قصتنا .. وحمار جحا

> فضل النقيب:

> قصتنا مع مجلس التعاون الخليجي تشبه قصة جحا وحماره مع الحاكم الذي كان شديد البأس ولكنه على قدر حاله قد تنطلي عليه بعض الحيل الساذجة، فقد وصل إلى علم الحاكم أن جحا قد جن وأصبح يكلم حماره.

فاستدعاه وسأله عما يشاع فإن لم يأته بسلطان مبين فإنه سوف يرسله إلى مستشفى المجانين ويباع حماره بالمزاد لصالح خزينة الدولة، فارتاع جحا وحار في أمر نفسه وخشي من هذا المصير المُظلم وفقدان الرفيق المطاوع الذي لايشكو ولايكل عن سماع شكاواه وتأوهاته فيما البشر في شغل شاغل عنه، وقد فتح الله عليه، فقال يامولاي إنني لا أكلمه ولكن أعلّمه الكلام لأنه حيوان ذكي ويستحق التأهيل، فتعجب الحاكم ومن حوله من الحاشية، فالأمر لايصدق بالقياس إلى ما يعرفه الناس خاصة وأنهم ينسبون إلى الحمار كل صفات البلادة مع أنه - أي الحمار - حسب شهادات العلماء أكثر الحيوانات ذكاء، وما صبره وإحناء رأسه لعواصف أقداره المكتوبة عليه سوى تجليات الذكاء. المهم أن الحاكم بعد طول تفكر طلب من جحا تحديد سقف زمني لإنجاز المهمة، حيث يؤتى بالحمار إلى القصر ليتحدث أمام ملايين الناس وبينهم القضاة العظام والمستشارون المبجلون والحاشية الملكية ونخبة مختارة من عامة الشعب، وقد نبه إلى أن العقوبة إذا ما أخفق ستكون هذه المرة التعليق على حبل المشنقة لا السجن، لأن معنى ذلك الإخفاق أنه استغفل ولي الأمر وهو أمر تحرمه الشرائع ويأباه الخلق الكريم والنخوة العربية الأصيلة، وعليه أومأ جحا بالقبول وركب حماره الطيب متجها إلى الحظيرة بعد أن طلب من الحاكم إمهاله عشر سنوات للتأهيل لأنه ليس بسيطا كما يتصور السذج من الناس، فهناك نماذج الحروف وأجراس الكلمات وسبائك الجمل وضبط المعاني وإبطال أوتار النهيق بصوت رقيق إضافة إلى التخزين في الذاكرة إلى آخره من الشؤون والشجون تختص بها الحمير الناطقة. وفي ركن من الحظيرة أخذ جحا يتحدث إلى الحمار عن هذه المصيبة السوداء التي وقع فيها من وراء وشايات الذين لايرحمون ولايتركون رحمة الله تنزل على عباده، وفجأة لمعت الفكرة في ذهنه فصاح كإرخميدس «وجدتها.. وجدتها» فقد حسب تخمينا أن ما بقي له من العمر لن يزيد على السنوات العشر أمار الحمار فأقل من ذلك والحاكم العجوز يحتمل أنه يذهب إلى رحاب مولاه قبلهما الاثنين، وهنا خرج يتبختر رافعاً عقيرته بالغناء، وكلما سأله أحدهم عن سر هذا الفرح وهو يقترب من الموت، قال له اذهب في حال سبيلك ياجبان، ليس جحا هو الذي يعجز عن تعليم الحمار لغة الضاد، ولا هو الذي يخاف المشانق فلكل أجل كتاب، كما أن حماري متضامن معي ولن يفرق بيننا سوى الأجل حين يحين. وقد طابت الحياة لجحا أكثر من ذي قبل، ذلك أن السعادة فكرة كما أن الشقاء فكرة أيضا ، وذات يوم صادف حكيم المدينة بلحيته البيضاء يتوكأ على عصاه وبيده مصباح «ديوجينس» الفيلسوف اليوناني الذي كان يبحث عن الحقيقة في ضوء الشمس وقد قضى حياته في «برميل» احتقارا لمتاع الدنيا وتكالب الناس عليه، فسأل الحكيم جحا عن ما سمعه وكيف وضع نفسه في هذا المأزق فقال له: لقد بحثت عن الحقيقة فوجدتها يا فيلسوفنا فالصفقة ثلاثية يعني «قسمة غرماء» وخلال السنوات العشر لابد من موت أحد الأركان الثلاثة وبالتالي تبطل الصفقة الخاسرة، ذلك أن الحمار الميت لايستطيع الكلام وجحا الميت يخرج من ذنبه بعد أن خرج من حياته، والحاكم إذا مات يتغير وجه الدنيا ويدخل في عهد جديد يَجُبُّ ما قبله، فابتسم الحكيم ويقال أنها المرة الأولى التي رؤي فيها مبتسما وقد بارك جحا بالطبطبة على كتفه دون أن يقول شيئا.

بيت القصيد : إخواننا في مجلس التعاون الخليجي ونحن نتبادل الأدوار في مثل هذه الدراما ومن قمة إلى قمة نبني بيوتا من الرمال ثم نهدمها ونعيد بناءها من جديد، وحتى المجالس التي تدخلها اليمن غير مفعّلة فيما يتعلق بأبناء اليمن العاملين في دول المجلس، وما من أحد يلوم أحدا لأن كل واحد حر في «موزه» كما يقال سمير غانم في مسرحية «المتزوجون»، وفي الأخير لا نملك إلا أن نقول: إن المرء حيث يضع نفسه .. مع التمنيات بالتوفيق والنجاح للقمة الـ 29 للتعاون.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى