حذاء الزيدي

> د. هشام محسن السقاف:

> لا أدري ما هو مقاس جزمة منتظر الزيدي التي قذف بها الرئيس الأمريكي جورج بوش، ولكني أعلم الآن أن الثمن المعروض لشراء هذه الجزمة قد بلغ عدة ملايين من الدولارات.. أما الرمزية التاريخية للحذاء وصاحبها فقد حازها العراقي منتظر الزيدي.

فما حدث للعراق، وباعتراف الرئيس الأمريكي نفسه قبل وصوله إلى العراق في زيارته التوديعية الأخيرة عندما صرح بأن احتلال العراق كان خطأ بني على معلومات استخبارية خاطئة، وهذا الاعتراف لم يغير شيئا من واقع الجريمة الكبرى التي تعرض لها العراق وأهله، عشرات وربما مئات الآلاف من القتلى، واستباحة أرض العراق وثرواته، ناهيك عن التمزق والصراعات المذهبية، وكثرة الثارات، وفقدان الوطن هويته وأمنه وأمانه، بينما الوعد الأمريكي للعراقيين بجعل وطنهم واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط والمنطقة العربية يتبدد تماما، ناهيك عن الوعود (العرقوبية) بإعادة إعمار العراق.. إذن فإن الحال - حال العراقي- بعد خمسة أعوام من الاحتلال كالمستجير من الرمضاء بالنار. وهو ما جعل منتظر الزيدي يقدم على ما أقدم عليه، ضمن الدائرة الضيقة من العراقيين الذين سنحت لهم فرصة مثلى لتوديع جورج بوش بتلك الطريقة التي شاهدها الملايين على الهواء مباشرة، لتكون بمثابة هزيمة كاملة لمشروع المحافظين الجدد أشد وطأة من هزيمتهم في الانتخابات الأخيرة التي أوصلت ابن حسين (باراك أوباما) الأسود إلى البيت الأبيض لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.

وعلى الصعيد الشخصي سيكــون أمر قذفه بفردتي حذاء الزيدي شيئا لن ينســاه الرئيس بوش الابــن طول حياتــه، وسيظــل يــذكره دائمــا بمــآل سياستــه الفــاشلة في غير مكان من العــالم وبالتحديد في العراق.

كانت هناك حادثة شبيهة بحادثة قذف بوش بالحذاء في مؤتمره الصحفي التوديعي الأخير في العراق، حدثت في الجزائر عندما ضرب حاكمها السفير الفرنسي بمروحة كانت في يده، وتسبب الأمر، أو كان ذريعـــة لاحتلال فرنســـا الجزائر في ثمانينيات القرن التـــاسع عشر.

ومن حيث الدلالــة التـــاريخيـة فإن خاتمة الاحتلال الأمريكي للعراق قد جاءت تعبيرية رافضة على الطريقة العراقية، لتنهي سياسة أمريكية فاشلة على المستوى العالمي أو في أمريكا نفسها بمنهجية الانتخابــات الديمقراطية التي أوصلت أوباما لدورة رئاسية مدتها أربع سنوات.

لقد أعد منتظر الزيدي عدته بإصرار ينفي ما يدعيه البعض من أنه جاء عفويا، بعد أن عاش ورأى بأم عينه معاناة شعبه ووطنه، وسواء أدرك الأمريكيون مدلول الحذاء وقذفه في التراث والسلوك الاجتماعي العربي الذي يفوق كثيرا القذف بأية آلة أو مادة أخرى حتى وإن كانت قاتلة، فإن وسائط الاتصال الإعلامي والتقني المتوفرة اليوم قد نقلت الصورة والرسالة بمدلولاتها كاملة إلى الشارع الأمريكي.

ويبقى أن نتساءل في حال حدوث ما حدث أو شبيه به في بلد أو مكان آخر من بلدان العالم الثالث من ذوات الشمولية والديكتاتوريات الكاملة هل سيبقى الأثر مقصورا في الناحية القانونية الإجرائية المساوية للضرر الواقع سواء معنويا أو ماديا، أم سيجرى قلع جذور (وليس أرجل) كل من يمت للفاعل بصلة أسرية كانت أو عشائرية بدرجة تفوق ما حدث في (الدجيل) إن كنا نتذكر الدجيل في العراق؟!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى