شبوة .. النسيج الهش .. والحقوق المنهوبة

> صالح علي الدويل :

> تبادلت عوامل الجغرافيا والتاريخ أدوارا متعارضة في هذه المحافظة، فتنوع تضاريسها وقساوتها ترافقت مع صراعات تاريخ كان مجيداً لم تبق منه إلا مناطق وكتل قبلية صلبة اتشحت علاقاتها بتوتر وتمايز شكل حدوداً في نفسياتها.

بل لازالت في ذاكرتها جذور عن ذلك لم تتخلص بعد من بصماتها، رافق افتقارها لرباطات علم ثرية كان يمكن أن تشكل منظومة سلوك تتجاوز ثقافة الثأر والتوتر وتداعياتها التي حالت دون قيام زراعة مجدية في أوديتها الخصبة، وكان استشراء هذه الثقافة مانعاً لظهور سوق تجاري متعدد النشاطات يؤدي إلى تراكم الثروة وظهور مراكز وعائلات تجارية تؤسس لمنظومة تحد من تلك الثقافة أو تهذبها، وتكاد ثروتها أن تكون متواضعة جمعت في غالبها من المهاجر في فترة لاتتجاوز أربعة عقود، التهمها واقع أسري فقير يخلو من الهياكل التي تمتصها.

ولم ترفق بها السياسة وتغالبها فقد أرادت لها مرحلة مابعد الاستقلال بأن تكون ملحقاً بالعملية السياسية، وفي مفاصل من تلك المرحلة وصلت الممارسة تجاهها إلى الإقصاء، فخرجت قطاعات فتية وقوية وفاعلة من أبنائها مهاجرة أو لاجئة يحملون شعوراً سلبياً تجاه الوطن خلفه غبن سياسي ظللتهم به تلك التجربة.

وكانت مرحلة مابعد حرب 1994م أكثر دهاء ومكراً في التعامل مع المحافظة وأبنائها فأحسنت استغلال ظروفها وأوضاعها بما يخدم مصلحة مراكز قوى في النسيج السياسي ترعى مشروعاً خاصاً بها متخفياً خلف المشروع السياسي ومتحكما به!!

ولم تكن ظروف المحافظة المكشوفة عصية على الاختراق لهذه المراكز التي راقبت أحياء النوازع القبلية إلى درجة الرعاية وهمشت القانون الذي أدار المحافظة بضع عقود مع إحياء منظومة الأعراف التي تناسب وتحقيق أهدافها التي جعلت الدولة وأمنها تغض الطرف عن الثأر، وهو يلتهم القبائل ويجمد حركتها رافق ذلك لامبالاة أو عدم قدرة من قبل القدوة من أبناء المحافظة لوضع حد لذلك حتى ساد اعتقاد أن دورهم لايتعدى فك عقد الممانعة لصالح مراكز القوى ومشروع الفيد الخاص بها، وهو مشروع قامته تفوق قامة مصالح الدولة ويتحرك بوسائلها وقوانينها وحمايتها، وهو ممسك بمفاصل الثروة النفطية والغازية والسمكية، بل جعل المحافظة (بازاراً) استأثر فيه بكل الثروة من مدخل الاستثمار التي تقاسمتها تلك المراكز على شكل إقطاعيات هي الرأس مال الأبرز، بل الوحيد في الحصول على تلك الامتيازات والوكالات، ولم ينل أبناء المحافظة المنتشرة مكاتب خدماتهم النفطية في عاصمة المحافظة إلا خدمة إقطاعيي النفط وحراسة نشاطهم، فذهبت الثروة إليهم وبقي في المحافظة التلوث الذي لايعلم أحد عن انتشاره وحجمه وضحاياه والآثار المستقبلية له التي ستظهر آثارها بعد عقود من الزمن..

ولم يحصل أبناء المحافظة على فرص العمل، فقد عمل المستأثرون بتلك الثروة على تأسيس شركات في المركز تقوم بتأمين العمالة وأصبح دور مكاتب العمل في ظلها شكلياً، بل أصبح مندوبوه مجرد واجهات لنشاط تلك الشركات واستأثر المركز أيضاً لأبنائه أو المحسوبين عليه بالبعثات التعليمية التي تكفلتها الشركات كتعويض لسكان المحافظة التي تمارس الشركات التنقيب فيها.

أما الثروة السمكية فأقصى تنمية حصل عليها أبناء المحافظة العاملين في هذا المجال لاتتعدى زوارق تحمل من ثلاثة إلى أربعة أشخاص، واستأثر أصحاب المركز بوكالات الصيد العالمية وأسسوا لذلك شركات وأساطيل ولا أحد يعلم عن الأضرار التي تحدثها في البيئة البحرية.

إن من المسلمات أن التجربة الاشتراكية منعت قيام رأس مال خاص في الجنوب وأنشأت قطاعاً عاماً كان ثروة الجنوب استوعبت منشآته قطاعات العمل وأمنت حماية للوضع المعيشي فأتت حرب 94م لتخصصه لصالح القطاع الخاص من المحافظات الشمالية ومؤسسته الاقتصادية اليمنية!! وحلت شمولية وحدوية مبثوثة في مفاصل الاستثمار والبنوك والتسهيلات والإعفاءات الضريبية وغيرها مترابطة بشكل خفي تظهر آثارها في الواقع وتسيطر على الثروة ودورتها والسوق والانتشار فيه لحماية بيوت تجارية ومؤسسات تستمد قوتها من خلال شراكة مراكز القوى أو حمايتهم، فكانت هذه المرحلة أكثر ضراوة، لأنها ابتلعت ثروة الجنوب وتقاسمت مجالاته البكر، بل قامت بنهبه. ونالت شبوة نصيبها إضافة لافتقارها لبنية تجارية واستثمارية فلم يستطع رأس مالها المتواضع أن يقف أمام طوفان الأسر الوحدوية التي هيمنت على كل شيء حتى تجارة التجزئة، وفتحت أمامهم أبواب الثأر وإذكاء النوازع وإيهام قدوتها بانتعاش سياسي ليس إلا وهماً كاذباً، لأنه ينتزع شبوة من سياقها التاريخي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى