تحت المطر!

> عبدالقوي الأشول:

> لسنا على صهوة كوكب مختلف بعيدين عن الأنواء ونتائج تقلبات المناخ الحادة بما كشفت عنه من أعاصير وفيضانات وزلازل وتصحر وندرة مياه.. نحن على ظهر كوكب الأرض التي هي - بحسب قول العلماء - في حالة غير مسبوقة من التقلبات المناخية، وأخطارها التي تتجاوز نتائجها التوقعات كافة.

هكذا عرف الإنسان غضب الطبيعة، محاولا في شتى حقب التاريخ كشف أسرارها وتجنب ويلات غضبها العارم، ومع ما تحقق على الصعد العلمية من إماطة اللثام عن جوانب تلك الإسرار، إلا أنها - أعني الأرض - مازالت تطوي في مكوناتها أسرارا وأنواء وخيرات لاحدود لها!

عبث الإنسان بمحيطه الأرضي تبدو نتائجه اليوم كارثية ومأساوية.. ولسنا بعيدين عن كل هذه التأثيرات التي تطال استقرار التجمعات البشرية بكل ما تحمل من نذر كوارث وأنواء تتجاوز آثارها التدميرية كل التحسبات المسبقة.. الجميع - دون شك - شركاء في صيانة بيئة الأرض، فحالة الاضطراب لهذا الكوكب أظهرت خلال السنوات القليلة الماضية عمق الخطر الذي يكتنف سكان الأرض في كل مكان، أغنياء وفقراء، وإن كانت الآثار بالنسبة للبلدان الفقيرة أشد وأمضى، بحكم الواقع الاقتصادي الذي لا يمكنه تحمل مثل هذه النتائج التدميرية التي تطال بيئة الإنسان، سكنه، عيشه، وكل ما يرتبط بالأرض وخيراتها.

والمؤسف أن نرى مثل هذه البلدان لا تتحسب لنتائج تلك الأخطار، فها هي حضرموت اليمن تغوص في طوفانها غير المألوف، طوفان أظهر قدرا مهولا من أخطاء التخطيط لمشاريع البنى التحتية من طرقات وجسور ومنشآت سكنية، مما يجعل الخسائر تبدو أكثر من مضاعفة، كاشفة عن وضع هو أبعد من الاحتواء والتقليل من مخاطره الجسيمة على السكان وممتلكاتهم.. وضع لا نستبعد تكرار هيئته في أي من محافظات الوطن التي مورست فيها العشوائية والعبثية نفسها في تنفيذ مشاريع استراتيجية بكلفة المليارات، ليتبين بعد تنفيذها افتقارها إلى المقاييس المتعارف عليها، وكأن واقع الحال لدينا لا يكتفي بما نحن فيه من معاناة وعبث بالأموال العامة والمقدرات الاقتصادية.. أي أن فاتورة الفساد لابد أن تكشف في جوانبها المتنوعة عن عمق مأساتنا، كشعوب وضعها القدر في فك الأنواء بكل تنوعاتها .. أي أن فاتورة الفساد مفتوحة على مختلف الاتجاهات، ولابد أن نخشى المطر عوضا عن الاحتفاء به، فهو لا يأتي إلا لمحة لمزاورة أحيائها العتيقة بهيئة ركاماتها الشائخة!.. فكيف نحتفي بالمطر في ثنايا أحياء بمساكن متداعية، مدن لم تشهد منذ عقود حلا لمشكلة السكن المقيمة لدى أبنائها ممن فقدوا كامل الأمل بحلم العيش في أكناف أحياء مؤهلة.

وقد يكون المطر - ولا أقصد الطوفان - إذا ما اشتد هطوله على هذه الأحياء البائسة أكثر قدرة على كشف المستور وموارة واقع لا يمكن احتماله في واقع السكان فاقدي الحيلة.. فعدن أليست في مرمى الخطر ؟!

قديما قالوا «طريق السيل للسيل»، بما معناه وإن بت آمنا في مجرى السيل ردحا من الزمن، فأنت مع ذلك لست بعيدا عن الخطر.. فمساوئ التخطيط في مثل هذه المدينة، وعبث ما حدث لأراضيها ومنافذ السيول وشواطئها، ستكشف عن وضع مأساوي، مع أملنا ودعوتنا أن لا يحدث ذلك!.. لأننا للأسف افترضنا مع كل ما حدث أن لا يسقط المطر، وهنا أذكر ما كنت قد حفظته في سنوات التعليم الابتدائي:

سقف بيتي حديد

ركن بيتي حجر

مع يقيننا أننا تحت سقوف لا تحتمل المطر، لذلك نبدو أشد توجسا عند نذر الأجواء الممطرة، وفي مدينتي لا نحتفي بالمطر!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى