الحذاء.. والحذاء المضاد

> فضل علي مبارك:

> ينبغي للرؤساء من الآن وصاعدا أخذ الحيطة والحذر من أحذية الصحفيين، خصوصا في المؤتمرات الصحفية، التي يكون فيها الرؤساء وجها لوجه مع الصحفيين، وعلى بعد خطوات منهم.

ومن هذا التاريخ (14/12/2008 يوم الأحد) على رجال أمن الرؤساء الظاهر منهم والباطن أن يسلبوا كل صحفي حذاءه، ويمنعوه من دخول أي مؤتمر صحفي أو الاقتراب من الرئيس، بعد أن سجل حذاء الصحفي العراقي - من قناة البغدادية - منتظر الزيدي سابقة لم تكن خطيرة فحسب، بل جاءت كفعل نادر، عندما قذف بفردتي حذائه بشجاعة نادرة وجرأة يحسد عليها في وجه الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته خلال الأسابيع القادمة (جورج بوش الابن) خلال مؤتمره الصحفي الذي عقده في بغداد أثناء زيارته الوداعية.

لو أن الزميل الزيدي فجر نفسه بعبوة ناسفة في عملية انتحارية استهدف بها بوش أو حمل رشاشا وأطلق عليه النار لكان ذلك أقل تأثيرا وأثرا في معناه, وفحوى الرسالة التي كان يرجو إيصالها مهما كانت النتائج والخسائر، حتى لو كانت حياة الرئيس بوش.. حيث إن الحذاء بما يحمله من معنى حين يوجه أو يرفع في وجه الشخص يعد قمة الإهانة وغاية في التعبير عن الازدراء ودونية المقام لهذا الشخص، وخير لك أن يمسح بك الأرض في (مضرابة) من أن تصفع بحذاء أو ترمى به.

صحيح أن حذاء منتظر الزيدي لم تصب هدفها - وجه الرئيس الأمريكي الذي تفاداها بحركة ذكية مرتين - لكن ضربة الحذاء بحد ذاتها حققت أهدافها وغاياتها، فقد حملت تعبيرا لايقبل القسمة على اثنين أو التأويل، حيث قدمت دليلا قاطعا على مدى الحفاوة والحب والترحيب الذي يحظى به الرئيس جورج بوش وأركان إدارته في قلوب العراقيين، حيث إن حذاء الزيدي لم تكن شأنا شخصيا بقدر ما جاءت بمثابة موقف يؤمن به غالبية -إن لم يكن كافة - الشعب العراقي الذي انتكست أحلامه بعد التعويل على التدخل الأمريكي الذي «سمحوا له يتفرج قام يرقص».

والصحيح أيضا أن ردة فعل قوات الأمن الأمريكية والعراقية ستكون وخيمة على رأس الصحفي الزيدي، سوف يتلقى (علقات) ساخنة أو قد لايرى الشمس مجددا، عقابا له على (فعلته) تلك التي رصدتها كاميرات التلفزة و(تلذذت) كثير من القنوات الفضائية في إعادتها مرارا في نشراتها والتعليقات اللاذعة والساخرة عليها، الأمر الذي عمق جرح الإهانة لبوش الذي بدا وجهه لحظتها (خازيا) حرجا، والظاهر أنه لعن العراق والعراقيين، واليوم الذي فكر فيه بغزو العراق، واللحظة التي فكر فيها بتوديع بغداد للاحتفاء بأوهامه ونجاحاته المزيفة، قبل أن يغادر البيت الأبيض إلى (سوق الملح)، حيث ظن أن الورد سينثر عليه من كل نافذة، وأن كلمات الثناء والمديح ستلاحقه ويمطر بها بدلا من الأحذية!.

ومن المؤكد أن التاريخ سيكتب (واقعة) حذاء الصحفي الزيدي، كحدث له دلالة عميقة، وستغدو حكاية للتداول والتعليق و(الحشوش)، وسيصبح بطلاها (الفاعل والمفعول به) حديث الناس، إذ أنه من الصعب أن تمحا هذه الحادثة من أذهان ملايين الناس الذين شاهدوها، وستظل محفورة في الذاكرة، كواقعة من النوادر والعجائب، مع ما يمكن أن يحيط بها من أعمال (تشفي) وتصريح (خلي أبوه يستاهل).

لو طلب مني حضور مؤتمر صحفي - لأي رئيس - سأكون حذرا، وسأخلع حذائي في منزلي حتى لا أنفعل وأجاري الزيدي فيما قام به، خشية ردة فعل أمن الرئيس الذي يستثيط لوجود كاميرا مع الصحفيين، ويجبرك على التقاط صورة لك خوفا من أن تكون ملغومة أو ما يشاع أن هناك كاميرات تحمل إشعاعات أو ذبذبات تلحق الضرر.

وعلى العموم.. فإن مافعله بوش وجنوده خلال سنوات احتلالهم للعراق ما هو إلا جزء يسير مما يفعله الرؤساء العرب وآليات أمنهم المتعددة تجاه شعوبهم!.. ولذلك ألا يستحقون من كل صحفي- باعتباره حامل تطلعات الأمة والمعبر عن همومها- ليس فردتي حذائه فحسب، بل ما هو أبعد وأخزى من ذلك؟!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى