نزار غانم.. ابن الوز عوّام

> فضل النقيب:

> لم أتعرف على الدكتور نزار محمد عبده غانم عن كثب كثيرا، ولكنه في السماء اليمنية من الذين يقال عنهم: «وهل يخفى القمر؟!».. ذلك أنه ليس كل من يتكلم عن القمر يكون قد صعد إليه مع (يوري جاجارين)، أو شاهده بصحبة (قيس وليلى).. على كل حال لابد من كلمتين عن الوز قبل ابنه العوام امتثالا لقول المتنبي:

أنا ابن من بعضه يفوق أبا الباحث

والنجل بعض من نجله

والأستاذ محمد عبده غانم ملأ الدنيا وشغل الناس- ومايزال- بإنجازاته التربوية وكفاءاته الإدارية وأبحاثه الأدبية وإسهاماته الفنية، وقد سبق لي أن كتبت عنه ضمن (نجوم عدن) في جريدة «الأيام» الغراء، ولا أظنني أوفيته أو سوف أوفيه حقه، لأن تأثير بعض الشخصيات الفذة في حياة الناس يستعصي على الإحاطة، فـ (الكاريزما) التي كان يتمتع بها أستاذنا الراحل هي ذلك المزيج من الموهبة وعراقة المنبت والنار المقدسة التي يشعلها التحليق في السماوات العالية، إضافة إلى إسقاطات وإلهامات البيئة الحاضنة التي كانت في عدن في الأربعينيات والخمسينيات تبشر بانبلاج فجر بألوان قوس قزح، وكان لارتباط الدكتور محمد بعميد الوطنيين ورائد الصحافيين الأستاذ محمد علي لقمان وابنه المبدع الرومانسي المميز علي محمد لقمان الأثر الكبير في أن يكوّن مجموعة مواهب في إهاب واحد.

ولعل زواجه من كريمة المجاهد الأستاذ محمد علي لقمان قد جعل من العوّام الدكتور نزار غانم هذا الحقل الربيعي الفريد بأزهاره، حيث شرب من منهلين، من جهد أمه وأبيه (يرحمهما الله)، فهو باحث في الموسيقى كأبيه الذي بحث في شعر الغناء الصنعاني، فللدكتور نزار كتاب (البحث في تاريخ الموسيقى في اليمن والحضارات المجاورة) و(مصادر دراسة الطب البديل في اليمن) و(جذور الأغنية اليمنية في أعماق الخليج) و(أصالة الأغنية العربية) و(الرقصات الأفرويمنية) و(جسر الوجدان بين اليمن والسودان).

ومع ذلك فإنه قد أدرج اهتماماته هذه في إطار الهواية التي تروّح عن النفس وعن الناس وتمسح غبار الزمن عمّا ران عليه فأصبح كدرا بعد أن كان عذبا زلالا.. أما المهنة الحقيقية لنزار فهي الطب، حيث يعمل أستاذا في جامعة صنعاء في قسم طب المجتمع لتدريس مادة (الطب المهني)، وهو تخصص نادر في مجتمع بالكاد يعترف بقيمة طب الأمراض الحديث، فكيف بالطب المهني.. وللدكتور نزار اهتمامات أخرى كالبحث في العمل الثقافي الاجتماعي وتاريخ الطب في اليمن، والندوات والمؤتمرات.

قبل أسبوعين اتصل بي الدكتور نزار من إمارة الشارقة وتواعدنا على لقاء، لم تتح لي ظروف مرضي أن أتفرغ لإنجازه رغم الأشواق.. ولكنني شاهدت الدكتور نزار على ثلاث فضائيات متحدثا ومتبحرا ومتنقلا من فرع إلى فرع، ومن علم إلى فن، فقلت: هذا أنموذج مشرّف للمواطن اليمني المتعلم الذي يشبه العطار لاتأتيك من جهته إلا الرائحة الزكية.. ذلك أن الكثير من العينات التي تصل من بلادنا تحت مسميات شتى تفوح رائحتها بما يجعلنا في مواقف غاية في الإحراج، ولا داعي للتفاصيل، فهذا معلوم من الارتزاق بالضرورة!.

وللدكتور نزار أخ شقيق هو د.شهاب غانم، يحمل جنسية دولة الإمارات العربية الشقيقة، ويعد من نجوم الصحافة والترجمة والبحث هناك، وله أعمال كثيرة منشورة، بينها ترجمات نادرة لأشعار من العربية إلى الإنجليزية، وهو إلى جانب كل ذلك جمّ التواضع، وقد قرأت له كتابا قيما مرجعيا عن الشاعر علي محمد لقمان، يحمع بين العذوبة والعمق والاستقصاء والطرافة، وقد كانت صلته الحميمة بالشاعر (أبو زوجته) قد مكنته من الحصول على مواد نادرة، وهو كأخيه (نزار) شاعر، و«من شابه أباه فما ظلم!».

في إحدى المرات وقع بين يدي كتيب صغير في غاية الطرافة لشقيقه د.عصام، يمكن أن نقول عنه إنه ينتمي إلى المدرسة الجاحظية في تاريخنا، حيث كتابات الجاحظ عن البخلاء وأصحاب العاهات المهنيين والصيادين في شوارع بغداد العباسية وحاراتها الخلفية، وكان الكتيب بعنوان (حافة اركزه)، وهي إحدى حارات مدينة (التواهي)، ويبدو أنه كُتِب من ذاكرة غنية بالتفاصيل، وقد حاولت البحث عن الكتيب في مكتبتي فلم أعثر عليه مع الأسف.

وللدكتور نزار ما أسماه الطريقة (السومانية) أي السودانية اليمانية، ونحن نعلم أن الطرق الصوفية في السودان تملأ ما بين ضفتي نيله، وبما أن الدكتور وأسرته قد عاشوا ردحا من الزمن في ذلك البلد المضياف، فسوف يعود إليه حينا بعد حين بجسده وروحه وبساط الريح السوماني.

أردت بهذه العجالة أن أحيي الدكتور نزار محمد عبده غانم ليس إلا، وأحثه على المزيد من الغوص وإخراج اللآلئ.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى