حول البيانين الأمريكي والأوروبي .. رسالة مفتوحة لشركاء اليمن

> قاسم داود علي :

> بتاريخ 16-17 ديسمبر 2008م تناقلت وسائل الإعلام المحلية المختلفة تصريحاً لمسؤول الخارجية الأمريكية وبياناً صادراً عن المجلس الوزاري الأوروبي عبر فيهما كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عن مواقفهما واهتمامهما بالوضع السياسي الراهن في اليمن والانتخابات البرلمانية المفترض إجراؤها العام القادم2009.

قبل الخوض في مضمون البيانين والموقفين الأمريكي والأوروبي تجاه الأوضاع المأزومة والمتدهورة في اليمن وتقييم الناس لهذه المواقف وملاحظاتهم حولها، لابد من التأكيد على أن العامل الخارجي قد بات ضرورياً ومهماً لتفادي انزلاق الأوضاع وبوتائر متسارعة نحو الانهيار الشامل. إن ما يعزز من أهمية حضور ودور (الخارج) هو وصول السلطة إلى مرحلة باتت فيها ليس فقط عاجزة عن الاضطلاع بدورها ووظائفها، ولكنها وعوضاً عن مسؤولياتها والتزاماتها إزاء شعبها والخارج أضحت منتجة للأزمات واللااستقرار في الداخل وربما في الخارج أيضاً، كما أن النظام السياسي برمته بلغ أيضاً مرحلة العجز عن إنتاج الحلول وابتكار المعالجات لمشاكل البلد وأزماته وتناقضاته الحادة، وغدا جزءاً من الأزمة العامة وبحاجة إلى من يساعده على إصلاح وضعه واستعادة توازنه وتأهيله لأداء دوره على نحو سليم وناجح.

ومما يعزز من أهمية العامل الخارجي هو بلوغ الأزمة هذا المستوى من التعقيد والشمول والخطر وبما يتجاوز القدرات والإمكانيات الذاتية للبلد إن أرادت الإصلاح الحقيقي في حال توفر الإرادة السياسية لأصحاب القرار والشأن والتأثير، ولأن تداعيات انهيار الأوضاع كما تشير إليه العديد من الأبحاث والتقارير والمؤشرات لن تقتصر على الإقليم وحده بل سوف تمتد إلى أطراف ومصالح أخرى. لقد خسر البلد في السنوات الماضية العديد من الفرص والكثير من الوقت والجهد والإمكانيات التي جرى إهدارها وتبديدها ولم تعد تملك ما يمكن الرهان عليه واستخدامه في فصول جديدة من المناورة والمراوغة وأنصاف الحلول والكذب على الناس.

يعد الحديث عن دور الخارج إشكالية في حد ذاته، لما رافقته من أخطاء كبيرة وإخفاقات في تجارب عدة لا يرغب أحد في استحضارها أو تكرارها، كما لا يستطيع أحد الزعم بالاستغناء عن تأثير الخارج والتفاعل معه رغم ما يقال أحياناً عن ذلك من باب المزايدة والمكايدة السياسية والتشهير بالخصم السياسي.

ومع التسليم بهذه المسألة كحقيقة وواقع وضرورة في حالة بلادنا فمن الأهمية بمكان طرح التساؤلات والملاحظات بما فيها النقدية للارتقاء بهذا الدور ليكون ناجحاً وفعالاً ومفيداً للمصالح والاهتمامات المشتركة والمشروعة لجميع الأطراف والدول.

والثابت أن جميع أو معظم أطراف الأزمة التي نعيشها اليوم في بلادنا قد رحبت واستجابت لواسطة ودور الأطراف الخارجية، وسبق لها أن تعاملت معها ولجأت إليها في الماضي القريب وبخاصة في مواجهة أزمة ما بعد إعلان الوحدة وأثناء حرب 94م الظالمة التي صدرت بشأنها قرارات لمجلس الأمن الدولي ومنظمات إقليمية وفي مناسبات وأحداث أخرى ومنها حرب صعدة وهو ما يحصل حالياً في الدور الذي تقوم به كل من دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا ومنظمات غير حكومية وأطراف عديدة بهدف مساعدة أهل الشأن على مواجهة مشاكلهم وحلحلة قضاياهم، وسواء أكان هذا الدور والاهتمام الخارجي نابعاً من حرص على هذه البلاد واستقرارها وتطورها أم لدرء واتقاء الشرور والأخطار التي سوف تطال هذه الأطراف والمصالح إذا لا سمح الله وانفجرت وانهارت الأوضاع فيها، فإن ما يهمنا هو نجاح مبادرات وجهود الأشقاء والأصدقاء والشركاء، ولبلوغ هذه الغاية نرى أنه من الأهمية بمكان أن تعطى الأولوية لمعالجة القضايا الرئيسية والأزمات الحادة التي تعصف بالبلاد والعباد وبحث أسبابها.يعرف الكل بمن فيهم المهتمون بالعملية الديمقراطية بأن المشكلة الرئيسية في اليمن لا تكمن في النظام الانتخابي ولا في تركيب لجنة الانتخابات ولا في غيرها من الجزئيات.

إن أزمة البلد أيها السادة تعود لأسباب الانقلاب على الوحدة ومشروعها بما فيه الديمقراطية التي قام بها أحد أطرافها واستكمل هذا الانقلاب في حرب 1994م التي جرى فيها استباحة أرض الجنوب وإخراجه من وضعه كشريك في مشروع الوحدة ومن المعادلة الوطنية وحالت دون قيام دولة الوحدة الضامنة والحاضنة للشراكة الوطنية وللنظام السياسي التعددي الديمقراطي حقاً.

وطوال سنوات ما بعد الحرب تعرض الجنوب لعمليات (اجتثاث) شاملة ومنظمة لكيانه ومؤسساته وتاريخه ومقوماته المادية والبشرية، واتبعت ضد سكانه سياسات وإجراءات إقصائية تمييزية أقل ما يقال عنها أنها عنصرية بدائية خارجة عن العرف وما تقر به التشريعات المحلية والعهود والمواثيق الدولية.

لذلك ليس من المناسب ولا من الممكن معالجة المسألة الجزئية (الانتخابات) بمعزل عن الوضع العام في البلد. إن العملية الديمقراطية كما نعتقد ونفهمها لا تقوم على نتائج حرب وعلى قاعدة منتصر ومهزوم، ولا تنمو في ظل نظام سياسي عبر عن مصالح وتطلعات الطرف المنتصر في الحرب ولغير صالح الطرف المهزوم فيها، الذي جرى إلغاؤه وإقصاؤه ومصادرة حقوقه، ويمكن العودة في هذه المسألة إلى تجارب تاريخية لبلدان أخرى ومنها أمريكا وألمانيا اللتان شهدتا في ماضيهما حروباً أهلية وعمليات توحد، ومن حق البعض أن يتساءل وفي ضوء هذه التجارب وغيرها وواقع الحال الذي نعيشه.. هل توجهت الجيوش والمليشيات (القبائل) المنتصرة في الحرب من جبهات القتال إلى صناديق الاقتراع مباشرة لتعطي شرعية ومشروعية لما فرض في الحرب وهو ما حصل للأسف ويحصل في اليمن بعد 1994م، أم أن مرحلة تسوية سياسية وطنية قد فصلت بين المرحلتين: الحرب وفظائعها والديمقراطية وقيمها ومثلها.

من المهم جداً للحريصين على الاستقرار والتنمية والتطور في هذا الجزء المهم من العالم أن يدركوا أن للجنوبيين قضية عادلة وحقوقاً مكفولة وتطلعات مشروعة، وأنهم طرف في المعادلة القائمة والوضع المراد تسويته، وعلى المعنيين سماع صوتهم ومعرفة موقفهم، فلا يكفي إدارة الحوار بين الحاكم والمعارضة السياسية مع تقديرنا لهم ولحقهم كقوة سياسية، إلا أن اتفاقهم إن تحقق لا يكفي لإنجاح انتخابات (عامة) إلا إذا كان الهدف هو انتخابات في أراضي الجمهورية العربية اليمنية والإبقاء على محافظات الجنوب ساحة مفتوحة لكل الخيارات والاحتمالات.

وحتى لا نزيد الأمور تعقيداً واحتقاناً في صب الزيت على النار نتمنى على شركاء اليمن من دول ومنظمات أن لا يسهلوا أو يشجعوا أو يمولوا أو يمنحوا غطاء ما لعملية نقل ناخبين إلى مناطق ومدن الجنوب لينوبوا عن سكانه في الانتخابات. إن هذا الفعل القذر والمجرم إن حصل سوف ينسف الاستقرار ويفجر حروباً لا أول لها ولا آخر وسيكون في حقيقته فتنة وتزييفاً لإرادة شعب تحت رداء الديمقراطية، وعلى الجميع الاتعاظ بتجربة كركوك في العراق.

إن موقف الجنوبيين الرافض للانتخابات القادمة ليس موقفاً معادياً للديمقراطية كما يصوره البعض، فقد عرفوا الديمقراطية بما فيها التعددية السياسية والمجالس النيابية والصحافة الحرة ومارسوا الانتخابات بوعي ومسؤولية منذ منتصف القرن الماضي، إن الموقف الرافض للانتخابات يقوم على اعتبارات مبدئية أخرى. إن الديمقراطية بالنسبة لنا ليست فحسب انتخابات ولكنها أيضاً حق التظاهر والتعبير عن الرأي والنضال السلمي وتشكيل الجمعيات والهيئات والأحزاب وغيرها، وعندما أراد سكان الجنوب ممارسة حقوقهم هذه استخدمت ضدهم السلطة الإجراءات الاستثنائية؛ القتل والقمع والمنع والاستخدام المفرط للقوة ومحاصرة المدن والمناطق وإنزال عقوبات جماعية بحق السكان وبحق منظمات المجتمع المدني الخارجة عن سيطرتها، وحظرت الفعاليات السلمية مثل ملتقى أبناء حضرموت وجرجرت الصحف والصحفيين إلى المحاكم بتهم كيدية مثل ما يحصل حالياً مع صحفية «الأيام» ومع كل هذه الجرائم والانتهاكات الخطيرة لم نسمع صوتاً قوياً يندد بهذه الممارسات من قبل المنظمات والحكومات الأخرى مثل مايحصل مع أحداث مشابهة في بلدان عديدة.

وختاماً إن طرح قضية الجنوب ووضعه وتطلعات أبنائه المشروعة لا يعني بأي حال من الأحوال غض النظر عن وجود معاناة وقضايا وحقوق لإخواننا في الشمال المغلوب على أمرهم ولا إشراكهم بالمسؤولية عن ما آلت إليه الأوضاع أو الانتقاص من نضالهم وتضحياتهم.

إن طرح القضية على هذا النحو يقوم على اعتبار أن الجنوب بكيانه الذي كان فاعلاً ومعترفاً به في إطار المجتمع الدولي قد دخل كشريك في عملية توحد مع الطرف الآخر، وبالتالي فالأمور لا تستقيم بعد الانقلاب عليه وإلغاء شراكته وإخراجه من المعادلة وإنهاء دوره ومصادرة حقوقه.فلا وحدة بدون شراكة فعلية وديمقراطية حقيقية ولا ديمقراطية على حساب أي من شركاء الوحدة (الشمال والجنوب).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى