أوباما رئيسا للولايات المتحدة.. لو ترشح في اليمن لرفض قبوله

> د. محمد علي السقاف:

> الفوز الساحق الذي حققه باراك حسين أوباما في انتخابات الرئاسة الأمريكية في نهاية الأسبوع الماضي يعتبر نقطة تحول كبيرة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية ورسالة قوية موجهة إلى الداخل اليمني.

فهو أول رئيس أمريكي أسود يدخل إلى البيت الأبيض، من أب أفريقي مسلم من كينيا هاجر من بلده إلى الولايات المتحدة لاستكمال دراسته في علوم الاقتصاد بعد أن حصل على منحة دراسية بجامعة هاواي، وهناك التقى بـ(ستانلى آن) الأمريكية البيضاء المسيحية التي أصبحت فيما بعد أما لولده (باراك) الشهير بأوباما، وقد شرح أوباما أن اسمه الشخصي «يختصر صفات الولايات المتحدة، حيث أعطياني والداي اسما إفريقيا باراك الذي يعنى (مبارك)». ولد أوباما في (هونولولو) بهاواي عام 1961، درس القانون في جامعة (هارفرد) إحدى أعرق الجامعات الأمريكية، وكان أول سيناتور أسود في مجلس الشيوخ عن ولاية (ايلينوى) منذ عام 2005، وها هو الآن يصبح أول رئيس أسود من أصول إفريقية يكسب أهم منصب في العالم هو منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أقوى وأكبر دولة في العالم.

هناك تجربة مشابهة نوعاًما لنجاح أوباما هي تجربة نيكولا ساركوزي من أبوين غير فرنسيي الأصل الذي تقلد منصب رئاسة فرنسا في مايو 2007. وبين التجربتين الفرنسية عام 2007 والأمريكية في 2008 جرت انتخابات الرئاسة في دولة اليمن السعيد عام 2006 وتمثل المحطة الثالثة لانتخابات الرئاسة منذ عام 1994 برغم تحديد دستور 1994 مدة الولاية الرئاسية بدورتين فقط!! ولقد كان ترشيح الدكتور عبدالرحمن البيضاني للانتخابات الرئاسية كاشفا للموروثات الثقافية لمجتمع محافظ ونخبة سياسية حاكمة غيرت مبادئ ثورة سبتمبر 1962، بل غيرت وحرفت توجهات الأحرار الدستوريين كالنعمان والزبيري لتضفي على النصوص الدستورية بعدا عنصريا وتمييزيا بين المواطنين للحفاظ على احتكار بعض النخب للسلطة بشكل فج وصريح دون أي مراجعة وتغيير جذري لهذا التوجه. فحين تقدم الدكتور عبدالرحمن البيضاني بطلب الترشيح لرئاسة الجمهورية اليمنية استبعد طلبه في المرحلة الأولى من فحص الترشيحات للتأكد من انطباق الشروط الدستورية على المرشحين في اجتماع مشترك لهيئتي رئاسة مجلس النواب ومجلس الشورى وفق الفقرة (ب) من المادة (108) من الدستور في حين غالبية بقية أسماء المرشحين الذين تتوفر فيهم الشروط وفق الفقر (ج) من المادة الدستورية نفسها عرضت على الاجتماع المشترك لمجلس النواب والشورى للتزكية. السؤال هنا لماذا تم اتخاذ قرار استبعاد الدكتور البيضاني منذ البداية ماهي الحيثيات والحجج التي استندت إليها هئيتا رئاسة المجلسين لتبرير رفضهما؟ وهنا يعود الفضل للدكتور البيضاني الذي أصر أن يكون قرار الرفض مسببا بدلا من اكتفائه بإبلاغه شفويا بأسباب الرفض. وفعلا قامت هيئتا رئاسة مجلسي النواب والشورى بتقديم تفسيرها في البيان الذي أصدرته والمنشور في صحيفة «الثورة» بتاريخ 21 يوليو 2006م، والذي جاء فيه بعد التذكير بشروط المادة (107) من دستور اليمن أن يكون المرشح لمنصب رئيس الجمهورية من والدين يمنيين (ب) وأن لا يكون متزوجا من أجنبية وألا يتزوج أثناء مدة ولايته من أجنبية (الفقرة هـ) بناءً على ذلك، اعتبر بيان الهيئتين أن والدة الدكتور البيضاني غير يمنية وهو ما نفاه المعني بشدة بأن والديه يمنيان وكذا زوجته، وتقدم البيضاني بطعن أمام الدائرة الدستورية للمحكمة العليا ضمن طعون أخرى تقدم بها أربعة من طالبي الترشح للانتخابات الرئاسية، وكان طلب البيضاني الوحيد الذي رفضته الدائرة الدستورية نظرا «لعدم إثباته بأن والدته أمينة عبدالخالق وهبة تحمل الجنسية اليمنية» مضيفة أيضا أن القانون اليمني لايكسب الجنسية للزوجة بالتبعية مباشرة إلا بشروط المادة (11) من القانون رقم (6) لسنة 1990م! («الثورة» في 2006/7/24م) واللافت للنظر في هذا الرفض في إطار الجمهورية اليمنية التي تأسست على عمادتي الوحدة والديمقراطية، قبل النظام الشمولي عند إعلان النظام الجمهوري في 26 سبتمبر 1962م، أن يكون الدكتور عبدالرحمن البيضاني تحمل منصب نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، نائب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، بمعنى آخر كان بإمكانه في حالة حدوث مكروه حينها للرئيس عبدالله السلال أن يحل دستوريا ونظريا محله في موقع الرئاسة! في حين في عام 2006، بعد 44 عاما من قيام الثورة وفي ظل التوجه الديمقراطي يرفض طلبه، وتقبل طلبات عدد من المرشحين أغلبهم من الأميين أن ينظر في طلباتهم للرئاسة، ويرفض شخصية كبيرة مؤهلة بشهادات عليا من جامعة القاهرة وجامعة بون بألمانيا الغربية! وهنا لكان مصير أوباما لو كان أبوه الكيني من المغتربين اليمنيين ووالدته إفريقية من كينيا نفس مصير الرفض بعدم قبول طلبه للترشح، كما حدث للدكتور عبدالرحمن البيضاني!!

وفي بعض الدساتير العربية يكتفى بأن يكون المرشح للرئاسة من أبوين مصريين مثل الدستور المصري، ولكنه لم يشترط أيضاً أن لا يكون متزوجاً من أجنبية فهل تعتبر الزوجة أجنبية حتى لو حصلت على الجنسية اليمنية، كما اتبع نحو الدكتور البيضاني، ففي هذه الحالة سيعتبر ذلك إضافة غير موفقة. فهل علينا أن نذكر أن الرؤساء عبدالناصر والسادات ومبارك زوجاتهم أصولهن غير مصرية، ناهيك عن وضع الملوك الذين لا حاجة لهم إلى الترشح لاعتلاء قمة المنصب التنفيذي للدولة كالملك فاروق(زوجته إيرانية شقيقة شاه إيران)، والملك حسين (إحداهما مصرية وأخرى بريطانية) وهي أم الملك الحالي في الأردن، ناهيك عن بعض رؤساء العالم الثالث كراجيف غاندي (زوجته إيطالية) ونيكروما (مصرية) وليوبولد سنجور (فرنسية).. إلخ.

والسؤال المطروح هنا عن مصدر هذه التشريعات هل كانت تشريعات مثلها تطبق في الدولتين في الجنوب والشمال قبل الوحدة أم أنها استحدثت بعد قيام الوحدة؟

كما أوضحنا في مقال سابق حول قضية الدكتور البيضاني (صحيفة «النداء» بتاريخ 2006/7/26م العدد 65) وجود اختلافات جوهرية بين تشريعي دولتي الوحدة في الجنوب والشمال، فعلى مستوى الجنوب في دولة (ج.ي. د.ش) قضت المادة (7) من دستور 1978م بجواز انتخاب كل مواطن لمجلس الشعب الأعلى، وحددت المادة (79) من الدستور بأن ينتخب مجلس الشعب الأعلى في أول اجتماع له من بين أعضائه رئيس وأعضاء هيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى، وحدد قانون انتخابات مجالس الشعب رقم (9) لسنة 1989 في المادة (15) بحق الترشيح لكل مواطن يمني ذكراً أو أنثى.. لعضوية مجلس الشعب الأعلى.

إذن وفق هذين النصين من الدستور والقانون لم يضعا شروطا بأن يكون المرشح من أبوين يمنيين أو أن لا يكون متزوجاً من أجنبية.. في تجربة الشمال في دولة (ج.ع.ي) مع بداية قيام الثورة في الفترة -1962 1964 لم توضع شروط كالتي أشرنا إليها في ظل دولة الوحدة، ظهرت بداية الشروط المقيدة والمحافظة مع الدستور الدائم لعام 1964 على إثر انعقاد مؤتمر عمران لعام 1963 بتأثير القوى القبلية التقليدية والمحافظة التي اشترطت في من ينتخب رئيسا للجمهورية أن يكون يمنيا من أبوين يمنيين وأضافت إليهما شرطين آخرين المادة (75) من الدستور الدائم الثاني على إثر انقلاب 5 نوفمبر 1967م الذي أزاح الرئيس السلال من السلطة وتولى القاضي عبدالرحمن الإرياني محله بأن طلبت ممن ينتخب رئيسا أو عضوا للمجلس الجمهوري أن يكون من أبوين يمنيين محافظا على الشعائر الإسلامية وألا يكون متزوجا أويتزوج أثناء مدة رئاسته أو عضويته من أجنبية. ومما يؤسف له أن دستور الوحدة كدستور توافقي بين نظامين تشريعيين متناقضين أخذ في شروط انتخاب أعضاء مجلس الرئاسة بتلك الشروط التي وردت في دستور 1964 الـ ج. ع.ي واستكملها بعد حرب 1994م في الدستور بما جاء في دستور 1970 لـ ج.ع.ي فيما يخص الحفاظ على الشعائر الإسلامية.

هذا فيما يتعلق بشروط الترشح لانتخابات الرئاسة أما على مستوى مجلس النواب، فمع أن دستور الوحدة لم يشترط ويدخل موضوع الدين فإن دستور 1994م أضاف إلى شروط العضوية لمجلس النواب أن يكون المرشح «مؤديا للفرائض الدينية» وهي عبارة تختلف عن أداء الشعائر الإسلامية، وبناءً على ذلك اعتقد بعض المواطنين اليمنيين من الديانة اليهودية وفق دعايات صحيفة الحزب الحاكم «الميثاق» في عددها رقم (987) بتاريخ 2001/1/25م الداعية إلى التصويت (بنعم) للتعديلات الدستورية، وخطها بمانشيت عريض واستطلاع بين اليهود اليمنيين بأنهم سيقولون «نعم» للتعديلات الدستورية وسيشاركون بفاعلية في انتخابات المجالس المحلية واستناداً إلى هذه الحملة الدعائية تقدم بطلب الترشح لعضوية المجلس المحلي في مديرية ريدة في محافظة عمران المواطن اليمني اليهودي الديانة عازر إبراهيم الذي رفضت اللجنة العليا للانتخابات قبول ترشيحه وفق تصريح منصور أحمد سيف، رئيس قطاع الإعلام في اللجنة العليا للانتخابات حينذاك على أساس أنه «غير مسلم»؟ (راجع مقالينا في صحيفة «الحياة» اللندنية بتاريخ 2002/2/21) و«الأيام» في 2001/2/3).

وهناك أيضا تمايز واختلاف بين تشريعات الجنوب عن الشمال قبل الوحدة، وعلى مستوى التمايز بين المواطنين اليمنيين وفق كونه مواطنا يمني الأصل واليمني المتجنس في ممارسة الحقوق السياسية، ففي الجنوب لم يميز دستور وقانون انتخابات (ج.ي.د. ش) بين الحالتين في حين تشريعات ج.ع.ي لم تعط للمتجنس حق الانتخاب وفق قانون رقم (8) لعام 1975 إلا بعد مضي 5 سنوات من حصوله على الجنسية اليمنية ثم رفعت هذه المدة إلى الضعف 10 سنوات بموجب القانون رقم(28) لسنة 1980 لتصل إلى 15 سنة في ظل دولة الوحدة وفي ظل نظامها المفترض أنه ديموقراطي.

إن إحدى النتائج المروعة لحرب 1994 على مستوى النصوص الدستورية وبقية التشريعات مقارنة بدستور الوحدة التوافقي بين الشمال والجنوب إلغاء دستور 1994م ما نصت عليه المادة (27) من دستور الوحدة بأن «المواطنون جميعهم سواسية أمام القانون..ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو اللون أو الأصل أو اللغة أو المهنة أو المركز الاجتماعي أوالعقيدة» وهو النص الذي ورد قريبا منه في المادة (34) من دستور الجنوب لعام 1970 والمادة (35) من دستور1978م المستوحى من المادة (2) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948. إن إلغاء النص المذكور من دستور الوحدة واستبداله بنص دستور ج. ع. ي لعام 1970م «المواطنون جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة»، لهو ذو مغزى عميق يمثل استمرارية تقاليد وثقافة المؤسسة القبلية العسكرية التي بعد مؤتمر عمران لعام 1963 في دستور 1964، ألغت ما جاء في الإعلان الدستوري الأول الصادر في 1962/11/31 الذي ينص على «إلغاء التفرقة العنصرية واعتبار اليمنيين سواء أمام القانون» و«إزالة الأحقاد بين الزيود والشوافع» وتضمنه أيضاً بصيغة أخف الدستور المؤقت الأول بتاريخ 1963/4/13م القاضي بأن «اليمنيين لدى القانون سواء.. لا تمييز بينهم بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو العقيدة أو المذهب» وتختفي مثل هذه النصوص بعد ذلك بل يتم التعتيم على نص الإعلان الدستوري «بإزالة الأحقاد بين الزيود والشوافع» حتى على المستوى الأكاديمي في الكتب التي تتناول التطورات الدستورية في ج.ع.ي؟؟

إن استبدال دستور 1994م ماجاء في دستور الوحدة من ناحية شروط العضوية للترشح إلى مجلس النواب أن يكون المرشح مجيدا للقراءة والكتابة الهدف منه إلى جانب استبعاد النساء التي ترتفع بينهن نسبة الأمية، استبعاد أيضا غالبية سكان تهامة المنتشرة بينهم نساء ورجالا الأمية بشكل واسع. وذلك الشرط يذكر بما كان نافذا في الولايات المتحدة للحيلولة دون مشاركة السود في التصويت نظرا لارتفاع نسبة الأمية لديهم وبالتالي يجعل البيض هم الأغلبية في المشاركة في الانتخابات، لذلك وقع الرئيس ليندون جونسون في عام 1964 على قانون الحريات المدنية الذي يحظر التمييز استنادا إلى العرق أو اللون أو الدين أو الأصل القومي، وقد أوردت إحدى المواد الثلاث للقانون ضمانات إضافية لحق التصويت بإلغاء الاختبارات الهادفة إلى التأكد من مستوى درجات الأمية (Literacy Test) وفي اليمن ما حاولت ثورة 26 سبتمبر إلغاءه من التمييز بين المواطنين حسب المذاهب، وتطلعت الغالبية الساحقة بعد الوحدة إلى إحداث تغييرات كبيرة على مستوى تولي مناصب القمة الإدارية في الرئاسة للدولة، إذ لا الثورة ولا الوحدة استطاعت أو تستطيع لعقود قادمة أن تسمح بتولي الرئاسة لأحد أفراد المجتمع من الأقليات والمهمشين لأن المؤسسة العسكرية- القبلية ظمأها إلى الانفراد بالسلطة هو مفهوم راسخ في الذهنية القبلية في كل زمان ومكان حسب تعبير الدكتور أبوبكر السقاف في مقاله الأخير في صحيفة «الأيام» في 7-6 نوفمبر 2008م، وقد عبرت موظفة صينية في شركة أمريكية تعمل في بكين بعد نجاح أوباما الأمريكي الأسود بالقول:«رئيس صيني من أقلية اثنية؟ لن يحدث ذلك أبدا في الصين.. لن نرى رئيسا غير شيوعي في الصين قبل مئتي عام على الأقل» («الحياة» في 2008/11/7م) هذا التشاؤم ينطبق أيضا على مستوى اليمن، لكن الأمر نفسه لن يسري من دون شك في المناطق الأخرى التي لها موروث وتاريخ مختلف.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى