الديمقراطية كلمة مُرة..

> جلال عبده محسن:

> إنه من صنف الرجال الذين يصعب تحولهم من موقف إلى نقيضه مع تغير الظرف والمناسبة وتتسابق الأقلام مفتشة بعض مواقفهم الشجاعة، وفي هذا الصدد يقول الأستاذ لطفي واكد:(في أكتوبر 1957م كنت رئيسا لتحرير جريدة الشعب لسان ثورة يوليو.

وفي أحد الأيام طلبني الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وأبلغني عن رغبته في تحية محدودة للاتحاد السوفيتي حينها كمجاملة بمناسبة عيد الثورة الروسية، واقترح تكليف د. لويس عوض بكتابة هذا العرض. وفعلا كلفته وأرسل المقال وذهب إلى المطبعة بلا مراجعة. وفي المساء وأثناء مراجعة البروفات قرأت المقال فوجدته يهين دور الحزب الشيوعي ويسلط الأضواء على تروتسكي، فوجدنا هذا المعنى غير محقق للهدف السياسي بمجاملة الحكومة السوفيتية، بل على العكس تماماً. فاتصلت به تلفونياً في منزله وناقشته في الأمر وطلبت منه بعض التعديلات حتى لا يكون هذا المقال في هذه الجريدة المعروفة بصلاتها الخاصة بعبد الناصر مبررا لإساءة العلاقات مع السوفييت، ولكنه رفض تماما أي تعديل، وقال إن ما كتبته هو ما أعتقد أنه الحقيقة، فإما أن ينشر كاملا أو لا ينشر.. فاضطررت إلى رفع المقال من الجريدة ووضع إعلانات مكانه.. وفي الصباح سألني عبدالناصر فذكرت له ما حدث فأبدى بعضا من الضيق ثم عاد وطلبني وقال لي لا تجعل هذا الموضوع يتسبب في إساءة علاقتك مع هذا الرجل، فرغم تصلبه، يبدو أنه نوع من الرجال لا يجوز التفريط فيه).

وبالرغم من أنها إساءة لثورة عالمية لدولة عظمى وأحد أقطاب القوى الثنائية في العالم آنذاك، مثلت رمزا لانتصار إرادة شعب نال بموجبه حريته من براثن التخلف والظلم والعبودية في العهد القيصري وغيرت مجرى الحياة السياسية فيها وكان لها تأثيرها الواضح على أجزاء كثيرة في العالم، إلا أنها ومن وجهة نظر ذلك الكاتب كانت عكس ذلك، وقوبل رأيه باحترام رئيس الدولة واعتبرت المسألة مجرد رأي شخصي يعبر عن وجهة نظر صاحبه ومن كاتب أبى إلا أن يكتب دون إملاء من الآخرين واستخلاص ما يعتقد بأنه صواب، وهو ما ينبغي أن يكون عليه كل صاحب رأي فيما يذهب إليه جهده الفكري وهو يتناول قضايا المجتمع الخاصة منها والعامة فهي القيمة الحقيقية والمحترمة لثقافته، كما لا قيمة لصحيفة إذا ما ظلت أفكارها متصالحة أو مفصلة على مقاس ثقافة سلطة أو حزب أو فئة، أو مبنية على المحاباة والمجاملة وما يعرف (بالنفاق السياسي) لاسيما من تلك القضايا المهمة التي تتعلق بقضايا المجتمع واعتلالات الواقع، وبقوت المواطن وأمنه واستقراره.

إن التعددية السياسية والرأي والرأي الآخر هي من نتاج الديمقراطية، وهي كلمة مرة بالفعل كما يقولون، ولكن تظل حتى مع مرارتها هي الخيار الأنسب وينبغي ألا تضيق صدورنا منها مادمنا ارتضيناها لأنفسنا في إطار المناخ السياسي المتعدد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى