تتعرض لها وأبناؤها يوميا من ظلم وقهر وسلب الحقوق والأرض والوظيفة.

عدن التي امتزجت فيها الثقافات والحضارات، وتأسست لها قيم وعادات وتقاليد منذ زمن، وأصبحت تسحر لب كل زائر، وتدفع كل من يجدها ملاذه الآمن للعيش والتطبع بطباعها والاندماج بحياة أناسها الهادئة.

عدن التي تفتخر بصهاريج الطويلة وقلعة صيرة وميناء التواهي وصحيفة «الأيام» وساحلي جولدمور وأبين، والمصفاة، وغيرها من المعالم المختلطة ببساطة أهلها وتواضعهم وسعة ثقافتهم ودفء التواصل معهم وصدقهم ورقة طباعهم وإحسانهم الدائم لمن أساء إليهم.

من يعيش في عدن ويختلط بالحياة اليومية فيها يعجب لكثرة المناظر والظواهر المتكررة فيها، وأكثر ما أثار انتباهي أن القادم الجديد لعدن تلك الجموع من أبناء هذه المحافظة أو القادمين إليها الذين يتوزعون منذ دقائق الصباح الأولى على الجولات والحدائق العامة وعلى الشواطئ وأمام المرافق عامها وخاصها والأسواق والمراكز التجارية، منهم الطفل الذي لم يتجاوز عمره السبع السنوات والشاب الذي قارب العشرين والكهل الذي تجاوز الستين من العمر حتى النساء (كن فتيات أم مسنات) تراهم وتسمعهم جميعا يرددون سيمفونية واحدة «الأيام» «الأيام» «الأيام».. الطفل يحتضن «الأيام» (مصدر رزقه)، كما يعانق أمه أو أباه، وكالعاشق المتيم الذي وجد معشوقته يفعل الشاب، ويحملها الشيخ المسن بكل حنان ورفق، كما يحمل صغار أطفاله أو حفدته ليلاعبهم عند كل صباح، أما بائعات الصحيفة من النساء فيهتممن بها مثل ذلك ويزيد، كما هي عادة النساء عموما.

ترى الذاهبين إلى أعمالهم أو مدارسهم أو الباحثين عن أرزاقهم المختلفة يقبلون على هذه الصحيفة بشكل ملفت وعجيب، ويصرون على ضرورة التزود بها، وكأنها ضرورة من ضرورات الحياة اليومية، كل هذا أمر طبيعي جدا هنا في عدن، إلا إن ما جعلني التقط هذا الأمر لأنقله للقراء الأعزاء بعد انقطاع، أنه خلال شهر رمضان الفضيل شهر الطاعات والعبادات (وهو رمضاني الأول في عدن) ينصرف الناس عن كل شيء متفرغين لطلب العفو والمغفرة طوال نهارهم وليلهم، لكن أتصدقون أنهم بعد صلاة الفجر من كل يوم يجلسون أمام الأكشاك والمكتبات حتى وصول صحيفة «الأيام» لشرائها باكرا وقراءتها قبل خلودهم للنوم!.

سألت شيخا طاعنا في السن فجر ذات يوم أمام أحد أكشاك محطة الهاشمي، لماذا ياوالد كل هذا التعب، ألا تذهب للنوم ثم تشتري صحيفة «الأيام» في أي وقت آخر من اليوم؟. قال لي «لا أستطيع النوم حتى أكحل عيني بقراءة «الأيام»، وأطمئن على مواصلتها لمشوارها وسلامة أبناء الباشراحيل، فتأخر الصحيفة يجلب لي القلق والخوف والتساؤل». قال ذلك بنبرة امتزج فيها الحب والصدق بالتعب والسهر. وتابع «يابني نحن في عدن لم يبق لنا بعد الله عز وجل إلا أولاد باشراحيل، وصحيفتهم لإيصال أصواتنا والحديث عن معاناتنا وما نتعرض له من ظلم وضيم وقهر وفقر، ومشاركتنا دائما في أفراحنا وأحزاننا بعد أن تقطعت بنا السبل».

جاءت الصحيفة واستلم نسخته منها وباشر تصفحها ونسي وقوفي بجانبه، وما بدأناه من حديث. عندها فقط عرفت ما سر نجاح الباشراحيل هشام وتمام وصحيفتهما «الأيام» وانتشارها الواسع في عدن وفي كل أرجاء الوطن.. إنه الحب الصادق المتبادل بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى