> «الأيام» علوي بن سميط/ عبدالله بن حازب/ محمد الحداد/ عمر فرج عبّد/ مجدي محمد بازياد/ ناصر الساكت:

أوان خزفية منزلية من بقايا مستوطنة بور القديمة
أوان خزفية منزلية من بقايا مستوطنة بور القديمة
في الوقت الذي لم تعد هناك معالم بارزة من منازل متسعة جرفتها السيول بغرب ووسط وشرق وادي حضرموت، وأضحت قرى آكاما وقاعا صفصفا، كشف السيل أيضا منازل كانت مطمورة تحت الطين على أعماق في الأرض في مدينة بور نحو 12 كيلومترا شرقي سيئون وتحديدا في المسيال أو الوادي الذي يتبع بور (صوح).. فكيف كشفت هذه المنازل الصغيرة؟

المنطقة تبعد عن مركز بلاد بور بـ1،5 كليو، ويحرثها السكان عقب كل سيل، وهي أرض ربه خصبة تروى بمياه السيول والأمطار، وعقب كل سيل يمر بهذه المنطقة، وبعد أيام من جفاف وجريان السيول، يبدأ الناس ببذرها وزراعتها، وهذه طريقة لزراعة أراضي (الربة) بكل وادي حضرموت، ولكن لم يشاهد سكان بور منذ ما يزيد على قرن- بحسب أخبار كبار السن لنا- تلك البيوت. وكالعادة وبعد السيول يذهب أصحاب الأرض ويحرثونها ويلقون البذور بباطنها.

المنازل التي كانت مطمورة كشفها السيل الأخير بمستوطنة بور القديمة
المنازل التي كانت مطمورة كشفها السيل الأخير بمستوطنة بور القديمة
أمس توجه أهل المنطقة لذلك الغرض، كما هي العادة بعد السيول ليفاجأوا أن المنطقة أظهرت لهم معالم أخرى.

يقول الأخ محمد حمود باجري عضو المجلس المحلي لسيئون من أهالي بور: «إن الشيخ جعفر باجري على الفور أخبر هيئة الآثار بوادي حضرموت الذين حضروا ولم يحددوا تحديدا عمر المنطقة، إلا أنهم رفعوا مشاهدتهم، كما أبلغ المشايخ والأعيان الأمن الذي حضر أيضا».

ويقول محمد باجري: «إن الوضع في المنطقة كما تشاهدون أثار الاندهاش، والآن رتبنا مع الأهالي لتأمين هذا الموقع خوفا من أن تمتد له أيادٍ عابثة».

عمود حجري لمعبد أو سد أو منزل كشفه السيل في بور
عمود حجري لمعبد أو سد أو منزل كشفه السيل في بور
كان الأخ محمد خير معين لـ «الأيام»، وتوجهنا بصحبته من بور إلى الموقع، والناس جميعا يستنتجون بعد مشاهداتهم إلا أنهم- كما قالوا- لايعلمون أن تحت الأرض منازل حتى ما قبل يوم 24- 25 أكتوبر الماضي، الذي بدأت فيه سيول الطوفان تتدفق من أعلى وادي حضرموت غربا وأودية فرعية جنوب الوادي. وقالوا أيضا: «علمنا وشاهدنا كثيرا من قرى الوادي التي جرفتها السيول، ومحيت أو طمرتها وغطتها الأوحال والطمي».

تجدر الإشارة إلى أن بور لم تكن من المناطق المتضررة، على الرغم من وقوعها على ضفاف الوادي الرئيس لحضرموت، وتمر من أمامها السيول المتدفقة من أعلى حضرموت.

آثار فحم وسط منزل قديم اكتشف أمس
آثار فحم وسط منزل قديم اكتشف أمس
هكذا كانت «الأيام» شاهدة أمس على منطقة بادت منذ زمن طويل، أزاح عنها سيل نجم (الحوت) الأسبوع الماضي الأطيان وأخرجها من تحت الأرض التي اختفت بباطنها، ربما من مئات السنين أو حتى في العصور الأولى قبل الميلاد أو بعد الميلاد، فالروايات التاريخية في عدة كتب ذكرت أن (بور) قديمة.

ويعود تاريخها بالفعل إلى ما قبل الميلاد، بل إن بعض المصادر تذكر أن (بور) هي أرض قوم (الرس)، وعموما فإن تحديد عمر هذه المنازل وبعض الأدوات الخزفية التي بداخلها التي كشفها السيل بالطبع سيكشف لعلماء الآثار عمرها الزمني، فلعلها امتداد لمنطقة (بور) الحالية، أو هي من مساكن العصور القديمة، إذ إن (بور) و سيلة صوح من المناطق القديمة - الحديثة.

52 منزلا مهدما كليا وجزئيا في ضواحي حصن آل كوير والمريغات والخديد والقرى المجاورة لها

تواصلا للزيارات الميدانية التي تقوم بها «الأيام» لمخميات منكوبي الأمطار والسيول للوقوف على الواقع ونقل الحقائق، واستطلاع ما خلفته الكارثة ونتائجها ومتطلبات المتضررين ومطالبهم قمنا أمس بالنزول إلى المناطق الغربية بمديرية القطن، وتحديدا ضواحي حصن آل كوير والمريغات وقراها (الهجلة، الحوطة، ناصرية، الوجيب، بئر شرمون، الخديد- الشرقي والقبلي).

المستوطنة القديمة في بور التي كشفها السيل أمس
المستوطنة القديمة في بور التي كشفها السيل أمس
وبلغ عدد البيوت المهدمة كليا في تلك المواقع 36 منزلا و16 منزلا غير صالحة للسكن. وتضررت 127 أسرة تضم 456 فردا، إضافة إلى جرف أغنام وآبار وأراض زراعية، وتهدم مدرسة للتعليم الأساسي تضم كل القرى.

وإلى تلك القرى سلكنا طريقا ترابيا مؤديا إلى المريغات والقرى المجاورة لها التي أصبح بعض منها في خبر كان، وأثناء السير بمعية الزميل المصور خالد بلحاج ودليلي الرحلة الأخوين حامد بن الشيخ أبوبكر وفوزي بن سحاق، اللذين رويا لنا كيف كانت هذه القرى، وكيف أصبحت بعد أن حاصرتها الفيضانات لأكثر من 3 أيام، وعزلت قراها عن بعضها وساكنيها عن أقاربهم وجيرانهم الذين يشاهدونهم من قرب، ولم يستطيعوا معرفة أحوالهم أو الوصول إليهم، حتى الحواجز والسدود الترابية وإن كانت محمية بأشباك الجابيون المرصعة بالحجارة إلا أنها لم تصمد أمام السيول الوافدة من الأودية والهضاب.

أدوات حجرية منزلية لمستوطنة قديمة أظهرها السيل في بور
أدوات حجرية منزلية لمستوطنة قديمة أظهرها السيل في بور
التقينا في البدء بالأخ محمد عبدالله بن سحاق جالسا تحت ظل شجرة بجانب سيارته ينظر يمنة ويسرة، تارة إلى ركام وأنقاض البيوت وتارة إلينا، وبعد التحية وتقديم واجب المواساة والتهنئة بالسلامة قال: «صراحة لم أتوقع- والجميع كذلك- أن حركة السيول بهذا الحجم، تشاهدون أمامكم بيوتا كثيرة مهدمة، وبيوت هاتين القريتين مهدمة كليا، وبعضها غير صالح للسكن، نذكر أن سيولا مرت هنا كثيرا على مدى ثلاثين عاما، ولكنها ليست بهذا الحجم.. إنها فيضانات بمعنى الكلمة».

انضم إلينا في الحديث الشاب لطفي فايز بن كوير (مغترب): «حضرت بعد أيام من الكارثة لزيارة الأهل والأقارب للاطمئنان على سلامة الجميع.. المواقع غير صالحة الآن للبناء، والأهالي حددوا موقعا بديلا لبناء بيوت جديدة أسفل الجبل، لأن البيوت القديمة في مجاري السيول أو بجانبها، على الرغم من إقامة حواجز ودفاعات ترابية لها».

أهالي بور يشاهدون أمس المنطقة المكتشفة
أهالي بور يشاهدون أمس المنطقة المكتشفة
كما تحدث مواطن في العقد الخامس من العمر والألم والحسرة باديان على وجهه بقوله: «الخيام استلمناها ناقصة، حتى اليوم 16 خيمة فقط للجميع، ونحن في حاجة لأضعاف أضعاف العدد، فأين بالله عليكم نسكن؟! لا مواد إغاثة كافية ولا أغذية كافية، فهي قليلة، والأسبوع الماضي لم نستلم أية معونة لا من الدولة ولا من الجمعيات، وهناك مؤسسة البادية وجمعية المجتمع قدمت معونات، ونحن فقدنا كل شيء!».

وأضاف الشاب محمد سالم بن كوير: «خدمات المياه والكهرباء أوصلت إلينا بعد خمسة أيام من الكارثة والحمدلله، ومشروع المياه أهلي، ونطالب بزيادة مواد الإغاثة والغذاء، ونطالب الدولة والسلطة بتنظيم تسلم مواد الإغاثة واستكمال النقص الموجود بصورة عاجلة، وسرعة النظر في تعويضات المتضررين، وشكرا لـ «الأيام» الوسيلة الإعلامية الوحيدة التي تكبدت عناء الوصول إلينا».

منزل مدمر غرب القطن
منزل مدمر غرب القطن
تجولنا داخل ركام وأطلال البيوت، وشاهدنا أحد المواطنين جالسا أمام بيته، وهو الأخ أحمد سعيد بن سحاق (60 عاما) قال لنا: «لي بيتان تهدما كليا، ونحن خمس أسر (28 فردا)، ونحمد الله أننا لم نكن في البيوت حينها، وهذا الديوان الإسمنتي لايزال صامدا، وقد دخلت إليه المياه، والتجأت إليه عائلات، وصعدت إلى الأعلى بعد أن هربت من بيوتها، وجرفت مزرعة بالكامل، وغمرت المياه بئرها وجرفت مضخة من موقعها، إضافة إلى مولدين للكهرباء، ونحن لم نستلم أية معونة أو مواد إغاثة، ونطالب بسرعة التعويض العادل عن ممتلكاتنا، ونقوم بأعمال البحث تحت الأنقاض لما تبقى من ممتلكاتنا بجهود ذاتية».

بعدها تحركنا إلى القرى المجاورة حصن آل كوير والخديد الشرقي والقبلي، ورأينا المدرسة الوحيدة حطاما، وهي التي يأتيها التلاميذ من كل القرى المجاورة، لاتزال الدفاعات الترابية بارتفاع 3 أمتار باقية إلا أن الفيضانات تجاوزتها ووصلت إلى المدرسة، كما أن هناك ثلاثة مساجد صغيرة مهدمة، وبحاجة لبناء.

الأضرار بمنطقة المريغات بمديرية القطن
الأضرار بمنطقة المريغات بمديرية القطن
كان بودنا أن نجد أعضاء لجنة الإغاثة والحصر في المنطقة إلا أنهم رحلوا في الصباح الباكر، وبعد متابعات مستمرة التقينا الشاب عبدالله سالم بن كوير عضو اللجنة الذي أفادنا مشكورا: «كما رأيتم 36 منزلا تهدمت بالكامل، وتضرر 16 منزلا بأضرار مختلفة، وهي غير صالحة للسكن، و127 أسرة تضررت في كل قرى المنطقة (حصن آل كوير، المريغات، الخديد) تضم 456 فردا، ونفوق 600 رأس من الأغنام، ولايزال بعضها تحت الأنقاض، وغمر أراض وآبار زراعية و260 خلية نحل ومدرسة و3 مساجد، نحن في اللجنة استلمنا 16 خيمة، ونطالب بشكل عاجل بتوفير 50 خيمة».

كما حكى لنا عضو اللجنة قصة قائلا: «أجبرت السيول العارمة 4 رؤوس من الإبل على البقاء وسط الفيضانات، واستطاع صاحبها مبارك يسلم شظي بمساعدة الأهالي في اليوم الثاني الوصول إليها والمياه تغمر أجسادهم إلى أكتافهم، وتمكنوا من إنقاذ الإبل، ونطالب الدولة باستكمال النقص من مواد الإغاثة وحماية البيوت في القرى المجاورة بعمل دفاعات تمكنها من مقاومة أي سيول مستقبلا».

متضرر بمنطقة المريغات يرفع مولدا زراعيا
متضرر بمنطقة المريغات يرفع مولدا زراعيا
أمين عام محلي غيل باوزير: أضرار كبيرة خلفتها الأمطار والسيول

أوضح لـ «الأيام» م.أحمد سليمان بانصر أمين عام محلي مديرية غيل باوزير بمحافظة حضرموت أن «الخسائر التي خلفتها الأمطار الغزيرة والسيول الجارفة التي شهدتها مديرية غيل باوزير كانت كبيرة».

وقال: «إن عملية حصر للخسائر جرت على مستوى المديرية أظهرت النتائج التالية:

ـ 7 حالات وفاة، وتهدم 20 منزلا تهدما كليا و1003 منازل تهدما جزئيا، 489 منزلا أضحت آيلة للسقوط، 577 منزلا تعرضت للتصدع والتشقق.

ـ جرف 68 مزرعة و35 فدانا من المحاصيل الزراعية، نفوق 97 رأسا من الجمال و243 رأسا من الغنم، تضرر 13 قاربا وعدد من معدات الصيد، جرف 7 سيارات من مناطق مختلفة في المديرية.

من دمار السيول غرب القطن
من دمار السيول غرب القطن
ـ تضرر وحدتين صحيتين و12 مسجدا و6 مدارس وعدد من الطرق في العديد من أحياء المديرية».

وقال م.بانصر إن هناك جهودا تبذل من قبل السلطة المحلية في المديرية ومن جميع الخيرين في المجتمع من أجل التغلب على الأضرار التي خلفتها السيول في المديرية.

مخاوف من انهيار عدد من البيوت القديمة في غيل باوزير

أبدى عدد من المواطنين في مدينة غيل باوزير مخاوفهم من انهيار عدد من البيوت القديمة، التي أصبحت بعضها خالية من السكان منذ فترة طويلة، وهي تقع في مواقع مرور الناس. وقد جاءت تلك المخاوف بعد الأمطار الغزيرة التي شهدتها مدينة غيل باوزير مؤخرا، وتعرضت بعضها إلى سقوط في بعض جدرانها، ومساء أمس سقط أحد الجدران لمنزل قديم، إلا أن الله لطف بعباده، حيث كان الشارع خاليا من المارة.

متضررون وخيم بحصن آل كوير
متضررون وخيم بحصن آل كوير
وعلمت «الأيام» أن هناك جهودا تبذل من قبل م.أحمد سليمان بانصر الأمين العام للمجلس المحلي لمديرية غيل باوزير، حيث تم صباح أمس تشكيل لجنة لحصر هذه المنازل، وتقوم هذه اللجنة بمعية فني بحصر جميع المنازل المهددة في مدينة غيل باوزير وضواحيها التي هي الأخرى فيها عدد من البيوت الآيلة للسقوط.

أضرار وخسائر مادية كبيرة تكبدها صيادو جمعية حساي وثمنون بالمسيلة

أفاد «الأيام» الأخ البرك بن سعيد الكثيري رئيس جمعية حساي وثمنون التعاونية السمكية التنموية بمديرية المسيلة محافظة المهرة بأن الأمطار والسيول التي شهدتها المديرية مؤخرا ألحقت بصيادي الجمعية خسائر مادية كبيرة وأضرارا بالغة في المعدات ووسائل الاصطياد.وأضاف: «قدرت هذه الخسائر بأكثر من 56 مليونا و450 ألف ريال حسب أعمال الحصر الأولية.

تمثلت في جرف وإتلاف كميات كبيرة من إنتاج الصيادين من (العيد) المجفف خاصة في منطقة عريوط، وهذه الكميات تقدر بنحو 10.300 كيس، تبلغ قيمتها 22 مليون ريال، كذلك دمرت نحو 1000 سخوة شروخ وصيد وشباك ومكائن بحرية، وتدمير كلي وجزئي طال قوارب الصيادين وساحة إنزاك الأسماك، وتصل تكلفة هذه المعدات إلى 34 مليونا و500 ألف ريال».

من دمار السيول بمديرية القطن
من دمار السيول بمديرية القطن
وأشار إلى أن «الصيادين المنتسبين للجمعية تكبدوا خسائر باهظة أكثر من غيرهم من صيادي الجمعيات الأخرى، لأن مديريتنا المسيلة الأكثر تضررا من كارثة السيول والأمطار، والآن أصبح الصيادون المتضررون- وهم الغالبية- مهددين بالبطالة والتوقف عن العمل إذا لم تسارع الحكومة والجهات المختصة بتقديم الدعم والعون والتعويضات العادلة لهم، لأن وسائلهم أتلفت وهي مصدر دخلهم الوحيد».

واختتم الأخ البرك الكثيري تصريحه بالقول: «إن الأضرار والخسائر التي أصابت الصيادين كبيرة الحجم وفوق إمكانيات الجمعية، وإننا نطالب بسرعة العمل على تعويض الصيادين المتضررين حتى لاتكون الكارثة أكبر وخسائرها أكثر».