كل عاصمة عربية..غزة

> د. هشام محسن السقاف:

> ذلَّ من يغبطُ الذليلَ بعيشٍ .. ربَّ عيشٍٍ أخفُّ منه الحمامُ .. من يهنْ يسهلُ الهوان عليه .. ما لجرح ٍبميتٍ إيلامُ .. (المتنبي)

خرجت الجماهير معبأة بالغضب، الغضب المشروع على مايحدث في غزة من عدوان بربري همجي منهجي لاقتلاع شعب فلسطين من أرضه، وليت أن هذه الجماهير الجرارة الغاضبة توجه هديرها وغضبها وسخطها على النظام العربي الرسمي الذي منه وإليه تبتدي وتنتهي أزماتنا، لأن دولة العدوان الصهيوني وجدت لتكون النقيض لوجودنا العربي ابتداء من فلسطين وامتداداً إلى مابين النيل والفرات، ونخشى أن يكون عجزنا (الرسمي) قد أغرى الصهاينة وحلمهم ليشمل المنطقة الواقعة بين الماء والماء؛ بين المحيط (الهادر) والخليج (الثائر) كما كان يردد الثوريون العرب في الخمسينيات .

لماذا ننتظر من إسرائيل غير ما تفعل إلا أن نكون قد صدقنا مسرحيات السلام والمفاوضات، فهي لا تخرج عن سيناريو إسرائيلي مدعوم عالمياً بأخذها الأرض العربية بالمفاوضات طالما ذلك متاح، مالم فإن الحلم الإسرائيلي غير المشروع سوف ينفذ بأساليب العدوان والقتل والاقتلاع والتدمير بما لا يستثني أحداً؛ إنساناً كان أو بنياناً، مكان عبادة أو مستشفى، صغيراً أو كبيراً، أنثى أو ذكراً.

إن العقلية العربية التي يجري تفريغ ممنهج لثوابتها العروبية والقومية والإسلامية منذ حين، مطلوب منها أن تمضي مثلما تسير البهائم في طريق التمزق والتشرذم والالتفات فقط إلى احتياجاتها الحياتية كأي كائنات بيولوجية منزوعة عن ثقافتها ومشاعرها وتاريخها العظيم.

وللأسف أن محنة فلسطين تبدأ من محنة الشعوب العربية بحكامها، شئنا أن نفهم هذه الحقيقة أم أبينا، فما كان للعربدة الصهيونية أن تسرح وتمرح في فلسطين والأرض العربية الأخرى لولا الوضع العربي الرسمي المفتت، ولولا القطيعة بين الشعوب وحكامها، فإسرائيل لا تنتصر بأداتها الحربية على العرب، وإنما تنتصر بسبب الحالة العربية المزرية ، والفرقة العربية والشك والريبة المتبادلة بين حكام العرب وشعوبهم، وبين الحاكمين أنفسهم، وقد رأينا بأم العين أن الآلة العسكرية الصهيونية تنكسر على يد المقاومة اللبنانية في يوليو 2006م وحتى في حرب أكتوبر 1973م، ويكفي أن نعرف أن ترسانة السلاح العربي - وهي ضخمة جداً تستخدم للزينة والعروض العسكرية ولقمع تحركات الشعوب إن هي غامرت بالخروج على الحاكمين. أما إسرائيل فهي تجاه مواطنيها تلتزم بمعايير الحرية والديمقراطية وتقيم الدنيا ولا تقعدها على جندي أسير أو حتى رفات مجرد رفات لجندي قتيل؛ هي هكذا تجاه مواطنيها ولا يهمها أن تتنكر لكل قيم الحرية والديمقراطية تجاه الآخرين طالما هي تمضي على خطها الصهيوني المرسوم منذ عقود .

العرب (شعوباً) عليهم تصحيح حالتهم السائدة أو إقامة نظم الحكم التي تعيد للفرد العربي كرامته، فالمواجهة بشعوب مكبلة ومقتولة ومنهكة من حكامها لن تجدي إطلاقاً، وهذا الكلام ينطبق بالأساس على شعبنا الفلسطيني البطل الذي عرف الكفاح والنضال والفداء والاستشهاد، حيث يتطلب منه الوضع الصعب والهجمة الصهيونية الشرسة أن يكون أنموذجاً للعرب ككل في الوحدة الوطنية والحفاظ على الكرامة الفلسطينية ضمن ثوابت الحرية والديمقراطية .

إن القمم العربية هي مناسبات برتوكولية للحكام والحاجة ماسة لقمة عربية يقرر المصير العربي فيها الشعوب لا الحكام، والخروج من حالة العجز والذل بالتصالح الديمقراطي بين الحكام والشعوب قبل أن تتحول كل عاصمة عربية إلى غزة .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى