دولة الارتجالية والجهالة ومخاطرها المقبلة

> د.محمد علي السقاف:

> الارتجالية والجهالة هما صفتان تلازمان عدداً من مجتمعات الدول النامية، بسبب التخلف وارتفاع مستوى الأمية فيها، واليمن أحد المجتمعات التي تجتمع فيها الصفتان معاً منذ أمد طويل من دون محاولات جادة لعلاج الظاهرة، ولعل السبب في ذلك يعود إلى أن مكونات الدولة نفسها مصابة بالداء نفسه.

وقد يرى البعض في ذلك أمراً طبيعياً يعكس أفراد المجتمع، الممثلين في أجهزة الدولة، وهذا صحيح إلى حد كبير، مع أنه من المفترض أن يكون الأمر مختلفاً نسبياً على مستوى النخب الحاكمة والمعارضة وبقية نخب المجتمع خارج مؤسسات الدولة.

وما نعنيه هنا بالارتجالية والجهالة يمس بدرجة أساسية السلطة التي هي جزء من مفهوم الدولة الأكثر شمولية واتساعاً من مفهوم السلطة، ولكن إذا ما اعتبرنا أن النظام السياسي النافذ في اليمن لايوجد فيه فصل حقيقي بين السلطات فإن تأثير السلطة الحاكمة لا يقتصر بارتجاليته وجهالته على أغلب مؤسسات الدولة التابعة له بل يمتد إلى بقية تكوينات وكيانات المجتمع اليمني، وسنتناول في هذه المقالة نماذج للسياسات الارتجالية ونماذج للجهالة في مواقف بعض الجهات الرسمية .

أولاً : الارتجالية في تحديد السلطة رؤيتها الدستورية والتشريعية

سنكتفي هنا بمؤشر واحد لقياس درجات الارتجالية في الرؤية الدستورية للسلطة في تناول سريع لما قبل الوحدة وتوقف قصير لفترة مابعد الوحدة .

أ) ماقبل الوحدة : بوجود الدولتين السابقتين قبل توحدهما من الطبيعي إجراء مقارنة بينهما على مستوى رؤيتهما للحاجة إلى إجراء تعديلات دستورية أو تبني دستور جديد .

ج.ع.ي : في الفترة مابين 1979-1962م شهدت ج. ع . ي خلال هذه الفترة القصيرة خمسة دساتير (اثنان منها دستوران دائمان) و9 إعلانات دستورية و3 قرارات دستورية (كتاب قائد محمد طربوش).

ج. ي.د.ش : دستوران دائمان فقط في نوفمبر 1970 وأكتوبر 1978م.

ب) مع قيام دولة الوحدة- دستور الوحدة: أنجزته اللجنة الدستورية في 1981/12/30م، وتمت موافقة قيادتي الدولتين علي سالم البيض وعلي عبدالله صالح في قمة عدن في 1989/11/30م، والاستفتاء الشعبي عليه في مايو 1991 بعد عام من قيام الوحدة .

صدور بيان سياسي وإعلان دستوري (لتمديد الفترة الانتقالية) في 1992/2/27م .

دستور 1994 (بعد حرب صيف 1994م) إقرار المجلس للدستور الجديد في 1994/10/1م ويعتبر دستوراً جديداً أكثر من كونه تعديلاً دستورياً، حيث تم تعديل 80 مادة من أصل (131) مادة من مواد دستور الوحدة.

تعديلات 2001 تمت باستفتاء شعبي عليها في فبراير - مارس 2001 ، ولعل أهم بنود تعديلات 2001م تتمثل في تغيير مدة ولاية رئيس الجمهورية من 5 سنوات إلى 7 سنوات في اتجاه معاكس لما كان جارياً في العالم حينها، حيث خفضت مدة الرئاسة في فرنسا من 7 إلى 5 سنوات، وكذلك في السنغال من 7 إلى 5 سنوات، وعدلت مدة ولاية مجلس النواب من 4 إلى 6 سنوات، إضافة إلى الاتجاه المعاكس مقارنة بدول أخرى متقدمة (فرنسا) ونامية (السنغال) فرضت الخصوصية اليمنية وضعاً فريداً بتطبيق هذا التعديل بأثر رجعي وليس ابتداء من نهاية الولاية النافدة وعليه فإن الرئيس الذي انتخب في عام 1999 لمدة 5 سنوات حددت له المدة بعد التعديل الدستوري لعام 2001م بسنتين إضافيتين، فبدلاً من انتهاء ولايته في سبتمبر 2004م، انتهت ولايته في سبتمبر 2006م الذي جرت فيه الانتخابات الرئاسية الثالثة، وبالنسبة لمجلس النواب المنتخب في 1997م والذي تنتهي ولايته في أبريل 2001م مددت له حتى أبريل 2003م.

مشروع التعديلات الدستورية لعام 2007م، حيث أعلن رئيس الجمهورية في يوم الإثنين 2007/9/24م في اجتماعه مع قادة الأحزاب والتنظيمات السياسية عن مبادرة بإجراء تعديلات دستورية تتمثل في الآتي:

- النظام السياسي للحكم يكون رئاسياً كاملاً.

- مدة الرئاسة 5 سنوات.

- تتكون السلطة التشريعية من غرفتين تشريعيتين: مجلس النواب ومجلس الشورى.

- و انتخاب كل منهما لمدة 4 سنوات.

- تشكيل اللجنة العليا للانتخابات بناء على ترشيح مجلس القضاء الأعلى لـ 14 شخصاً من القضاة وهذا التعديل يتم غالباً على مستوى قانون الانتخابات وليس على مستوى الدستور.

- وفي لقاء رئيس الجمهورية مع قيادات منظمات المجتمع المدني في يوم الخميس 2007/10/4م دافع عن أسباب خيار تغيير النظام السياسي من النظام المزدوج المطبق حالياً إلى النظام الرئاسي ومع ذلك -وهذا أمر غريب- أكد على منظمات المجتمع المدني بقوله:«نحن مستعدون للاستماع إلى آرائكم حول النظام الذي تريدونه أكان نظاماً رئاسياً أو برلمانيا أو نظاماً مزدوجاً بين البرلماني والرئاسي، ونحن مستعدون لقبول ماتريدونه»؟؟

ومن جانبه الزميل عبدالله غانم، الذي افتقدنا الجدل الدستوري معه منذ مدة طويلة حين كان وزيراً للشؤون القانونية سابقاً ثم أصبح رئيس الدائرة السياسية في المؤتمر الشعبي العام كشف في تصريحاته وعدد من مقالاته بل وضع دراسة تحليلية نشرت مقاطع منها صحيفة «الثورة» بتاريخ 2007/10/26م تحت عنوان «النظام الرئاسي في مشروع التعديل الدستوري هو الأنسب لواقع اليمن»؟؟

موضحاً في مقال في العدد نفسه مزايا التحول إلى النظام الرئاسي منها ماسيؤدي تبني المشروع إلى استبعاد مجلس الوزراء من بين الهيئات الدستورية الحالية والنص على إناطة السلطة التنفيذية لرئيس الجمهورية الذي يتولى اختيار الوزراء وكبار مساعديه، وكأن ذلك ليس مايحدث عمليا على أرض الواقع منذ سنوات طويلة من دون تعديلات دستورية .

فجأة ويالها من مفاجأة تطالعنا الصحف برسالة موجهة من رئيس الجمهورية إلى رئيس وأعضاء مجلس الشورى بتاريخ 2008/6/25م لمشروع تعديلات دستورية مقترحة من الرئيس يطالبهم فيها «بالاطلاع والدراسة وإبداء الرأي» ونشرت صحيفة «الثورة» بتاريخ 6 يوليو 2008م (العدد 1543) نص المشروع المحال إلى مجلس الشورى، وبقراءته تبين لنا استبعاد المشروع لفكرة التحول إلى النظام الرئاسي والاستمرار بالعمل بالنظام المختلط الحالي، حيث النص النافذ للمادتين (105) و(125) من الدستور لم يقترح تعديلهما وبقيتا كما هما بوجود ثنائية السلطة التنفيذية الرئاسة ومجلس الوزراء في حين أحد عناصر النظام الرئاسي يتمثل بمبدأ فردية السلطة التنفيذية من حيث ملكية رئيس الدولة مهام السلطة الفعلية في شؤون الحكم دون الوزراء، ولم يطرأ تغيير في المشروع الثاني للتعديلات الدستورية فيما يخص ثنائية السلطة التشريعية ممثلة بمجلس النواب ومجلس الشورى من جهة ومن جهات أخرى من ناحية تخفيض مدة الولاية الرئاسية من 7 سنوات إلى 5 سنوات، ومدة ولاية مجلس النواب من 6 سنوات إلى 4 سنوات كما جاء في البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية.

إذن نحن أمام مبادرتين رئاسيتين لتعديلات دستورية: الأولى أطلقت في 2008/9/24م كما ذكرنا سالفاً والثانية في 2008/6/25م أي في غضون أقل من سنة أطلقت مبادرتان وبفارق نحو 9 أشهر بينهما!

وهنا يتبين بوضوح الارتجالية في هاتين المبادرتين وغياب وضوح الرؤى الدستورية حول طبيعة النظام السياسي «الأنسب لواقع اليمن» حسب ما رآه عبدالله غانم وتبناه الرئيس في مبادرته الأولى ليتخلى عنه في مبادرته الثانية بعد أقل من 9 أشهر من مبادرته الأولى؟ أما فيما يخص تخفيض مدة الولاية سنتين لكل من الرئاسة ومجلس النواب فقد قدمت هذه المبادرة في البرنامج الانتخابي للرئيس بأنها تهدف إلى «المزيد من تعزيز النهج الديمقراطي التعددي في بلادنا» كيف هذا ودستور الوحدة، ودستور 1994م حددا أصلاً مدة رئيس الجمهورية بـ 5 سنوات ومجلس النوب بـ 4 سنوات، ثم بمبادرة رئاسية أضيفت سنتان لمدة مجلس النواب، وكرد جميل قام المجلس بإضافة سنتين لمدة ولاية الرئيس لتصبح 7 سنوات وبأثر رجعي ضمن تعديلات عام 2001؟ والآن ضمن المبادرات الارتجالية واللعب بنصوص الدستور وكأنه دستور وضع لفرد أو فئة معينة، ولم يوضع من أجل تحديد وتنظيم سلطات الدولة وحماية حقوق مواطني الدولة حيث لا تدخل هذه الأخيرة ضمن اهتمامات السلطة كما يبدو، فأغلب التعديلات الدستورية منذ عام 1994م لم تقدم إن لم تقلص الحقوق المدنية والسياسية للمواطنين لأنها دائماً تنصب في طريقة إدامة السلطة بيد قياداتها بدلاً من تحقيق شروط تداول السلطة سلمياً، والآن أقول إن العودة إلى المدد العالمية ولدستور الوحدة في تحديد مدة الرئاسة بـ 5 سنوات ومجلس النواب بأربع سنوات وفق المبادرتين الأخيرتين قد لا يسعف الوقت في تبنيها بسبب الشروط الإضافية التي وضعت في تعديلات عام 2001 لتعديل الدستور.

فوفق دستور الوحدة ودستور 1994 ومن دون الدخول في التفاصيل يمر طلب التعديل لمادة أو أكثر من مواد الدستور بمرحلتين، المرحلة الأولى: تقديم طلب التعديل للمواد المطلوب تعديلها ويتم مناقشة مجلس النواب لمبدأ التعديل ويصدر قراره في شأنه. وفي مرحلة ثانية: إذا وافق المجلس على مبدأ التعديل يناقش المجلس بعد شهرين من تاريخ هذه الموافقة المواد المطلوب تعديلها فإذا وافق ثلاثة أرباع المجلس على التعديل يتم عرض ذلك على الشعب للاستفتاء العام.

في دستور 2001 أراد المشرع حصر عرض التعديلات للاستفتاء الشعبي على بعض المواد حددها بـ«مواد البابين الأول والثاني والمواد (-63-62...و112) إلخ»، وبسبب هذا التعديل لعام 2001 لن يكون هناك متسع من الوقت لمناقشة والاستفتاء على مبادرة الرئيس الثانية للتعديلات.. لماذا ذلك؟ لسبب بسيط هو موعد الاستحقاق الانتخابي لمجلس النواب في 27 إبريل 2009م. فإذا أجريت الانتخابات النيابية «في موعدها المحدد ولا رجعة في إقامتها» حسب التصريح الأخير لـ«الأيام» بتاريخ 2008/12/13م للأستاذ عبدربه منصور هادي نائب الرئيس والأمين العام للحزب الحاكم هذا سيعني أن مشروع التعديلات الدستورية للرئيس لن تطرح أمام مجلس النواب القائم، فنحن في منتصف ديسمبر ولم يتبقَ من موعد الانتخابات النيابية إلا نحو أربعة أشهر ورأينا في المرحلة الأولى من التعديلات يتطلب فترة من مناقشة مبدأ التعديل على مستوى مجلس النواب يليها فترة شهرين بعد ذلك للبدء في مناقشة المواد المطلوب تعديلها، ثم بعد ذلك تطرح على الاستفتاء الشعبي لأن المادتين (62) و(63) المراد تعديلهما والخاصتين بالسلطة التشريعية هما ضمن المواد التي اشترط دستور 2001 عرضها على الاستفتاء العام، وهذا لن يكون كافياً من الناحية الزمنية تحقيقه وإجراء الانتخابات في موعدها المحدد، وعليه إذا جرت الانتخابات دون التعديلات الدستورية سيعني أن أعضاء مجلس النواب القادم سيتم انتخابهم لمدة 6 سنوات تنتهي ولايتهم في 27 إبريل 2015 ، في حين انتهاء ولاية الرئيس صالح الحالية هي في نهاية سبتمبر بداية أكتوبر 2013، وهي الولاية الأخيرة التي لا يمكن التلاعب من جديد في احتسابها، لذلك طرح مشروع تغيير النظام السياسي إلى الرئاسي لبدء عداد عدد الدورات يعمل من جديد لدورتين من 5 سنوات! السؤال الملح هنا والذي نكتفي به هل ماهو مهم لدى السلطة القائمة تمرير مشروع التعديل الدستوري أم حسب ماهو معلن التمسك بالتاريخ المحدد لموعد الانتخابات وهو يعلم بوجود اتجاه حقيقي كما يبدو بمقاطعة أحزاب اللقاء المشتراك للانتخابات النيابية المقبلة فإذا تحقق ذلك سيضع تساؤلات حول مشروعية نتائج الانتخابات في مدى تمثيلها للقوى السياسية والحزبية في البلاد وحقيقة وجود التعددية الحزبية في اليمن؟ هل الخيار الصعب أمام الحزب الحاكم بين إعمال مشروع التعديلات الدستورية وإن أدى إلى تأجيل موعد الانتخابات البرلمانية لأهمية موضوع التعديلات أم أن المضى قدماً في التمسك بالتاريخ المحدد للانتخابات يطغى على مشروع التعديلات الدستورية؟ هل حقيقة المعضلة والخيار الصعب أمام الحزب الحاكم يتمثل في الافتراضين السابقين أم أن مقاطعة الجنوب للانتخابات هو الخطر الأكبر في إظهار وجود انشقاق واضح وفاصل بين إرادة الناخبين في الجنوب بإيعاز من قادة الحراك بمقاطعة الانتخابات ومشاركة الناخبين في الانتخابات في الشمال بحكم هيمنة الحزب الحاكم عليهم عبر التاريخ منذ وصول الرئيس صالح إلى سدة الحكم في عام 1978. وقد حدث منذ قيام دولة الوحدة مرتين نوع من هذا التقسيم والاختلاف المحتمل الآن بين سلوك الناخبين في الجنوب والشمال، وذلك في الانتخابات النيابية لدورتي -1993 1997. ففي انتخابات 1993، فاز الحزب الاشتراكي الذي انفرد بحكم الجنوب بغالبية دوائره الانتخابية باستثناء 3 مقاعد فقط ذهبت إلى المؤتمر الشعبي العام، ولم يفز الإصلاح بأي مقعد فيه في حين أن المؤتمر الذي حكم الشمال حصل على غالبية دوائره فيه، وهنا جرى تقسيم واضح بين طرفي دولة الوحدة. وفي انتخابات 1997م، كان المؤتمر والإصلاح ضمن الائتلاف الحكومي الذي استبعد منه الحزب الاشتراكي بعد حرب 1994م، وظهر خلاف حاد بين المؤتمر والإصلاح على أثر تعبير الدكتور الإرياني عن رغبة المؤتمر في الحصول على الأغلبية المريحة في انتخابات مجلس النواب لعام 1997م، قام الإصلاح على أثر ذلك بإجراء حوار مع الحزب الاشتراكي وأحزاب المعارضة المنضوية تحت مظلة مجلس التنسيق الأعلى للمعارضة ووقع معها «البرنامج التنفيذي للقاء المشترك» بتاريخ 1996/8/27م، المسمى الذي أصبح المظلة الحالية لتجمع اللقاء المشترك، باستثناء (حزب التجمع الوحدوي) الذي كان ضمن مجلس التنسيق الأعلى للمعارضة، الذي توارى كيانه.

وقد أدرك المؤتمر خطورة أبعاد اتفاق الإصلاح مع أحزاب مجلس التنسيق الأعلى للمعارضة أو توصل معه في النهاية إلى اتفاق تنسيق في 25 يناير 1997م في توزيع الدوائر بينهما لصالح المؤتمر بطبيعة الحال، وغاب تيار المشاركة في الانتخابات على التيار المنادي بالمقاطعة داخل حزب الإصلاح. أما على مستوى مجلس التنسيق الأعلى للمعارضة الذي يتزعمه الاشتراكي، فحين وصل الحوار بينه والمؤتمر إلى طريق مسدود في فبراير 1997م اتخذت اللجنة المركزية قرار المقاطعة بضغط من فرعه في حضرموت في 5 مارس 1997م، على أثر هذا القرار انقسم مجلس التنسيق الأعلى بين مؤيد للمقاطعة ومعارض لها، وقد تبع قرار الحزب الاشتراكي بالمقاطعة رابطة أبناء اليمن (رأي) وحزب التجمع الوحدوي اليمني، وهما أحزاب ذات المنشأ الجنوبي، أما بقية أحزاب المعارضة في مجلس التنسيق فقبلت المشاركة في الانتخابات.

يختلف الوضع الراهن تماماً عن الحالتين السابقتين في 1997-1993م بسبب الحراك في الجنوب والقضية الجنوبية التي تشكل هاجسا مخيفا لكل من الحزب الحاكم وأحزاب اللقاء المشترك أن تقود المقاطعة الجماعية في الجنوب للانتخابات سواء قررت أحزاب اللقاء المشترك المقاطعة أوالمشاركة إلى حالة تجزئة De facto على أرض الواقع بين الجنوب والشمال والمساس بظواهر الوحدة بينهما. لذلك سارعت أحزاب اللقاء المشترك بالقول بأنها قد تقاطع الانتخابات المقبلة إذا لم يعد الحزب الحاكم النظر في قراراته الأحادية الجانب في تشكيل اللجنة العليا للانتخابات وتعديل قانون الانتخابات خاصة على مستوى النظام الانتخابي بتبني نظام القائمة النسبيه. يلاحظ هنا أن التوجه نحو المقاطعة لم يصدر بشكل قرار من قبل هيئات أحزاب اللقاء المشترك على مستوى هيئة كل حزب بشكل منفرد،ربما لترك الباب مفتوحاً أمام احتمال التوصل مع المؤتمر إلى حل وسط، والمؤتمر من جانبه يتركهم في حالة انتظار حتى اقتراب موعد الاستحقاق، كما حدث في عام 1997م بأن يوافق على تقديم بعض التنازلات الشكلية من مطالب اللقاء المشترك حتى يضفي على الانتخابات مشروعيتها، وأما في حالة رفض المشترك التنازلات الشكلية يبدأ التفاوض بشكل جاد حول قبول المشترك تمرير التعديلات الدستورية للرئيس مقابل موافقة حزبه على بعض المطالب الأساسية للمشترك، وفي هذه الحالة الأخيرة يتفق على تأجيل موعد الانتخابات بحجة الحاجة إلى وقت كافٍ لمشروع التعديلات الدستورية لايقل عن 4-3 أشهر من جهة وتلبية المطالب التي تنازل عنها للمشترك فإذا أخذ بالافتراض الأخير قد تلجأ السلطة إلى نص المادة (65) من الدستور النافذ الذي يقضي بأنه «إذا تعذر (إجراء الانتخابات في موعدها) لظروف قاهرة ظل المجلس قائماً ويباشر سلطاته الدستورية حتى تزول هذه الظروف ويتم انتخاب المجلس الجديد» وقد استخدمت هذه المادة في البيان السياسي والإعلان الدستوري الصادر في 14 نوفمبر 1992 عند انتهاء مدة الفترة الانتقالية بحجة الحاجة إلى مزيد من الوقت للإعداد للانتخابات العامة الأولى في إبريل 1993!

ويعتقد كاتب هذه السطور أن هذا الافتراض بتأجيل الانتخابات عن موعدها المحدد يراد منه تحقيق عدة أهداف في آن واحد: تمرير مشروع التعديلات الدستورية للرئاسة، وتفويت الفرصة على المقاطعة الجنوبية بالنجاح خاصة لدور قادة وهيئات الحراك الجنوبي في ذلك النجاح، إضافة إلى إحداث تقارب بين الحزب الحاكم وبعض أحزاب اللقاء المشترك أنهم بالتوصل إلى حل لخلافاتهم استطاعوا إنقاذ «الوحدة الوطنية» من الانقسام بين جنوب وشمال!! وكمؤشر لإمكان الاتفاق على تأجيل الانتخابات النيابية عن موعدها جاء قرار السلطة تمديد ولاية المجالس المحلية قبل نهاية مدتها في سبتمبر 2008 لمدة أربع سنوات في حين أن القانون رقم (25) لسنة 2002 بشأن تعديل بعض أحكام القانون رقم (4) لسنة 2000 بشأن السلطة المحلية نص أنه «إذا صادف أن حان موعد انتخاب المجالس المحلية في سنة تجرى فيها انتخابات نيابية أو رئاسية أو استفتاء يجرى انتخاب المجالس المحلية بالتلازم مع أي منها سواء كان موعد انتخاب المجالس متقدماً أو لاحقاً لها».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى