حاميها حراميها..

> فضل النقيب:

> أكبر عملية نصب في التاريخ كُشف النقاب عنها في وول ستريت لمناسبة عام الفضائح المالية العالمية والتسيّب وأكل أموال الناس بالباطل والحيلة بعد التلبيس عليهم بأرباح تؤخذ من هذا لتُعطى لذاك الذي يعيدها بدوره إلى مسلخ الأموال طمعا في مضاعفتها، وهذه الحيلة هي نفسها التي يجيدها صغار النصابين في الأسواق المالية الهشة مستغلين غريزة الطمع لدى الناس الذين يريدون دخولا إضافية من دون عمل يبذل من جانبهم، أو حتى جدية لمعرفة آليات المسلخ الذي سيجزرون فيه ذات يوم كما تجزر الأبقار والأغنام.

بطل الفضيحة - المأساة الذي سيدخل موسوعة جينس للأرقام القياسية بكل إباءٍ وشمم لأنه أتى بما لم يأت به الأوائل هو «برنارد مادوف» .. من سمع بهذه الاسم الذي لم ينصب على الأفراد فقط أو يأكل كما يأكل الذئب من الغنم القاصية وإنما نصب على مؤسسات مالية عريقة وبنوك عالمية وصناديق تحوّط ذات باع وذراع وسمعة؟ وهذا يؤكد أن مايقال عن ضوابط وروابط ومراقبة هو محض هراء وأن السوق يأكل فوائض أموال الأغنياء كما يأكل المبرد الحديد، كما يأكل مدخرات الفقراء التي تأخذ طريقها إلى المحرقة بآلية الشفط حيث لا تميز المجاري بين ماء نظيف وآخر فيه أخلاط من النجس والميكروبات من بقايا (الميتة والدم ولحم الخنزير وما أُهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة..).

أما قيمة النصبة المحترمة التي نفذها المحترف برنارد مادوف وسارت بذكرها الركبان في الصحاري والوديان فتبلغ حسب اعترافاته خمسين ألف مليون دولار، وربما ما خفي أعظم كما تعلمنا التجارب. هذا الرجل لم يأت من الشارع وبجيبه ثلاث ورقات ليقتعد الرصيف ويصطاد الرغيف، حيث «رزق الهبل على المجانين» وإنما جاء من ذروة سنام المال حيث وصل إلى رئاسة بورصة «ناسداك» الأكبر والأعرق في العالم، وهذا ما أغدق عليه ثقة العائلات الثرية وشركات الاستثمار وصناديق التحوّط (أيُّ تحوط ياولداه؟) وكبار البنوك العالمية بما فيها مصرف نومورا الياباني الذي ظل يحث المستثمرين لصالح مادوف على الصعيد العالمي.

تصور ياسيدي أن هذا «البِعْم» شفط مايزيد على ميزانية اليمن لـ6 سنوات والتي يتعيش منها ملايين الناس ولها موارد بترولية وضرائبية وجمركية ووزارة مالية مليئة بالنمل البشري من حاملي الملفات وحماة الأضابير والمخمّنين والقانونيين الذين يلعبون بالبيضة والحجر ويصدرون الفتواوي بمقتضى الحال وأرزاق العيال، ولها كذلك بنك مركزي لا يخر الماء، تدخل في فمه شجرة وتخرج منه بعرة، وهو خير علاج موصوف لإنزال الوزن، ولها وزارات تابعة تصل الليل بأطراف النهار لتحصل على حقوقها المقررة عن طريق وسطاء ومتنفذين وحاملي أعلام يقفون على الأبواب الساعات الطوال ليعرّفوا بهوياتهم، وفي الأخير تكون المحصلة «كل طاهوش وله ناهوش» حيث يجري تطبيق سياسة الحبيب بورقيبة رحمة الله عليه فقد كان بعيد النظر والقائلة «خذ ثم طالب» وحين اليأس وقلة البأس فإن كل وزارة تعمل كالدود الذي ينتظر غذاءه اليومي في جسد صاحبه المقبور دون جدوى فيبدأ بأكل الجسد حتى يفنيه «كالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله»... ما علينا وياسيدي دع الخلق للخالق فهو المتكفل.

نعود لقصص بعض ضحايا هذا العبقري النصاب ولا فخر المدعو «برنارد مادوف» حيث عُرف أن الصناديق التي تتخذ من جنيف مقرا لها قد خسرت 4،22 مليار دولار (ماجاءت به الريح حصدته العاصفة)، وقالت مؤسسة خيرية في ماساتشوسيتس بأميركا إنها خسرت وقفها بالكامل وستضطر إلى الإغلاق. وورد في تقرير أنه «يمكن القول أن هناك عشرات الآلاف من المستثمرين يعانون من خسائر تتراوح بين خطيرة ومدمرة، وقالت بعض العائلات الثرية إنها خسرت كل مدخراتها».

أما عن عرب الثراء الذين لهم في كل عرس قرص فسيلتزمون الصمت البريء وإذا سألهم سائل فإنهم لايعرفون عما وعمن يتكلم، ذلك أن بيننا وبين الشفافية مليون سنة ضوئية ولايريد أحد أن يسمع السؤال : من أين لك هذا.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى