عقلية التماهي وإشكالية خطابها

> برهان أحمد إبراهيم:

> قديماً، قيل إن (زيوس) إذا أعجزته الحُجة؛ أبرق وأرعد.. كذلك هو حال الحزب الحاكم!! فعلى الرغم من أن صوت الواقع أصدق وأبلغ من خطاب السلطة، إلا أن الحزب الحاكم لا يسمع، ولا يجد في الواقع المعاش ما يستحق النظر والتفكير والمناقشة، بل إنه لا يرى وجوداً لأية أزمة إلا في رأس الآخر (حسب قوله)..!

ويبدو أن إشكالية الحزب الحاكم مع الواقع، هي في المقام الأول إشكالية عقلية مردها وقوع الحزب الحاكم في أسر تخيلاته، وسحر تصوراته الخاصة، واعتقاده بأنه وحده القادر على تفسير الواقع، وفك تعقيداته، فأظهر بموقفه هذه جانباً من فكره التقليدي، الذي تفاقم عجزه عن تقديم تصورات جديدة، وحلول عملية، لمجمل الأزمات والاحتقانات والإشكاليات الناتجةـ أصلاًـ عن تبنيه (استراتيجية التصرف المنفرد)، التي تضع سيطرة الحزب الحاكم، بديلاً عن سيطرة القانون.

فبسبب اعتقاده الشديد، وارتباطه المصيري بمقولة(أنا الدولة) سعى الحزب الحاكم إلى ضرب توازنات المجتمع المتعددة، وكسر تضامناته، ليحافظ على توازنه، وغاب عن باله، أن الدولة الوطنية الحديثة، إنما هي حصيلة توازنات المجتمع ومؤسساته المدنية، لا العكس، «... فالدولة لا تبني أمة وجماعة مدينة حية ونشيطة ومبدعة، بقدر ما أنها هي ذاتها من منتجات هذه الأمة..» (برهان غليون: نقد السياسة (الدولة والدين) ص 0577).

ومما لاشك فيه ، أن مثل هذا الاعتقاد، الفاقد لأية مقاربة عقلية مع الواقع، لا ينجم عنه سوى خطاب إقصائي، تحكم بنيته ثنائية (الذات والآخر) التي تؤسس له قواعده، وتحدد مسافاته وتفرض عليه مستويات متعددة من التقسيمات، ومن التصنيفات النمطية، لاغتيال شخصية الآخر، طعناً في وطنيته، وتسفيها لأطروحاته بغرض إلغاء، أو تقليص حضوره السياسي والاجتماعي، إن لم يكيف (هذا الآخر) نفسه مع سياسات السلطة، وإجراءاتها، انطلاقاً من مفهوم الإخضاع أسهل من الإقناع..!

لكن ولأن لكل خطاب ثغراته، فإن هذا الخطأ الذي يحاول فيه الحزب الحاكم الروغان من الواقع، بإخفاء حقيقة طبيعته خلف نص مليء بالأصباغ والألوان، وبالعبارات المصقولة، والشعارات المجردة، وباللجوء إلى اللعب على التناقضات، وبتقلب صفحات الماضي لنزِّ جروح كادت تندمل، تعليباً للوعي، وإيهاماً بصدقيته السياسية، ونقاء سريرته، لاستهلاك الرصيد العام.. يظل خطابه ـ مع ذلك كله ـ نفياً للحقائق،وحُجة على علاقة غير عضوية بالواقع، وإشارة إلى موقف سلبي من الآخر.

فبمقارنة سياقات الخطاب، بأنساق ممارساته العملية، وبما عليه من استحقاقات للواقع،بناءً على قاعدة (كل خطاب رهن نصه)، وبالوقوف أمام علاماته الدالة، لمعرفة حقيقة اتصاله بالواقع، وقياس مستويات ذلك الاتصال، يتأكد لنا أن الحزب الحاكم، لا يزال عاجزاً عن تحرير ذاته من الافتتان بنفسها، وعن الخروج من دائرة معاني التمايز، إذ أن خطابه، من حيث دلالاته الفكرية والنفسية، يكشف مواراته، مظهراً ما أضمره من قيم ومفاهيم، نبتت من ثنائية (عبادة الذات وإدانه الآخر).. لذلك تبقى مفرداته، وعباراته عن الوطنية، والديمقراطية.. والتعددية.. والحوار.. والمشاركة.. إلخ، مجرد بنى صوتية، فاقدة الحرارة، عديمة الدلالة، وصور فراغية، لمغالطة الذات بتحقيق شعور زائف بالانتماء للعصر، ولجذب أنظار الخارج..!

غير أن خطاب الصورة الفراغية أو الظاهرة الصوتية، لا يترتب عنه سوى أسوأ النتائج، بشهادة الواقع، والتاريخ..

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى