ردود الفعل الرسمي على افتتاحية «الأيام»

> د. محمد علي السقاف:

> لا يكفيهم أن يقوم أكبر مسؤول في الدولة بوصف «الأيام» علناً بأنها «الناطقة باسم الانفصال» ولا أن تقدم إلى المحاكمة في ثلاث قضايا تتعلق بالنشر ولا مصادرة طرود «الأيام» وضرب عدد من مراسليها، يحدث كل هذا بشكل متوال في غضون شهر واحد وأقل من أسبوعين منذ خطاب الأربعاء 12 نوفمبر الماضي حتى الآن في 25 ديسمبر 2008.

لم تحظ صحيفة تصدر في اليمن مثل ما حظيت به «الأيام» من حملة كراهية مناطقية من أناس وجهات رسمية تدعي أنها وحدوية وتحارب ثقافة بث الكراهية وخطاب المناطقية في المجتمع اليمني. وجاءت افتتاحية «الأيام» بقلم رئيس التحرير بعنوان «أي انتخابات؟» المنشورة في 20 ديسمبر الحالي لتزداد الحملة المكثفة ضد «الأيام»، وفي الحقيقة ضد «القضية الجنوبية» التي تنشر صحيفة «الأيام» أخبارا عنها كسائر الصحف في اليمن. ومن بين ردود الفعل في الصحافة الرسمية استوقفني مقال واحد منشور في الصفحة الأخيرة لصحيفة «14أكتوبر» بتاريخ 22 ديسمبر 2008م للأخ فيصل الصوفي. لا افتتاحية «الثورة» المنشورة في التاريخ نفسه ولا بعض المقالات واللقطات المنشورة هنا وهناك في الصحف الرسمية ولسان الحزب الحاكم تستحق التعليق، لماذا «14أكتوبر» ولماذا مقالة فيصل الصوفي واختيار «14أكتوبر» لأنها بمسماها ومنشأها مرتبطة بالجنوب، واختيار فيصل الصوفي في قراءاتي لعموده كان يبدو لي أكثر موضوعية في تناولاته، وما شدني فيما كتبه مضمون مقاله الذي تطرق فيه إلى عدة مواضيع وانزلق للأسف في بعض المفردات الاتهامية وغير اللائقة التي عادة ما تميز أسلوب صحفي السلطة إن جاز التعبير عن بقية الصحفيين والكتّاب!

فقد جاءت افتتاحية رئيس التحرير في موضوعها الأساسي حول ترشح أحد ضباط الحرس الجمهوري في الانتخابات المحلية في سبتمبر عام 2006 في الدائرة التي تقطنها كثير من الأسر العدنية المعروفة بوطنيتها والمشهود لها بالكفاءة، ونجح بسبب تصويت الحرس الجمهوري له وليس أبناء الدائرة، ويبدو أن الشخص المذكور يعتزم دخول الانتخابات النيابية القادمة في الدائرة نفسها، كما أن أحد أفراد الأمن المركزي يعتزم الدخول كمرشح في دائرة خور مكسر. وكرد فعل على هذه الأقوال اعتبر فيصل الصوفي أن هذا غير مقبول أن تكون عدن للعدنيين وبس، وقال متهكما إن ذلك يعني من «ليس له مخلقة» (شهادة ميلاد) من عندنا لا يحق له الترشح في الانتخابات المحلية أو النيابية ويستشهد بالكتلة النيابية لعدن التي انتخبها سكان عدن عام 2003 تكونت من عدنان الجفري وهو من أبين والنقيب وهو من الضالع.. والذين ترشحوا وفازوا في صنعاء فيهم المسوري من ريمة وغانم من عدن.. وهنا أقف وقفة أولى أمام هذه المقارنة للصوفي وخاصة في مثاله عن صنعاء الذي يرد به بذلك على قول «الأيام» هل سيقبل أبناء وأهالي صنعاء أن يفوز في الانتخابات المحلية أو النيابية أحد أبناء عدن؟ ورد الصوفي بذكر اسم غانم من عدن بفوزه في صنعاء والذين فيهم المسوري من ريمة فاز في صنعاء. غريب هذا الأمر، فأنا قمت بالتدقيق في أسماء الفائزين في أمانة العاصمة ومحافظة صنعاء للانتخابات النيابية لعامي 2007 ..و2003 المشار إليها ولم أجد اسم أي واحد من الاثنين لا مسوري ريمة ولا غانم عدن؟ وهنا أسأل الصوفي أن يوضح لنا ذلك في أي دائرة وفي أي انتخابات 97-2003؟ فانتخابات 1993 لم ينجح المؤتمر إلا بـ 3 مقاعد في كل محافظات الجنوب، والإصلاح ولا أي مقعد، كيف نفسر ما حدث في حين فاز الاشتراكي بمجمل المقاعد المخصصة للمحافظات الجنوبية باستثناء المقاعد الثلاثة للمؤتمر، يعني ذلك أن أبناء الجنوب اعتبروا الترشح في الانتخابات وفوز المرشحين يجب أن يكون حصراً على أبناء الجنوب، وهل يعتبرون انفصاليين، ألن يتهم الشمال بدوره بالشيء نفسه؟

وأريد أن أسأل صحف الحزب الحاكم كيف يمكن تفسير أن غالبية محافظي محافظات الجنوب هم من الشمال، وصل الأمر في الفترة -2006 2007م حتى مايو 2008 لم يكن هناك محافظ جنوبي واحد في المحافظات الجنوبية كلهم من الشمال، ولماذا صدفة بعد الانتخابات غير المباشرة في مايو 2008م يصبحون جميعا من المحافظات الجنوبية للجنوب، ما خلفية هذه السياسية المناطقة؟ وأسأل سؤالا آخر لماذا منذ قيام الوحدة المباركة في مايو 1990 حتى الآن في نهاية 2008م لم يعين محافظ واحد جنوبي في محافظة صنعاء؟ أليست هذه مناطقية، وبالنسبة لأمانة العاصمة أيضا منذ 1990جميع أمناء العاصمة هم من الشمال والاستثناء الوحيد وقصير المدة الدكتور يحيى الشعيبي لم يستمر أكثر من سنتين ونحو شهرين بإحالة أحمد الكحلاني إلى محافظة عدن في فبراير 2006 وسحب د. الشعيبي من عدن إلى أمانة العاصمة في نفس التاريخ فبراير 2006م ويستمر حتى مايو 2008؟ لماذا هذا هو الاستثناء الوحيد بينما في أغلب العواصم الرئيسية لمحافظات الجنوب عدن/ والمكلا كانوا من الشمال وجرت القاعدة حين يكون المحافظ من الجنوب بالضرورة يكون مسؤولو الأمن وعدد من وكلاء الوزارات من الشمال؟ لماذا العكس ليس صحيحا؟ وبروز المناطقية بشكلها الصارخ جاء في المقارنات الثانية التي جاء بها الصوفي ودققوا معي في العرض والمفردات المستعملة في المقارنة حين قال إن هؤلاء الذين وصفهم بالانعزاليين «تصوروا أن لدينا كثيرا من هؤلاء فلن يتوقف الأمر على «عدن للعدنيين» بل سيدفع إلى الدعوة من أجل صنعاء خالية من غير الصنعانيين، وأن تكون حضرموت ضيعة خالصة للحضارم وأن تضيق أرض شبوة بحيث لا يتبقى فيها متسع لغير الشبوانيين»، مقارنة هذه المناطق الثلاث على مستوى مخاطر انقفالها على أبنائها، لنرى الآن كيف معايير مقارنته بخصوص تعز ومأرب، فلم يقل ماذا لو انقفلت تعز على أبنائها مثل الحضارمة والشبوانيين، وأضاف إليها معايير أخرى للانعزالية «سيقول سكان تعز نحن ربع سكان البلاد وندفع ستة أعشار الضرائب فردوها لنا وحدنا!! ولا يقول أصحاب مأرب لتبق عائدات النفط المستخرج من أرضنا لنا وحدنا وعندها سنكون أفضل حالاً من سكان السويد لأن أعدادنا قليلة» خيار المثالين الأخيرين بإعطائهما معياري إيرادات النفط وإيرادات الضرائب المكونين الرئيسيين في الترتيب تسلسل عرضهما هو مناطقي خالص المناطقية. لماذا في حديثه لم يقل إن %95 من صادرات اليمن ودخلها من العملة الصعبة، و%75 من ميزانية الدولة هي من نفط محافظات الجنوب وحدها (حضرموت، شبوة، المهرة) وأن حضرموت إضافة إلى النفط والثروة السمكية الهائلة بفضل امتلاكها أطول شواطئ البحر للدولة إلى جانب امتلاكها ثلث مساحة الجمهورية ومع بقية محافظات الجنوب ثلثين مساحتها، لماذا بالمثالين السابقين يريد إيهام أن الدولة المعتمدة على إيرادات النفط والضرائب تعتمد على تعز ومأرب؟ وكأن المحافظات الجنوبية هي العالة على دولة الوحدة وليس العكس. فعلى مستوى إيرادات الدولة التقديرية لميزانية العام القادم 2009 قدرت إيرادات النفط والغاز بـ 834 مليارا و835 مليون ريال، في حين إيرادات الضرائب بـ 336 مليارا و699 مليون ريال، ألا ترى يا فيصل الفارق الشاسع بيت تغذية حضرموت/ شبوة/ المهرة لموارد النفط فوق %60 وحصيلة إيرادات الضرائب أقل من %40، حصة 6 أعشار ما تدفعها تعز وهم ربع سكان اليمن حسب ما ذكرته تافهة مقارنة بموارد محافظات الجنوب وهم خمس السكان؟ ألم يثر استنكارك مثلما أثارك عدن للعدنيين، أن إحدى كبار البيوت التجارية الغالبية الساحقة لعامليها في عدن وبقية محافظات الجنوب يستقدمونهم من تعز؟ على حساب أبناء تلك المحافظات، وبذلك تصبح سياسة مشتركة في التمييز المناطقي بين الجهات الرسمية وتجار القطاع الخاص. هل من المقبول أن يربط باب المندب بتعز وينتزع من الجنوب وهو أهم المواقع الجيواستراتيجية في العالم، ألم يثر هذا اهتمامك؟ هل تعلم أن تعز -وهي تستحق ذلك- حظيت باتفاقية تمويل خاصة من هيئة التنمية الدولية للبنك الدولي بإجمالي 55 مليون دولار أمريكي لمشروع تطوير البلد وحماية مدينة تعز من الفيضانات ولم تحظ حضرموت بالعناية نفسها قبل كارثة فيضانات السيول؟ هل تساءلت من أي مصدر ستسدد هذه المبالغ هل من الضرائب أم من إيرادات النفط؟ أقول في الأخير باختصار إن التفاوت السكاني بين الجنوب والشمال سيؤدي حتما إلى مشاكل خطيرة تفاوت (1) مقابل (5) سواء في تغيير تركيبة السكان في محافظات الجنوب واتساع حركة التوطين السكاني فيها وحينها كما قلت في مقالات سابقة أن للجنوب الأقلية على مستوى الجمهورية لكنه أكثرية على مستوى الجنوب يراد له أيضاً هنا تحويله إلى أقلية في مناطقه، وأن المساحة والنفط والماء كل هذه العناصر هي موضع استنزاف منهجي الخطط وجميع سكان محافظات الجنوب مستوعبون لهذه المخاطر بعكس ما تعتقدون، ولأنكم أصحاب ثقافة مناطقية وعنصرية لم تروا في افتتاحية «الأيام» وردود فعلكم حولها إلا الجانب الذي تفسرونه كأنه مناطقي في حين المناطقية أنتم مصدرها ومنبعها، والسياسة الرسمية تسرع من برامج التوطين والاستنزاف ومحاولة تحويل الجنوب ليحكم مثل الشمال محليا وبرلمانيا من قبل شيوخ وعسكر، فالذي انتقده العزيز هشام باشراحيل كون المرشح من الحرس الجمهوري وتوجه شخص آخر من الأمن الوطني أيضاً للترشح في دائرة خورمكسر لعام 2009 فهذا توجه جديد وخطير، حيث في انتخابات 2003/97/93 كان المؤتمر بصفة أساسية يحصر مرشحيه في الجنوب من الشخصيات الاجتماعية ذات المؤهلات العلمية ولم أر وأقرأ أن رشح المؤتمر من الشيوخ والعسكر في عدن خاصة، فمثل هؤلاء كان يخصصهم لدوائر المحافظات الشمالية، والآن يريد في عام 2009 عمل الشيء نفسه في عدن، وهذا ما اعترضت عليه افتتاحية «الأيام» التي حولت في الإعلام الرسمي إلى عملية مناطقية لأن المناطقية والعنصرية هي سياسة الدولة نحو أبناء محافظات الجنوب الذين لن يكونوا مثل بقية المحافظات يقهرون كما يعلمون بذلك، ومن المؤسف أن الصوفي لم يتنبه إلى توجه قبيلة وعسكرة مرشحي المؤتمر في عدن كتحول إضافي لم يكن سائداً في السابق وهو محور افتتاحية «الأيام» الأساسي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى