الحوار علاقة طبيعية بين البشر!

> علي هيثم الغريب:

> تنفيذاً لدعوة فخامة الأخ الرئيس لكل أبناء اليمن في الداخل والخارج بشأن الحوار، وهي الدعوة التي أطلقها من أم المدن عدن بمناسبة الذكرى 41 للاستقلال الوطني.

حيث قال: «الحوار هو الأساس، التمترس خطأ.. فلنعتمد أسلوب الحوار خير وسيلة»، وأضاف: «الوطن يتسع للجميع وندعو كل أبنائه في الداخل والخارج للحوار»، «وندعو أولئك الذين ناموا كخلية نائمة بعد أحداث 94م، ندعوهم للحوار»، ودعونا نؤكد أن هذه الدعوة الرئاسية تعتبر الخطوة الأولى على درب اليقين بقبول الجنوب كشريك بالوحدة، ونحن متفائلون، ولسنا مع الكلام المتشائم الذي انطلق بعد دعوة الأخ الرئيس للحوار مع الجنوبيين في الداخل والخارج.. «قال الأخ الرئيس ذلك مثل كل مرة.. فالرئيس لن يسمح بأي حوار وإذا سمح لن يجري، وإذا جرى فإنه سيكون شكليا» هذا الكلام سمعناه في كل الأماكن العامة في الجنوب. والغريب أن هذه الدعوة لم تحز على أي تفاؤل أو استجابة ، وكأن الرغبة الجنوبية في ذلك قد تبددت تماماً، ولكن يجب أن ينظر الجنوبيون في الداخل والخارج إلى مسألة الحوار من زاوية أخرى، فالرغبة في الحوار تعني فتح الطريق أمام الكل للالتقاء من جديد ، فالكل يعلم جيداً أن وحدة مايو 90م قد أنجزت بفعل سبع اتفاقيات وقعت من قبل دولة الجنوب ودولة الشمال.. وأن الجنوب مازال يستمد سيادته منها.. وأن الدولتين قد بقيتا بعد إعلان الوحدة من عدن، وبقيتا ممثلتين بالمناصفة في كل سلطات الدولة.

وبعد انتخابات 93م البرلمانية تغير التمثيل وصار النصف الأول على تضاد مع النصف الآخر.. وهي الانتخابات التي أفضت إلى انفراق الشمال عن الجنوب من حيث الدوائر الانتخابية (الجنوب 56 دائرة فقط حاز عليها بالكامل الحزب الاشتراكي، والشمال 245 دائرة حاز عليها المؤتمر والإصلاح) بعدها شعرت دولة الجنوب أنها مقصاة وطبيعي أنه عندما تؤدي الانتخابات العامة إلى إقصاء داخلي، يمكن توقع ردود فعل غير ديمقراطية، وهكذا أبرزت انتخابات 93م البرلمانية الانفراق بين الشريكين. وهذا الخطأ هو الذي أدى إلى حرب 94م المشؤومة .. حيث كان يعتقد صاحب الأغلبية أنه سينهي المرحلة الانتقالية واتفاقياتها بالانتخابات، وعندما لم يحصل ذلك انتهى كل شيء بحرب وحشية ظالمة، وأصبحت الحرب تجب ما قبلها، ووصلت حكومة تقتصر على الشماليين لأول مرة بعد أربع سنوات من إعلان الوحدة.. أي أن كل خطوة من هذه الخطوات كانت تؤخرنا ثلاث خطوات إلى الوراء وأصبح الجنوب بعد الحرب مستودعاً مالياً أو مثل خزنة يجري بطشها بطريقها غير أخلاقية، حتى أقفلت تماماً أمام أصحابها.

خلال حرب 94م دفعت الضغوط العربية والدولية الطرفين- الشمال والجنوب - للعودة إلى طاولة المفاوضات، وأصبح كل طرف من جديد يمثل دولته السابقة، وبدأت المفاوضات في الأمم المتحدة على أسس جديدة، وعلى أساس ممثلي الدولتين السابقتين اللتين لم تدمجا أصلاً بدولة واحدة، لا بعد إعلان الوحدة ولا بعد انتخابات 93م البرلمانية، إلا في بعض الوزارات المدنية وعن طريق التقاسم المتساوي، أي المناصفة، أبتداءً من مجلس الرئاسة وانتهاءً بأبسط وحدة إدارية، وأقرت الأمم المتحدة في قراراتها ولاسيما القرارين رقم 931.924 لعام 93م بتكليف الأمين العام للأمم المتحدة شخصياً بمواصلة رعايته للحوار، والاتفاق على صيغة لشكل ومضمون دولة الوحدة المكونة من الدولتين السابقتين، وأكد وزير الخارجية في صنعاء على مواصلة الحوار بين صنعاء وعدن تحقيقاً للوفاق بين طرفي الوحدة، وفي ضوء ما تضمنته قرارات مجلس الأمن وقرار تكليف الأمين العام للأمم المتحدة الذي يتيح الاستعانة بخبرات ومساعدة الأمم المتحدة لإنجاح ذلك، وكذا وفق ما تضمنته رسالة السلطة السياسية في صنعاء لمجلس الأمن بتاريخ 7/7/1994م من تعهدات للمجتمع الدولي.

وبعد أن وضعت حرب 94م أوزارها رُمي بهذه التعهدات عرض الحائط وألغى بقية أعضاء البرلمان دستور دولة الوحدة الذي تم الاستفتاء عليه من قبل الشعب (أُلغيت 86مادة من أصل 134مادة).. وسن دستور جديد لم يتم الاستفتاء عليه، أقر فيه نظام حكم رئاسي- برلماني بدلاً من مجلس الرئاسة الذي كان يمثل الشمال والجنوب، وطرد وسرح الآلاف من الموظفين المدنيين والعسكريين من أبناء الجنوب، وتشكلت لجان خاصة واستمارات لتصفية الموظفين الجنوبيين وتقدير الوظائف الحكومية البديلة التي تولاها أبناء الشمال.. وبقي من بقي من أبناء الجنوب في وظائف هامشية ومنهم من تم نقله إلى مناطق نائية وخطيرة، ثم جاءت مرحلة الاستيلاء على الأرض والمزارع والمؤسسات الحكومية ومباني الدولة الجنوبية والأملاك العامة والخاصة بصورة حاقدة، لم يشهدها تاريخ اليمن قط.

وجرت عملية تفتيش للأحياء والمنازل لنزع الأسلحة الشخصية.. وعاث المتنفذون في الأرض فساداً.. هذه الموجة من التملك غير المشروع كانت تجري وأبناء الجنوب صامتون ومنشغلون في الماضي الذي ورثوه من النظام السابق.

وظل الحنين إلى التسامح والتآلف فيما بينهم هو الأمل الوحيد الذي يستحيل أن تسمح به الحكومة، هكذا أصبح الآباء يبحثون في صنعاء عن استحقاقات نهاية الخدمة والتقاعد، والأبناء يبحثون عن أي طريقة للهروب من وطنهم العزيز عليهم، ولم يظهر أي صوت يذكر في صنعاء لنجدة الجنوب.. هكذا عرت حرب 94م الواقع الشمالي بكل قواه الوطنية والحزبية، وكشفت عما تعانيه تلك القوى من سطحية وتخلف في فهمها للوحدة، وبفعل هذه الأفعال البدائية، بدأ أبناء الجنوب يشعرون بالخطر الداهم، خاصة بعد أن كبر الأولاد وهم يرون حياة آبائهم الشجعان الذين بنوا دولة بكل سلبياتها وإيجابياتها وقد تحولوا إلى المعاش التقاعدي، نعم يكبرون وهم يشاهدون نكد العيش وضياع المستقبل وكيف تسلب منهم أغنى أرض في العالم وتنهب ثروتهم وحريتهم وكرامتهم.. هذه المآسي أكسبتهم نشأة ثقافية جديدة تبلور وجهتهم الذاتية الخاصة بهم فتدفق الناس إلى الشوارع بشكل لم يشهده الجنوب من قبل.. وبدأ النضال السلمي يولد منفتحاً على كل من يتبنى قضاياه العادلة.

وترتيباً على ماسبق ذكره، قامت الحكومة بوضع حلول وتشكيل لجان، لكن اتضح فيما بعد أن أغلبها كانت عبارة عن تمهيدات لإجراءات نوت الجهات الرسمية اتخاذها لعرقلة الحلول نفسها.. وظلت الحكومة تتخذ شرعيتها من نتائج الحرب..وهكذا، وبعد أن استعرضنا جذور الأزمة وأسباب ظهور القضية الجنوبية، وبعد دعوة فخامة الأخ الرئيس إلى الحوار، يحق لنا هنا أن نضع نقاط الحوار بطريقة علمية وواقعية، وذلك إنقاذاً لما تبقى من ثقافة الوحدة.. وحتى لا تظل محافظات الجنوب تحكم بالعنف والقمع.. فالعنف هو الذي يولد الكراهية بين أبناء الشعب اليمني الواحد، وعلى السلطة السياسية أن تتعظ بتجارب التاريخ، وما جرى عبره من خراب نتيجة طموحات وهمية.

وأن الحفاظ على الوحدة لايتأتى من خلال نهب أراضي وثروات وأملاك الجنوب وتسريح أبنائه من أعمالهم وتجهيلهم وإفقارهم، وذلك من خلال جني القوى المتنفذه ثروات طائلة كانت قبل الحرب ملكاً لأهل الجنوب، وعلى السلطة أن تدرك جيداً أن الذات الجنوبية بكافة شرائحها، صادقة في عملية المطالبة بالحقوق المشروعة، وقناعتها عميقة بضرورة ما يجري الآن من احتجاجات سلمية، فهي - الاحتجاجات السلمية - دليل آخر على جدوى الطريق الذي اخترناه لإعادة حقوقنا الطبيعية والمكتسبة والسياسية، وأن تغير الجو العام في الجنوب هو أحد إنجازات المطالبة بالحق، إذ يجري أمام أنظار الكل ما يمكن وصفه بانطلاق نحو صنع ديمقراطية حقيقية، وهي ديمقراطية رفض العنف حتى وإن مورس من قبل السلطة، ديمقراطية القبول لا الإقصاء، ديمقراطية التنوع وقبول الآخر.. ديمقراطية رفض الكراهية، ورفض الفتنة التي تلوح بها الحكومة.. نعم إننا لن نحيد عن هذا الطريق، وليس لدينا طريق سواه.. فالحراك السلمي هو مدرسة لا يمكن أن يمارسه إلا مجتمع مدني.. ثم إن الاحتجاجات السلمية هي أولاً وأخيراً ضد الشغب والعنف. إن الجنوب عانى مخاض عملية إعادة حقوقه، وإن الجميع يدرك أن الخيار الذي ارتضيناه صحيح، وأننا عانينا مخاض هذا الطريق السليم، والدليل الآخر هو أن دعوة فخامة الأخ الرئيس بشأن الحوار سنتعاطى معها وذلك على النحو الآتي: أهداف الحوار: أن يخدم الاعتراف بالقضية الجنوبية، وأن ينظف آثار حرب 94م، وأن يسمح لأبناء الجنوب إبراز أدلتهم وحقهم المشروع بأرضهم وتاريخهم، وأن فصلهم عن الأرض والسلطة الذي تم بعد الحرب يعتبر غير شرعي.

أن يقدم أبناء الجنوب مشروعهم بحيث يعكس إرادة كل فئات المجتمع الجنوبي.

وأن يقدم فخامة الأخ الرئيس مشروع الحوار في إطار روح الشراكة بين الشمال والجنوب.

مرجعيات الحوار: مبادرة (مشروع) فخامة الأخ الرئيس، وكذلك مشروع الحوار المقدم من قبل ممثلي الحراك الجنوبي السلمي في الداخل والخارج وممثلي الشرائح الاجتماعية في السلطة والمعارضة من مسؤولين وتجار ورجال دين ومشايخ ومنظمات المجتمع المدني.

قرارا مجلس الأمن الدولي رقم931.924 لعام 1994م.

رسالة الحكومة اليمنية إلى الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 7 يوليو 1994م.

الأطراف الرئيسة في الحوار:

فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح.

ممثلو أبناء الجنوب في الداخل والخارج، والقيادات الجنوبية في سلطات الدولة.

أحزاب المعارضة والسلطة.

الخطوات التحضيرية للحوار:

أن يقدم فخامة الأخ الرئيس مبادرة أولية للحوار مع بيان اتجاهات الحوار وأسسه وأهدافه.

أن يسمح لممثلي الحراك الجنوبي والقيادات في المنفى وشرائح المجتمع الجنوبي بعقد لقاءات تشاورية مع بعضهم البعض بهدف التوافق على إيجاد لجنة عليا للحوار وصياغة مشروعها الذي يجسد المخارج الصادقة للقضية الجنوبية في إطار روح الشراكة بين الجنوب والشمال بمفاهيمها الحضارية.

ونحن على يقين كامل - ونحن نضع أسس الحوار - أن اختلال التوازن الذي حدث بعد عام الحرب، لصالح قوى الفيد غير الوحدوية، وبعد أن استصعب على أحزاب المشترك ملء الفراغ بدلاً عن الجنوب قد يحول دون استجابة الحزب الحاكم لحوار جاد يضع حداً لكل ما يجري في اليمن، لذا لزم علينا أن نقدم «مشروع الحوار» هذا بعد أن حددنا أسباب ظهور القضية الجنوبية وتطورها وخطورة تجاهلها و إخضاعها للمناورات السياسية، وأن كل ما تطرقنا إليه يوفر مدخلاً مهماً لمعرفة اتجاهات الحوار لدى طرفي الوحدة - الشمال والجنوب - ومن أجل التوصل إلى حلول عادلة نواجه بها التدهور العام، ونستبدل بها العنف ضد الجنوبيين بالسلام، والظلم بالعدالة، وأن الاعتراف بالقضية الجنوبية اليوم هو الطريق الوحيد للحوار، وحتى لا يترك باب معالجة القضية الجنوبية لفوضى اللجان والأهواء والكسب الرخيص ونوازع التخلص من الآخر، علينا أن نبدأ الحوار الذي أطلقه فخامة الأخ الرئيس في أفضل يوم يحتفل به الشعب، الثلاثين من نوفمبر يوم الاستقلال.. ولكي ننهي به بشكل مطلق النزاعات الداخلية.

ختاماً نقول إن الحوار قد كان المرتكز الأول في اتفاقيات الوحدة، بل وإلى يومها الأخير قبل الحرب، وقد كان جزءا من تكوين وحدة 22 مايو 90م، ومعظم الاتهامات التي توجه للحراك السلمي الجنوبي هي في الواقع اتهامات للوحدة باسم الحفاظ عليها. فلماذا لا نجعل من الحوار أهم قيمة سياسية للوحدة؟ فالحوار لا يمكن أنه يرفعه إلا شخص حر يشعر بقيمته الإنسانية.. صحيح أن حرب 94م قد نسفت لغة الحوار والتحاور وغيبت قيم الوحدة الحقيقية.. وإذا كانت الوحدة هي التي منحتنا هذه القيمة - الحوار -فلماذا نحن نرفضها؟ فإذا رفضنا الحوار الموضوعي حول القضية الجنوبية يعني أننا نحول الوحدة إلى «أيديولوجيا»! (ما يعني أنها بحسب التعريف نفسه زائفة)! وفي هذه الحالة تصبح الشعارات وحدوية والنتائج غير وحدوية.

والرد الأخير على دعوة فخامة الأخ الرئيس يقول إن الساحة اليمنية بكاملها تحتاج إلى حوار جدي وصادق حول القضية الجنوبية، بل وأصبح الحوار مهما وجزءا لايتجزأ من الاستقرار السياسي.. وبوابة الانفتاح السياسي الشامل.. ومنه تبدأ اللبنة السليمة الأولى في بناء دولة الوحدة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى