مشروع قانون السجل العقاري (فتنة) قادمة

> د.محمد حسين حلبوب:

> في دورته الحالية يناقش مجلس النواب مشروع قانون بشأن السجل العقاري، ويأتي هذا القانون ضمن مشاريع التعديلات على القوانين ذات الصلة بأعمال الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني، وهي الهيئة التي تم فيها دمج ثلاث جهات كانت تعمل منفردة هي:

1- الهيئة العامة لأراضي وعقارات الدولة (وكانت تعمل مستقلة وفقا لقانون أراضي وعقارات الدولة رقم (21) لسنة 1995م).

2- السجل العقاري (وكان يعمل مستقلا وفقا لقانون السجل العقاري رقم (39) لسنة 1991م).

3- التخطيط العمراني (وكان يعمل كقطاع تابع لوزارة الإنشاءات العامة والطرق (الأشغال العامة والطرق) وفقا لقانون التخطيط العمراني رقم (20) لسنة 1995م).

ويتكون مشروع قانون السجل العقاري (الجديد) من (174) مادة موزعة على (8) أبواب تشتمل على (23) فصلا، ويمكن تلخيص أهم ملاحظاتنا على مشروع هذا القانون بالتالي :

أولا: إن محتوى القانون يتجاوز شأنه، فبينما القانون (بشأن السجل العقاري) فإن محتواه شمل مجال (تثبيت ملكية العقار)، وهذا مجال آخر خاص بالسلطة القضائية.

ثانيا: إن مشروع القانون يتناقض مع نفسه، فبينما تؤكد المادة (6) على استقلالية وحيادية السجل العقاري، فإن مشروع القانون يجعل السجل العقاري تابعا للهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني، وهي جهة تتنازع مع معظم الملاك الآخرين.

ثالثا: إن (لجنة تثبيت الملكية) التي يشكلها مشروع القانون بموجب المادة (43)، ويعطي لها صلاحية محكمة ابتدائية، ويرأسها قاض يصدر به قرار من مجلس القضاء، هي في الأخير (لجنة) تابعة للسلطة التنفيذية ومعظم أعضائها من السلطة التنفيذية، والمادة ذاتها (43) تنص على أن اللائحة التنفيذية هي التي تحدد «كيفية تشكيل اللجنة وشروط عضويتها، ونظام عملها وإجراءات التصويت»، أي أن القاضي هنا لا يحكم، بل يرأس اللجنة التي تحكم وفقا لتصويت أعضائها.

رابعا: إن الأعضاء التابعين للسلطة التنفيذية في لجنة تثبيت الملكية، سيقعون في وضع حرج للغاية. وبافتراض نزاهتم، فإن إقرارهم بصحة أية وثيقة ملكية لآخرين سيضعهم تحت شبهة الفساد من قبل قيادة السلطة التنفيذية نفسها، مما قد يفقدهم مناصبهم الحكومية.

خامسا: إن (لجنة تثبيت الملكية) ما هي إلا تسمية قانونية لـ(لجنة ادعاءات الملكية في محافظة عدن)، وهي لجنة أثبتت التجربة فشلها. وقد تكرر تشكيلها خمس مرات، وكانت كل لجنة تأتي تلغي قرارات سابقتها، وتسعى إلى خدمة القوى السياسية التي شكلتها، ولم تنجح (لجنة ادعاءات الملكية) واللجان السابقة لها إلا في تقعيد حل مشكلة الأراضي في محافظة عدن وعرقلة الاستثمار فيها.

وكأعضاء لجنة ملاك الأراضي فإننا نهيب بكل أساتذة القانون والمحامين والمهتمين وذوي العلاقة بأن يعطوا آراءهم بمشروع هذا القانون، كما نطالب أعضاء مجلس النواب أن يتقدموا إلى مقدم مشروع هذا القانون بالتساؤلات التالية:

1- كيف يمكن تحقيق استقلالية السجل العقاري - كما تنص المادة (6) - في ظل تبعية للهيئة العامة لأراضي وعقارات الدولة، وهي المالك الأكثر منازعة للملاك الآخرين؟

2- ماهو الهدف من إعطاء (لجنة تثبيت الملكية) صلاحيات قضائية؟ ولماذا تخاف السلطة من الاحتكام إلى القضاء؟!!!

3- هل كان الهدف من دمج التخطيط الحضري، والسجل العقاري، مع الهيئة العامة لأراضي وعقارات الدولة، في إطار (أخطبوطي) يعمل وفقا لثلاثة قوانين، هو السعي لحل مشكلة الأراضي في اليمن بالكامل؟

أم كان ذلك بهدف محاصرة الملاك والمستثمرين في محافظات بعينها من جميع الجهات والاستيلاء على أراضيهم الخاصة؟

4- بعد منع القضاء في عدن من التدخل لحل مشكلات الأرض خلال الفترة منذ 1994م وحتى الآن!

وبعد أن تم وضع ملاك الأراضي والمستثمرين في محافظة عدن في (مصيدة) مُحكمة الحلقات فيها (القضاء ممنوع من التدخل لحل قضاياهم، والتوثيق والتسجيل لأي تصرف بالأرض ممنوع، واللجان السابقة غير معترف بقراراتها، واللجنة الأخيرة لم تستطع العمل، والوثائق الأصلية للملاك محتجزة لدى لجنة ادعاءات الملكية).. هل يعتقد مقدم مشروع هذا القانون بأن العودة إلى (النظام الشمولي) هي الحل؟!.. وهل يساعد هذا التوجه على تحقيق السلم الاجتماعي وتعزيز الوحدة الوطنية؟!

5- هل التجربة التاريخية مع الهيئة العامة لأراضي وعقارات الدولة بمستوى الشفافية المتدنية في عملها، وبدرجة انتشار الفساد الواسع فيها، يؤهلها لأن تكون جهة موثوقا بها ليتم إعطاؤها سلطة الحكم بين المتنازعين، وسلطة تحديد المالك الحقيقي من المزيف؟

وحتى نثبت لمن يعتقد بأن الهيئة العامة لأراضي وعقارات الدولة جديرة بأن تحظى بثقته، فإننا كمواطنين (نتحدى) أقول مرة ثانية (نتحدى) القائمين على أراضي وعقارات الدولة أن يردوا على الأسئلة التالية:

1- لماذا لا تنشر أراضي وعقارات الدولة كشفا يوضح عدد الأراضي المصروفة من قبلها؟ وكم هي مساحتها الإجمالية؟ وكم عدد المستثمرين الذين صرفت لهم الأراضي مباشرة ؟ قبل الحرب؟

وبعد الحرب؟ ومن هم ؟

2- لماذا لا تجمع أراضي وعقارات الدولة الإيرادات المستحقة للدولة لدى من صرفت لهم الأراضي ؟

لماذا تتواطأ معهم وتمهلهم عشرات السنين؟ لماذا لا تتشدد بالجباية إلا عندما يشتري الأرض - ممن صرفت لهم - شخص آخر، فتطلب منه أن يدفع إيجار عشر سنوات مقدما؟ لماذا تتواطأ مع الأول وتتشدد مع الثاني؟ هل السبب صعوبة المتابعة ؟

أم لأن معظهم من عناصر السلطة أو موظفي الهيئة؟

3- كم مساحة الأراضي التي حصل عليها الموظفون في أراضي وعقارات الدولة ؟ وهل يدفعون إيجاراتها؟ أم ينتظرون الدفع ممن سيشتري منهم ؟

4- ما هي الأسس المعتمدة من قبل أراضي وعقارات الدولة لصرف أراضي الدولة ؟ ولماذا تم الصرف لبعض المستثمرين في عدن بعقود استثمارية مجحفة (رسوم وشروط أقسى)، بينما تم الصرف لآخرين بعقود غير استثمارية مريحة؟ ولماذا تم سحب الأرض أو إلغاء المواقع الاستثمارية للمستثمرين قبل حرب 94م قبل أن يستلموا الأرض على الواقع ؟ بينما لا يتم سحب الأرض على المصروف لهم بعد الحرب؟

5- لماذا قامت أراضي وعقارات الدولة بصرف عقود تمليك في (عقارات دولة) لصالح (قيادين وافدين) استولوا عليها بعد الحرب بينما رفضت صرف عقود تمليك (لقياديين محليين) صرفوا لأنفسهم أراضي؟ هل السبب أن أراضي الدولة أهم من عقارات الدولة ؟ أم أن (القيادي الوافد) يختلف عن (القيادي المحلي)؟

في الأخير: أعزائي أعضاء مجلس النواب.. تذكروا (أن من أعان ظالما على ظلمه، سلطه الله عليه).. وفي الحديث القدسي:«قال تعالى ياعبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا..» إلى آخر الحديث.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى