الحكمة اليمانية في الصين

> محمد علي محسن:

> في تناولة الدكتور محمد حسين حلبوب الرائعة (بانتظار عودة الحكمة) كان العنوان قد أعادني إلى حكومة الأستاذ عبدالقادر باجمال والوفد الذي رأسه إلى الصين، إذ أطلق باجمال وقتئذ عبارة ساخرة في سياق إجابته عن طبيعة الزيارة للصين وذلك بقوله:(جئنا نعيد الحكمة اليمانية المسروقة من موطنها اليمن إلى الصين). الفرق هو أن الأول مازال في انتظار عودة الحكمة إلى السلطة بينما اكتفى الآخر بالحديث عن إعادة هذه الحكمة إلى وطنها، وفي كلا القولين هناك اتفاق على ضرورة عودة الحكمة سواء إلى السلطة أو البلد كافة.

باستثناء عنوان المقالة كانت معظم تلك المظاهر السياسية والاقتصادية مشاهدة وملموسة ولا خلاف لنا مع جل ما أورده الدكتور حلبوب من مظاهر الفشل التي جميعها أثرت وستؤثر على اليمن في قادم الأيام، وعلى وحدتها واستقرارها وتنميتها، بيد أننا هنا نخالف العزيز حلبوب حول طبيعة الدعوة لانتظار عودة الحكمة إلى السلطة، وبعد كل السنوات الزاخرة بالإخفاقات السياسية والاقتصادية والوحدوية والديمقراطية والناتجة في الأصل عن غياب الحكمة والإرادة السياسية لدى السلطة ذاتهــا المطلوب منا انتظار عودة الحكمة لها، وحتى لا نهدر الوقت والجهد فإنه يتحتم علينا عدم الانتظار لحين سقوط ما بقي من جدران الدولة الواحدة (الديمقراطية).

فشل السلطة القائمة في الحفاظ على الوحدة الوطنية وفي التعامل مع منظمـات المجتمع المدني ومع الحريات الإعلامية وفي تعاملها مع الأحزاب السياسية واحتكارها وسائل الديمقراطية، ناهيكم عن فشلها في مضمار الاقتصاد أو الحكم الرشيد الذي يستوجب مكافحة الفساد وتحكيم القانون والأنظمة وإشاعة مبدأ المساءلة والمحاسبة وتحسين الإدارة والخدمات وغيرها من شروط الحكم الرشيد ، التي جميعها تبددت وذهبت أدراج الرياح جراء غياب الإرادة والحكمة، كل هذه الأشياء ظلت حبراً على ورق وبمضي الوقت زادت الحاجة لها إلى أن وصلت إلى هذه الحالة المعيشية التي لاتقبل المزيد من الانتظار بل الحسم للمسألة.

فلماذا علينا ألاَّ ننتظر الحكمة؟ الواقع أننا خسرنا كثيراً ونحن على هذا النحو من الاعتقاد الخاطئ بوجود الحكمة أو بانتظار عودتها (الحكمة ضالة المؤمن فكل كلمة وعظتك وزجرتك ودعتك أو نهتك عن قبيح فهي حكمة وحكم) هكذا علمنا قدوتنا ومعلمنا ونبينا محمد عليه أفضل الصلوات والتسليم، كما أن هنالك مثلاً هنديــاً مفاده هو أن الملوك حكام الناس والحكماء حكام الملوك وعلى هذا الأساس فإنه من الظلم وضع الحكمة في غير أهلها أو منعها أهلها، فيظلموا، والقول للإمام علي كرم الله وجهه، إذ حال البلاد والعباد ليس بحاجة لإثبات عقلية وفكر وسلوك الإدارة القائمة اليوم والتي تعد امتداداً للأمس الذي انشغلنا بمحاكمته وتحميله كل تلك الكوارث والمآسي الواقعـة منذ قيام الثورتين حتى الوحدة وما تلاهـا من حروب أهلية.

النظام السياسي فشل في جميع النواحي السياسية والاقتصاديـة والوحدوية والديمقراطية، ما نشاهده حالياًِ يعد حصيلة لغيــاب الحكمة والإرادة السياسية القــادرة على قيادة شعب ووطن، فكيف لنا انتظـــار عودة الحكمة إذا كان واقع الحــــال نتاج سنوات من الفوضى؟

النظام للأسف لم يخضع نفسه لامتحان من أي نوع ولا توجد لديه رغبة حقيقية في خوض مثل هذا الاختبار، 18 عاماً على الوحدة توافرت فيها أكثر من فرصة لإظهار الحكمة فلم نجدها، 14 عاماً على الحرب في سبيل حفظ الدولة الواحدة مثلت أكثر من فرصة أمام النظام، لكنه آثر الفوضى على الحكمة، سبعة استحقاقات انتخابية - برلمانية ورئاسية ومحلية - لم يثبت فيها قط أي ممارسة يمكن اعتبارها دليلاً ديمقراطياً، بل وعلى العكس قضت على الآخر لحد العودة إلى الحزب الواحد، 11 عاماً على تفرده في الحكومة والبرلمان وحتى المديريات والمحافظات فلم نشهد فيها غير الانحدار والتراجع الاقتصادي والتنموي والخدمي، حل مجلس الرئاسة وتعديل معظم دستور دولة الوحدة، ومع الصلاحيات الممنوحة ومع السلطة المطلقة المتاحة للحزب الحاكم وحكومته كان جل ما حدث دليلاً على الفوضى، خمسة أعوام والنفط سعره في تصـاعد إلى أن وصل الفارق مابين سعره في الموازنــات السنوية وقيمته في السوق ثلاثة أضعاف، ومع المليارات العائدة على الخزينة لم يحدث قط ما يؤكد استغلال هذه المليـارات من الدولارات، ثماني سنوات على هجمات سبتمبر وبداية الحرب على الإرهاب ولا شيء يوحي بأن الدعم المقدم تم توظيفه في محاربة الإرهاب.. و.. و.. إلخ من القضايا والتحديات التي مازالت ماثلة لا يراد لها المعالجة والحل، ولعل التهريب وقرصنة البحر واحدة منها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى