وينكم يا عرب؟!

> جلال عبده محسن :

> صرخة اليأس والألم أطلقتها تلك المرأة العربية التي رآها الملايين من خلال شاشة التلفاز وهي تصرخ وبكل حرقة وألم من حال العرب وهم يرون بأم أعينهم صور ضحايا العدوان الهمجي والأرعن على أرض فلسطين.

وهي صورة رهيبة تهتز لها الجبال الشامخات للدم الفلسطيني الذي يهدر في غزة الجريحة، فكيف لا يهتزون لهذه المناظر وهي لأطفال أبرياء فتك العدوان بهم وسوى منازلهم بالتراب لشعب شردته الصهيونية العالمية والمطامع الاستعمارية.

ولعل تلك المرأة تندب حظها العاثر بأن صرختها تلك جاءت في زمن الذل والهوان والمواقف العربية المتخاذلة وهي صيحة استغاثة لشعب بأكمله، بينما كان الأمر أكثر حظا لصيحة تلك المرأة لنفسها والتي نادت وامعتصماه ووجدت لصيحتها من يسمعها ومن يأتي لنجدتها ونصرتها في ذلك الزمن، زمن الانتصارات الرائعة للفتوحات الإسلامية منذ زمن الخليفة الفاروق والناصر صلاح الدين.

كما تذكرت رواية جاءت من بطن الريف المصري رواها أحد مثقفي هذه الأمة بأن امرأة ريفية لها بعلها ولها أبناء أشداء، وعند الأسرة مطاحن الدقيق يديرونها وتدر عليهم رزقا طيبا، ولم يمنع هذه الأسرة من أن تعيش العيشة الريفية البسيطة.

ويدخل على هذه المرأة أحد أولادها يوما وهو مقطب الجبين. إنه كان يركب حمارا، ومر بعمدة القرية ولم يترجل، وفرض عليه العمدة أن يترجل وسبه، وتسمع الأم هذا وتثور، وكانت طويلة أشبه بامرأة ميدان منها بامرأة حقل.. وتدور في البيت رافعة صوتها صارخة صاخبة.. يالقومي أدركوني، وتجمع حولها أبناؤها، وتأمر ولدها هذا بأن يخرج ويركب حماره، ويتعمد أن يمر به عمدة القرية، فلا يترجل وفعل. واختصما وكان إخوته للعمدة بالمرصاد. وانتهت الخصومة بين الأسرة والعمدة بأن فرضت الأم على بعض أبنائها أن يغادروا القرية، إلى الصحراء والعراء وأن يتسللوا إليها في الليالي، ليعبثوا بالحكم وينالوا من العمدة والجند ويطيحوا بالأمن، حرب عصابات حرب العاجز المستضعف يشنها على القادر الفاجر. وظلوا كذلك والأم تطعمهم وتمونهم حتى سقط العمدة وسقطت جماعته وعاد الأبناء إلى قريتهم وتهتف بهم الأم، فتقول: كيف يطيب العيش في قرية لايستطيع الرجل فيها أن يركب حماره ولا يترجل.

إن الوطن عندما يصرخ من الطبيعي يستجيب له كل أبنائه، تماما كما تصرخ الأم فيستجيب كل أبنائها ولعل ذلك درس لبعض الزعامات العربية بأن تعيد حساباتها وتراجع مواقفها قبل فوات الأوان وقبل أن يتم تصنيفها في مزبلة التاريخ، وتدرك أن الخلاص من محنتهم الراهنة إنما هو خلاص هم صانعوه وهم مدبروه وأن لاسبيل إلى ذلك إلا بالمقاومة مادامت هناك حقوق مسلوبة للشعب الفلسطيني صادرتها إسرائيل لتقيم في أرضه نفايات مختلفة من شعوب العالم كافة.

فالنصر لا تصنعه الأيدي المرتعشة والأرجل المترددة والمواقف المتخاذلة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى