حضرموت تتسول!

> محمد عمر باجنيد:

> لم يصدق الحضارمة أنفسهم أو أولئك الذين التصقوا بهم أنهم (يتسولون), ولم يذكر التاريخ أنه سجل عنهم في أي زمن من تاريخهم بأنهم (متسولون), إنه الزمن الفاجعة!!.

الأيام بين الناس تتداول، تتغير المعالم في حضرموت وكذا حكايات رواد مقاهيها وخيالات سمارها، الشاي البخاري تنازل عن صيته في الجاذبية، وموسيقى رقصاتهم الشعبية نسيت إيقاعاتها السريعة، كما أصاب التغيير العسل الدوعني في مذاقه إذ فقد جاذبيته عند العاشقين، فأصبح الحب كذبا والعشق اغتصابا.. وشعر الدان تحول من بيان فني ذي دلالة لحظية ورؤية مستقبلية إلى توليفة إعلانية ساذجة ينقصها بعض الفتيات لتصبح فيديو كليب.

التغيير لم يقف هناك، لكنه وصل إلى السلوك والعادات.. وتكاد ثقافة جديدة تزدهر، تريد أن ترمي بثقافة سائدة لاتريد أن تندثر.

الحضارمة كما نسمع من أفواههم المفتوحة على شاشات التلفزيونات أنهم لاينتظرون المعونات التي تأتي وتعينهم في مواجهة الجوع والعراء، ولكننا نلحظ دهشة لما يحدث لهم.. وما حلّ بهم.. وتسلية بأوجاعهم.

لفيف من الجوعى تمتد أياديهم في ساه وشحير ومشطة وعينات ووادي عدم والقطن، ليس انتظارا لطائرة قد ترمي بحزمة قات تنفخ أوداجهم أو قليل من السكر والدقيق والأرز وعلبة صلصة ثم تنتهي الغنيمة بلا رماد، ولكن من أجل الدعاء بأن يأتي اليسر بعد العسر، وأن يعجل الله بالفرج بعد الضيق.

قبل الاضطراب الكبير بفعل السيول كانت المطالبة بمنح الحضارمة نصيبا من بعض عائدات بترولهم، وأن يكون دولار الذهب الأسود درعا شديد البأس لحضرموت وأهلها الشامخي الأنوف في مواجهة اليوم الأكثر سوادا.

تجاوز سعر برميل البترول قبل شهور قليلة حاجز المائة وستين دولارا. ثم سقطت ورقة المائة دولار عن برميل النفط وبقيت السبعون دولارا يتيمة على ظهر البرميل لاتعلم أين تذهب بها الأزمنة المرعبة التي تحياها الأسواق، هل إلى ما دون الخمسين أم في تخوم السبعين دولارا.. ومن سره زمن المائة وستين دولارا ستتعبه أزمنة السبعين دولارا لبرميل النفط وما دون، إلا حضرموت فإن الضرر أصابها في الزمنين وعاشت فقيرة مرحلتين.

كان يمكن أن يكون علاج الوجع الكبير الذي أصاب حضرموت في إنشاء (إدارة أزمة) بدلا من اللجنة التي استبعدت الأهالي فوجدت نفسها في مناظرات سياسية بدلا من مهمتها الإنسانية، كان يمكن (لإدارة الأزمة) فيما لو تشكلت أن تضع السياسة وتشعيباتها فوق أحد مجاري السيول لتذهب إلى البحر، وتفتح (إدارة الأزمة) قلبها وفكرها وذراعيها لكل من بيده معونة وفي عقله أفكار جديدة وفي قلبه إرادة للوقوف إلى جوار الموجوعين بعيدا عن الإعلام، بدلا من أن يجد أبناء حضرموت أنفسهم متسولين تحت الطائرات وعند إطارات سيارات النقل وزوامل القوافل المحتفلة بالمن والعطاء.

لم تكن هناك مبررات في أن يصدق الحضارمة أو يكذبوا الروايات المتناقلة في اختفاء بعض من معونات الأشقاء في الخليج التي كانت متجهة إليهم مثل الخيام الحديثة التجهيز ومولدات الكهرباء.. أو تجد قامة المهندس محسن باصرة من يتطاول عليها فيما لوكانت (إدارة تعنى بالأزمة).

ولعل مقالة إحدى سيدات حضرموت المسنات تصف حالها وحال أبناء حضرموت للقناة اليمنية: «نحن لسنا متسولين ولم نعتد أن نأخذ من الآخرين أو نطلب منهم نحن ببيوتنا وبخيرنا مستورين ولله الحمد.. مستورين بس الوقت أتعبنا!!».

ومن منطق (الستر) الذي حرصت الثقافة الحضرمية التقليدية على الالتزام به عبر تاريخ حضرموت الموغل في القدم منذ أن كانت قوافل التجارة تنطلق من ميناء الشحر إلى أنحاء العالم.. كانت ثقافة الستر جزءا من الوجدان الحضرمي.. ولذلك كان حراك أبناء حضرموت في الميدان وبعيدا عن الإعلام، فشكَّلت لجنة حضروت الأهلية.. وهي لجنة أخذت على عاتقها جمع التبرعات العينية والمالية وضمان توصيلها إلى المتضررين، كما تعهدت ببناء مساكن للذين لحق الضرر بمساكنهم من أبناء المناطق المنكوبة.

في الوقت ذاته كان محافظ حضرموت الأستاذ سالم الخنبشي يتواجد في المناطق التي لحق بها الأذى والخراب، ويتابع مع الجهات المعنية توزيع المساعدات وإصلاح ما أفسدته الأمطار والسيول من خدمات مثل الكهرباء والماء والاتصالات.. ونجح المحافظ الخنبشي مع أبناء حضرموت- رغم إمكانياتهم التي يمكن وصفها حسابيا بأنها (صفر)- بتعاونهم وحماسهم في إعادة الماء والكهرباء والاتصالات في أوقات قياسية، ولم يضرب موظفو تلك المؤسسات الحكومية مثلا في الإخلاص والتفاني في العمل، لأن هذا (معدنهم) الإخلاص ثم الإخلاص والصدق والأمانة دون أن يتقدم أحد منهم إلى رئيسه أو إلى المواطنين طالبا (حق القات) أو مقابل (العمل الإضافي).

لكن ماذا بعد الكارثة؟ هل ستشهد حضرموت تنمية؟ وإذا أقرت خطة التنمية فمن أين سيأتي التمويل للمشاريع الجديدة؟ هل ستكون خطوات حضرموت المقبلة نحو التنمية باستقطاع جزء من عوائد البترول؟ ومنح المجلس المحلي بحضرموت حرية التصرف في عوائد الضرائب والجمارك والخدمات مثل الكهرباء والمياه بدلا من المركزية. إذ ليس من الحكمة أن يسجل تاريخ حضرموت أنها (تسولت) مرتين في عهد الوحدة، مرة من أجل الإغاثة وأخرى من أجل البناء والإعمار، ومن غير الحكمة ألا تشهد حضرموت تنمية استثنائية جديرة بثراوتها وتاريخها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى