اقتصاد.. أم.. اعتصاد

> أحمد سالم شماخ:

> اليوم الخميس الأول من يناير 2009م يكون قد مر عام على رحيل المغفور له الشيخ محفوظ سالم شماخ ولما للمرحوم من أياد بيضاء في أعمال الخير ومواقف متميزة في مواجهة قضايا القطاع التجاري والقضايا الاجتماعية بشكل عام فإن ذكراه رحمة الله عليه لم تغادر أذهان أهله ومحبيه الكثيرين وستبقى نبراسا لمن يحب اليمن ورفعتها.. وقد كتب المرحوم مقالا لم ينشره وربما لم يسعفه العمر لنشره ولما كان موضوع المقال مما يستحق النشر فإننا ننشره، نسأل الله الله له الرحمة والمغفرة.

لعل من المفيد أن أروي قصة حصلت لي.. فقد زارني في وقت من الأوقات مندوب من إحدى كبريات الشركات وطلب أن يزور الوزارة المتخصصة واشترط عدم مرافقتي له.. وفعلاً ذهب إلى الوزارة المتخصصة، وبعد ساعتين عاد ليخبرني بأنه يريد أن يغادر فوراً.. وعندما سألته عن سبب ذلك قال وبكل أسى:

«لقد وجدت أن الوزارة المتخصصة التي زرتها يعرفون كل شيء إلا العمل المخصص لهم».. صدمت بذلك الإفصاح.. وقررت أن أتابع ما يجري.. وفعلاً وجدت أن كل أو معظم الوزارات لها نفس الوضع، ولهذا فقد جاءت خططها وبرامجها بعيدة كل البعد عن ماخصصت لأجله.. ودعوني أضرب لكم الأمثال بعد أن اكتشفت أن كل وزارة تتصرف وكأنها وحدها منفردة وليس لها مثيل من الوزارات الأخرى مما جعل عمل الحكومة كاملة يأخذ طابع الانفرادية فجاء العمل والنتائج قاصرة وغير مترابطة، وهذا يؤدي إلى «اعتصاد» الاختصاصات.. إذا أرادت إحدى الوزارات المتخصصة أن تشق طريقاً تعمد فوراً إلى رسم الطريق بواسطة كوادرها وتشق الطريق غير مبالية بأن الطريق ليس من اختصاصها وحدها، بل يشاركها فيه كل من له علاقة بتلك الطريق.. الكهرباء والمياه والمجاري والاتصالات والمواصلات والمرور والسلطات المحلية.. وحتى من يستخدم الطريق أشخاصاً أم سيارات أم حميراً.. كل هؤلاء كان يجب أن يجتمعوا معاً ليحددوا مواصفات الطريق كل في اختصاصه ليأتي العمل متكاملاً.. ويهيمن على المشروع الوزارة التي ستدفع الأموال وتعتمدها.. فهل يحصل شيء من هذا؟؟

عندما تريد الجمارك أو الضرائب أو الصناديق أو غيرها فرض رسم أو ضريبة معينة.. أليس من الأصوب أن يجتمعوا مع كل من له علاقة بذلك ويدرسوا الوضع ويحددوا مقدار الرسم وهل هو ضروري أم لا والفوائد والأضرار التي ستنتج عنه ومقدار تأثيرها على الوضع الاقتصادي.. إلخ، فهل يحصل هذا أم أن كل جهة.. «تحن» برأسها وهات يافوضى وفساد وإفساد.. وقس على هذا كل الجهات.

أما التجارة فحدث ولا حرج أصبحت هدفاً لكل من هب ودب لا تخطيط.. لا دراسة.. لا علاقات.. لا تحديد جهدي.. وكما يقول المثل:(عمياء تخضب على ضوء القمر مجنونة)، نأتي بعد ذلك للاستثمار، فماذا نقول؟ نضرب مثلاً بالثروة السمكية، وماذا عملنا لها؟ كل من لديه سفن صيد عليه أن يتقمص تحت متنفذ ويفعل مايريد بها.. حتى أسماك الزينة التي تزخر بها بحارنا تتعرض للنهب ناهيك عن الشروخ والحبار والجمبري والتونة.. إلخ.. لايوجد أي اهتمام بإقامة صناعات محلية لها.. اجرف ما تريد من أسماك اشحنها إلى حيث تريد إلا المصانع المحلية القليلة التي قامت في غفلة من أهلها وأصبحوا يضجون لعدم وجود أسماك لمصانعهم.

الثروة الحيوانية والجلدية والبشرية.. فماذا نقول «يا غارة الله». بعد ذلك نأتي لمنح المانحين التي تتحول إلى ندوات وخبراء ودراسات تزدهر بها الأدراج ولا حساب ولا عقاب وضبط لدخولها ونتائجها.

أما الثروة الزراعية والمساعدات ودعم الوقود لها فكلها تذهب في الشجرة الخبيثة «القات» الذي تشبه شجرته بشجرة الزقوم الموصوفة في القرآن طلعها كأنه رؤوس الشياطين، وكالمهل تغلي في البطون وتستغرق مياه شرب لمن يتعاطاها ليطفي الغليان في بطنه.. وماذا عملنا للحد منها ولماذا سخرنا كل إمكانيات الدولة الزراعية والمائية لخدمتها.. بل الأدهى من الذي يزرعها وأين تزرع؟ أما الماء فيكفي أن نعرف بأن صنعاء العزيزة الغالية وحسب تقارير الخبراء ستكون أول عاصمة في العالم تنتهي منها المياه!! وقد يصبح علينا أن ننقل عاصمتنا إلى «النيل» أو إلى نهر الفرات أو ربما إلى المسيسبي.

الكهرباء.. حدث ولا حرج.. ترقيع وترقيع وطفي لصي ويا مواطن ويا مستثمر ادفع عشرات الملايين لكي يمد إليك خط الكهرباء الكحيان.

على كل مواطن مهما كان مستواه أن ينظر حواليه ويتفكر ليكتشف أنه لا يوجد لدينا شيء اسمه اقتصاد ويساعد على تحويله إلى اعتصاد القوانين والأنظمة واللوائح المفسرة للقوانين والصياح والنباح.. فمن المسؤول عن ذلك؟ أما آن الأوان أن نستفيد من أخطاء وكوارث الماضي والحاضر أم نكتفي بلعن الاستعمار والأئمة والحكام السابقين، ولربما أبو جهل وقيصر وكسرى.

فيا أمة ضحكت من جهلها الأمم

والله المعين والموفق

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى