الشيخ العلامة البيحاني رائدا وتربويا ومصلحا اجتماعيا

> الشيخ/ محمد عمر بامشموس:

> الشيخ العلامة محمد سالم البيحاني في عيون معاصريه :رحم الله الإمام الشيخ محمد بن سالم البيحاني فقد ذاع صيته وبرز علمه وعلا ذكره في وقت كانت اليمن والعالم العربي الإسلامي في أشد الحاجة إليه وإلى أمثاله من المصلحين.

وكان نشاطه بعد أن تحصن بالعلم وتلقاه بحضرموت، بمدينة (تريم) على يد شيخه الإمام السيد عبدالله الشاطري وغيره من علماء حضرموت وبمصر أرض الكنانة بالأزهر الشريف كان نشاطه في مجال التربية ونشر العلم وإعداد الأجيال القادمة، وتنبيهها وتسليحها لمواجهة الإلحاد والتصدي للتيارات والمبادئ الخبيثة الوافدة على اليمن والعالم العربي والإسلامي، وقد أثرى بعلمه وأنار طريق الحق لتلاميذه ومستمعيه ومشى على خطى من سبقه من المصلحين أمثال الإمام السيد عبدالله الشاطري وجمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده وغيرهم من أئمة الإسلام ، وكتابه (إصلاح المجتمع) مؤشر للهدف الذي كان يرمي إليه ويرتجيه .

لقد عرفت الشيخ الإمام محمد بن سالم البيحاني حينما أتى إلى أسمرا، في اريتريا في زيارة ليلتقي الجاليــة اليمنية، وكان عددها في ذلك الوقت عام 1958م يربو على 84 ألفا وكان الشيخ يحمل فكرة إنشاء المعهد العلمي الإسلامي بعدن ليكون نبراســا لمعهد يتخرج فيه أبناء اليمن كعلماء أكفاء مؤهلين لنشر مبادئ الدين الحنيف السمحة، كان حلمه العظيم بدأ يتحقق في وسط أعاصير هبت على اليمن جنوبه وشماله، وفي وسط الشعب اليمني الذي كان يعشعش الفقر والجهـل والمرض بين ربوعه، ولذلك كانت المهمة صعبة ولكن الصعاب لا يكسرهـــا إلا إرادة الرجال العظام من أمثال الإمـــــــام الشيخ محمد بن سالــم البيحاني، فقد كان ذا إرادة قوية وإيمان راسخ... ولذلك فإن النتيجة- أنه بنى المعهـد ومسجد العسقلاني تحت نظره وسمعه وخلف من التلاميذ المحبين والمريدين من لا يزال يؤدي الرسالة ويعرف للشيخ جميلــه وفضلـــه- وصدق الله القائل في محكم كتابــه:(فأما الزبد فيذهب جفــــاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).

ونعود إلى معرفتي بالشيخ حينما زار أسمرا، فقد استقبل بحفاوة بالغة من جميع أفراد الجالية ورئيسها الشيخ أحمد عبيد باحبيشي رحمه الله واحتفت به أسمرا، وصادف يوم (جمعة) خطب الشيخ محمد بن سالم البيحاني فيه وصلى بالناس في جامع الخلفاء الراشدين بأسمرا وكان الحشد الكبير من المصلين... امتلأ بهم المسجد وساحته واستمعوا للشيخ وهو يخطب في ذهول وإعجاب ويتساءلون من هذا الرجل؟ فيجاب عن تساؤلهم أنه علامة ومفخرة اليمن الشيخ محمد بن سالم البيحاني، وبعد صلاة الجمعة حصل الاجتماع إلى الشيخ، وكان من ضمن المجتمعين إليه أعضاء الجالية اليمنية وبعثة الأزهر الشريف إلى إريتريا يرأسها الشيخ محمود خليفة وهو من كبار علماء الأزهر الشريف المعروفين والمشهورين، والمشائخ والأعلام من علماء الأزهر كالشيخ محمد الدمرداش ومحمد وهبه أبو عزيزة، والشيخ العشماوي والشيخ محمود بدوي، فكان أن قال علماء الأزهر.. يا أهل اليمن أنتم لستم في حاجة إلى أن يبعث لكم بعلماء من الأزهر وفيكم مثل الشيخ محمد بن سالم البيحاني، إننا في الأزهر الشريف في حاجة لمثل الشيخ محمد فاعرفوا حقه واحرصوا عليه .. وفي اليوم التالي لزيارته احتفلنا به في صالة النادي الثقافي العربي بأسمرا وقد كنت في ذلك الوقت رئيساً له وحضر الحفل حشد كبير من العلماء والأدباء والشعراء.

ومضت الأيام وعدنا إلى أرض الوطن بعد الاستقلال، وشاءت الصدف أن يكون مكتبي التجاري تحت منزل الشيخ محمد بجوار مسجد العسقلاني بشارع حسن علي بكريتر، والمكتب باق ٍ حتى يومنا هذا.. وكان خلال العامين اللذين قضيناهما بجوار مسجد العسقلاني ومنزل الشيخ رحمه الله... نستمع لخطب الشيخ ومواعظه وتوجيهاته الحكيمة وكان ذلك آخر عهدنا به رحمه الله، بعدها غادرنا عام 1972م إلى تعز بعد أن ضاق ذرعاً بالأوضاع المتردية آنذاك, وأتذكر اليوم الأخير الذي فيه زرناه في منزله وهو ثاني أيام عيد الأضحى المبارك أنا والسيد محمد عبدالله السقاف، وقال لنا بألم وحزن بالغ ومرارة، انظروا لم يزرني أحد حتى الآن غيركم ليعيدني، بينما في السنين السابقة كان زواري الأول هنا والأخير عند المتحف الحربي طوابير طويلة كانت لزيارتي فسبحان مقلب الأحوال. إنهم يجاملون الحاكم.. والناس على دين ملوكهم.

لقد فقدت اليمن علما من أعلامها ومصلحا رائدا من روادها، ولكن عزاءنا فيما ترك من مؤلفاته وأعماله وتلاميذه. ولا نقول إلا ما قاله الصابرون (إنا لله وإنا إليه راجعون).

* رئيس الغرفة التجارية الصناعية بعدن

ونائب رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية الصناعية اليمنية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى